حقوق الإنسان في الإسلام.. وثيقة «المجلس الدولي للعالم الإسلامي»

عامر شماخ

14 أكتوبر 2025

136

في 19 سبتمبر 1981م، أصدر «المجلس الدولي للعالم الإسلامي» وثيقته الثانية «البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام»، متضمنةً إيجازًا بتلك الحقوق، التي اعتبرها المجلس، كما جاء في تقديمه لها: «ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قرارًا صادرًا عن سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي، لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل، ولا يُسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازلُ عنها».

والوثيقة الشهيرة خرجت إلى النور مع مطلع القرن الخامس عشر الهجري، وقد تعاون عليها نخبة من كبار مفكري العالم الإسلامي وقادة الحركات الإسلامية، مستمدِّين مضمونها من كتاب الله تعالى وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ارتفعوا بها فوق الواقع، بما يلابسه من اعتبارات الزمان والمكان، فجاءت معبرةً عن تمثُّلٍ صحيح وشامل لحقوق الإنسان كما أقرّتها شريعة الإسلام.

مجتمع إسلامي حقيقي

وإن إقرار هذه الحقوق –كما جاء في تذييل مُصدرييها- هو الضمانة الحقيقية لإقامة مجتمع إسلامي لا امتياز فيه ولا تمييز بين فرد وآخر، على أساس من أصل أو عنصر أو جنس أو لون أو لغة أو دين.

أقرّت الوثيقة 23 حقًّا، هي حقوق الإنسان في الإسلام، كما جاءت بوحييه، وهي كالتالي:

1- حق الحياة: حياة الإنسان مقدّسة، فلا يجوز لأحد أن يعتدي عليها؛ (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32).

2- حق الحرية: حرية الإنسان مقدّسة كحياته، وهي الصفة الطبيعية الأولى التي يُولد بها الإنسان؛ «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة..» (رواه الشيخان). فلا يجوز تقييدها أو الحدّ منها إلا بسلطان الشريعة.

3- حق المساواة: فالناس جميعًا سواسية أمام الشريعة؛ «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها» (رواه البخاري، ومسلم)، وكلهم في القيمة الإنسانية سواء؛ (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) (الأنعام: 132).

4- حق العدالة: فمن حق كل فرد أن يتحاكم إلى الشريعة دون سواها؛ (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ..) (المائدة: 149)، ومن حقه أن يدفع عن نفسه الظلم؛ (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (المائدة: 148)، ومن واجبه أن يدافع عن حقوق الآخرين؛ «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بالشهادة قبل أن يُسألها» (رواه مسلم، وأبو داود).

5- الحق في محاكمة عادلة: فالبراءة هي الأصل؛ «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» (رواه الشيخان)، ولا تجريم إلا بنص شرعي، ولا عقاب إلا بثبوت الجرم وتوافر الأدلة؛ (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات: 6)، ولا تُجَاوزُ العقوبة، ولا يُؤخذ أحدٌ بذنب غيره؛ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام: 164).

6- حق الحماية من تعسف السلطة: فلا يُوجه له اتهام إلا بقرائن قوية تؤكد تورطه فيما وُجّه إليه؛ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب: 58).

7- حق الحماية من التعذيب: فلا يجوز تعذيب المجرم، فضلًا عن المتهم؛ «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا» (رواه الخمسة)، ولا يجوز حمل الشخص على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها؛ «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه» (رواه ابن ماجة).

8- حق الفرد في حماية عرضه وسمعته: فلا يجوز انتهاكها؛ «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» (من خطبة الوداع)، ويحرم تتبع عوراته، ومحاولة النيل من شخصيته؛ (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) (الحجرات: 12)، (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) (الحجرات: 11).

9- حق اللجوء: وهو حق كفله الإسلام لكل مضطهد، أيًّا كانت جنسيته أو عقيدته أو لونه، ويتحمّل المسلمون واجب توفير الأمن له متى لجأ إليهم؛ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة: 6).

10- حقوق الأقليات: ويحكمها المبدأ القرآني العام: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة: 256)، أما أحكامهم المدنية فتحكمها شريعة الإسلام إن هم تحاكموا إلينا؛ (فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) (المائدة: 42)، فإن لم يتحاكموا إلينا تحاكموا إلى شرائعهم ذات الأصل الإلهي؛ (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ) (المائدة: 47).

11- حق المشاركة في الحياة العامة: بالإسهام فيها بقدر ما تتيح له قدرته ومواهبه؛ إعمالًا لمبدأ الشورى؛ (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38)، وله اختيار الحاكم بإرادته الحرة، وله حق محاسبته وعزله.

12- حق حرية التفكير والاعتقاد والتعبير: دون تدخل أو مصادرة من أحد، ما دام ملتزمًا بحدود الشريعة؛ (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) (الأحزاب: 60)، ومن حقه رفض وإنكار الظلم، ومقاومته، دون خوف أو تهيُّب من أحد؛ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: «كلمة حق عند سلطان جائر» (رواه الترمذي).

13-   حق الحرية الدينية: فلكل شخص الحرية في الاعتقاد، والحرية في العبادة وفقًا لمعتقده؛ (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 6).

14- حق الدعوة والبلاغ: فمن حقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعاونًا على البر والتقوى؛ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران: 104).

15- الحقوق الاقتصادية: فلا يجوز أن يُحرم من الطبيعة وثرواتها جميعًا؛ إذ هي ملك لله، فله حق الانتفاع بما فيها من مصادر الرزق؛ (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) (الإسراء: 20)، وله أن يعمل وينتج، وأن تكون له ملكية خاصة، ولفقراء الأمة حق في أموال أغنيائها، وقد حرّم الإسلام الغرر والجهالة، والاستغلال والتغابن، والاحتكار، والربا، والدعايات الكاذبة والخادعة.

16- حق حماية الملكية: فلا يجوز نزع ملكية نشأت عن كسب حلال؛ (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ..) (البقرة: 188).

17- حقوق العامل: أن يوفّى أجره المكافئ لجهده؛ «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» (رواه ابن ماجة)، وأن توفّر له حياة كريمة وحماية تحول دون استغلاله، وأن يُمنح ما هو جدير به من تقدير؛ «إن الله يحب المؤمن المحترف» (رواه الطبراني).

18- حق الفرد في كفايته من مقومات الحياة: من طعام وشراب وملبس ومسكن، ورعاية بدن وصحة، وروح وعقل، ومعرفة وثقافة.

19- الحق في بناء أسرة: بالزواج الإسلامي الشرعي؛ لإعفاف النفس وإنجاب الذرية، ولا يُجبر على الزواج ممن لا يرغب؛ «جاءت جارية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها النبي صلى الله عليه وسلم» (رواه أحمد).

20- حقوق الزوجة: بأن تعيش مع زوجها حيث يعيش؛ (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) (الطلاق: 6)، وأن ينفق عليها زوجها بالمعروف، ولها الحق في ميراثه، ولها إنهاء عقد الزواج منه بطريق الخلع؛ (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (البقرة: 229).

21- حق التربية الصالحة: فعلى الآباء الرعاية، والتأديب، والتعليم، وعلى المجتمع توفير الفرص الملائمة لصقل خبراته واستثمار مواهبه وقدراته؛ «كلٌّ ميسرٌ لما خُلق له» (رواه الشيخان).

22- حق الفرد في حماية خصوصياته: فهي حِمى لا يحلُّ التسوّر عليه؛ «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (أبو داود، والترمذي).

23- حق الارتحال والإقامة: والتنقل من مكان إقامته وإليه، والهجرة من موطنه والعودة إليه، من دون تضييق أو تعويق.


اقرأ أيضاً:

حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر

حقوق الإنسان في العالم الإسلامي.. نظرة غربية

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة