تحديات رمضان في عصرنا

يعتبر رمضان فرصة
عظيمة للعبادة والتقرب إلى الله، بيد أننا في العصر الحالي نواجه العديد من
التحديات التي تجعل من استغلاله على أتم وأفضل وجه من العسير بمكان، ومن تلك
التحديات مثلًا التوفيق بين العمل والدراسة أثناء فترة الصيام، وكذا تأثير وسائل
التواصل الاجتماعي على تنظيم الوقت.
ومع تسارع نمط
الحياة المعاصرة، أصبحت هذه التحديات تحتاج إلى إدارة للوقت والطاقة حتى يوازن
المسلم بين متطلبات الحياة اليومية من جهة، ولا تفوته فرصة تحصيل الأجر في هذا
الشهر العظيم من جهة أخرى.
أولًا:
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على تنظيم الوقت:
غدت وسائل
التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وصارت هي كذلك تبيع للناس
وهمًا من نوع آخر، حيث أصبح الكثيرون يعيشون حياتهم على وسائل التواصل؛ فلا يشربون
كوب قهوة ولا يأكلون وجبة أو يخرجون في نزهة إلا ويوثقونها على الإنترنت! ورمضان
للأسف ليس اسثناءً من تلك العادة المقيتة، وهذا الأمر حرم الكثيرين نعمة التركيز
مع حيواتهم وأنفسهم هم، وأوقعهم في دوامة لا تنتهي من المقارنات المدمرة وغير
المجدية، فما عادوا يستطيعون التركيز في حياتهم وعبادتهم، بل صارت المقارنة
والمنافسة في الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي الشغل الشاغل والهدف الأهم.
ثانيًا: التوفيق بين العمل والدراسة أثناء الصيام:
معظمنا لديه
مسؤوليات وظيفية ودراسية تتطلب منا جهدًا وتركيزًا؛ ما قد يجعل الصيام تحديًا
إضافيًا، والإرهاق الناجم عن قلة النوم والجوع والعطش قد يؤثر على الأداء في العمل
أو الدراسة، خاصة في الأيام الأولى من رمضان، مثل: صعوبة التركيز في الأعمال التي
تتطلب مجهودًا ذهنيًا، والإرهاق بسبب ساعات العمل الطويلة، وتغيير أنماط النوم
وتأثيرها على الاستيقاظ المبكر.
وهذه بعض الحلول
العملية لتنظيم الوقت واستغلاله بأكبر شكل ممكن في رمضان:
1- استغلال
الأوقات:
وهذا يكون
باستغلال فترات النشاط والتركيز وعدم ربطها بفترة بعد الإفطار بالضرورة، فالبعض
يكون أنشط أو أكثر تركيزًا قبل الإفطار منه بعده، بيد أن أوقات التركيز عادة تكون
بعد السحور أو بعد الإفطار؛ لذا يُفضل إنجاز المهام التي تحتاج تركيزًا ذهنيًا أو
جهدًا بدنيًا في تلك الفترات.
2- تقنين
الطموحات والتوقعات وجعلها أكثر واقعية:
فلتكن طموحاتنا
واقعية أثناء تحديد ما نريد إنجازه من ختمات القرآن الكريم وصلاة التراويح، وغيرها
من الأهداف فيما يتعلق بالعبادة والأذكار والدعاء، فإذا ما تمنت أُمّ مثلًا ختم
القرآن عدة مرات فستجد نفسها وقد مضى نصف الشهر أو معظمه وهي لم تختم حتى ربع
المصحف، فالخير أن يحرص كل على تحديد الأهداف التي تناسب وقته وظروفه ويحتسب الأجر
في ذلك، أما أن يعيش الإنسان في وهْم أن الوقت يتسع لكل شيء ويطمح لما لا يستطيع،
فلن يلبث يجد نفسه في نهاية الشهر، وهو لم يستغله لا كما يستحق الشهر ولا كما
يستطيع هو، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها
وإن قَلَّ»، (صحيح البخاري)،
ومعلوم أن
الحماسة تأخذنا في بداية رمضان، فهو شهر ننتظره من العام للعام، والأصل فيه هو
الحرص على الكثرة والاستكثار، ولكن في ظل كثرة المسؤوليات وضيق الأوقات يصير من
الأحرى بالمسلم أن يحدد أهدافاً واقعية تتناسب مع وقته وطاقته هو، سواء صغرت أو
كبرت، والأهم أن يحرص على الالتزام بها.
أما التنظيم
والتخطيط الذي صار يميل إليه الكثيرون قبل رمضان، ثم يقبل الشهر ولا يحققون عُشر
ما خططوا له، فهو مضيعة للوقت وخديعة للنفس، فالحقيقة أن تجهيز مصحف ومسبحة وكتاب
للدعاء أو الأذكار لا يستغرق التخطيط ولا الساعات التي ينفقها البعض قبل رمضان للاستعداد
له، ولا نلومهم على ذلك، فهو شهر عظيم وفضيل يستلزم منا التجهيز والاستعداد له، ولكن
الأهم والأوقع هو استغلال الوقت الذي يتيسر مهما قَصر والطاقة مهما صغرت.
علاوة على أن
تخصيص الأوقات بكل دقة وانضباط تعد من المشقة بمكان، سيما إذا كان الإنسان ملتزمًا
بساعات معينة للعمل والدراسة، أو كان مسؤولًا عن رعاية أطفال، فيكون الاقتراح
الأكثر منطقية هو استغلال المتيسر من الزمن وإن قل، ثم على مدار الشهر يجد نفسه
وقد أنجز الكثير بفضل الله تعالى، وذلك بدلًا من الطموحات الضخمة والآمال الخيالية
لتخصيص ساعات طويلة، والقيام بختمات عديدة.
رمضان ليس مجرد
وقت للصيام، بل فرصة لتخصيص أكبر وقت ممكن للعبادات والقرب من الله جلّ وعلا، لذا
فلتكن طموحاتنا معقولة وآمالنا منطقية حتى لا ينقضي الشهر منا، ونحن لم نقم بما
خططناه، ولم نستغله كيفما تيسر دون سابق تخطيط!