5 كلمات تدمر نفسية الأبناء.. تجنبها فوراً
للكلمة أثر كبير
في حياة الفرد والمجتمع؛ لذا ضرب القرآن لها مثلاً واقعياً ملموسًا بالشجرة الطيبة
والشجرة الخبيثة، فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً
كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي
السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25} وَمَثلُ كَلِمَةٍ
خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن
قَرَارٍ) (إبراهيم).
وعلى الرغم من
ذلك، تجد آباء وأمهات لا يعرفون مدى تأثير الكلمة في بناء شخصية الأبناء، ولا
يُدركون أن الكلمة قد تُنشئ في النفس البشرية ما لا تُنشئه السنون، فكلمة واحدة قد
تُنعش قلباً ميتاً، وكلمة واحدة قد تُميت قلباً نابضاً.
هناك كلمات تهدم
ولا تبني، وكلمات لا تترك علامات على الجسد، بل تحفر في القلب أعمق الجراح، كما
قال الشاعر: وجرحُ السيفِ تدملُهُ فَيَبْرىٰ ويُبقِىٰ الدهرُ ما جَرَحَ اللسانُ
إن الكلمة
تربية، والعبارة موقف، والنطق مسؤولية، فليزن المُرَبِّي لسانه بميزان الشرع
والعقل والحكمة، فالله أمرنا باختيار كلماتنا، قال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ) (الإسراء: 53)، أي أن يختاروا أحسن الكلمات ويبتعدوا عن الكلمات
التي تهدم ولا تبني، خاصة مع الأبناء.
ولهذا سنقف 5
وقفات مع بعض العبارات التي تمتص من أعماق أبنائنا بذور الأمل، وتقتلع من نفوسهم
جذور الحياة السَّوية.
1- كلمات تحط من قيمة الأبناء وكرامتهم:
«أنت غبي»، «أنت
فاشل».. إلخ، هذه عبارات تهز الكرامة الإنسانية، فعندما نقول للطفل: «أنت غبي»
فنحن لا نُعين سلوكاً فردياً نريد تغييره، بل نحكم عليه هو ككائن ثابت القيمة بهذا
الحكم الجائر الذي خرج من المتكلم لينفس به عن غضبه.
إذا نظرنا
لمنهاج النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الصغار حتى وإن أخطؤوا، فقد قال عنه
أنس بن مالك: خَدَمتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشرَ سِنينَ، فما
أمَرَني بأمرٍ فتوانيتُ عنه أو ضيَّعتُه، فلامَني، فإنْ لاَمني أحدٌ مِن أهل بيتِه
إلَّا قال: «دَعُوه، فلو قُدِّرَ أن يكونَ كان»(1)، فكان النبي صلى
الله عليه وسلم لا يسخر من الأطفال، ولا يُوبخ ولا ينتقد ولا يَلوم.
يقول د. محمد
اليوسف، استشاري الطب النفسي: ليس من حق الوالدين أن يُهدرا كرامة ابنهما أو
ابنتهما، كرامة الإنسان محفوظة في السماء السابعة، ومضمونة من الله، لهذا فليس من
حق والديه أن يحتقراه أو يُهيناه أو يطعناه في شرفه، الكرامة خط أحمر.
فعلى المُرَبِّي
أن يُحافظ على كرامة ابنه ويبتعد عن الإهانة والتحقير.
2- كلمات نقتل بها تقدير الذات عند أبنائنا:
تقدير الذات ليس
شعوراً عابراً، بل هو العمود الفقري لشخصية الطفل، إن انكسر انحنت معه كل جوانب
حياته، ونحن كآباء وأمهات أحياناً نقتل تقدير الذات لدى أبنائنا من حيث لا ندري،
فحينما نقول للابن: «دائما تُخيب ظني»، أو «كل أقرانك أفضل منك»؛ فنحن حينها نسلبه
أثمن ما يملك، ألا وهو تقديره لذاته.
فبمثل هذه
العبارات نهدم في داخله الصوت الذي يناديه «أنا أستطيع»، «أنا قادر على النجاح»، ونزرع
في داخله بدلاً منها همساً خافتاً يردد: «أنا فاشل»، وحينها ينشأ الطفل متردداً
متوجساً.
ولقد نهانا
النبي صلى الله عليه وسلم عن تحقير الإنسان لنفسه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا
يَحقِرَنَّ أحَدُكم نَفْسَه..»(2)، فهذا التوجيه النبوي دعوة صريحة بألا
يستهين الإنسان بنفسه.
يقول د. مصطفى
أبو السعد: إنّ تنمية الصفات التي تدل على التقدير الذاتي لدى الطفل لاسيما في
مراحل الطفولة المبكرة تُحدد معالم شخصية الطفل وتصرفاته مستقبلاً.. إن التقدير
الذاتي هو الذي يدفع الطفل للتعلم والتميز بالأخلاق والفكر والعقيدة والصلاح
والاستقامة، وهو أيضاً الذي يجعل الطفل يكتسب مهارات التعامل مع الآخرين والانسجام
معهم بعيداً عن التبعية العمياء والانقياد غير المحدود(3).
3- كلمات نقتل بها الأمان العاطفي لدى الأبناء:
الأمان العاطفي
ليس رفاهية، بل هو التربة التي تنبت فيها كل القيم والسلوكيات، وحين تهتز هذه
التربة يذبل كل ما فوقها، فنحن أحياناً نقتل الأمان العاطفي حينما نجعل أبناءنا
يخافون مِنا من كثرة التهديد الذي نُوجهه إليهم، وحينما نجعل البيت ساحة حساب
وعقاب، وحينما نقول لهم: «أنا لا أحبك»، «أنت ليس ابني»!
فالأبناء لا
يحتاجون مِنَّا إلى بيت كامل بلا أخطاء، ولكنهم يحتاجون إلى قلب يُشعره بالحب الذي
لا يتزعزع مهما كانت الأخطاء، يحتاجون مِنا ألا يكون العقاب يحمل في طياته
الكراهية والانتقام، وهذا أمر الله لنبينا أن يَلِين لمن حوله فقال الله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ
لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل
عمران: 159).
4- كلمات نقتل بها الإبداع عند الأبناء:
الإبداع لا ينمو
في أرض الخوف، ولا يُزهر تحت ظلال التوبيخ، ولكنه ينمو في البيت الآمن، فالطفل لا
يُفرق بين اللعب والاستكشاف، وبين الخطأ والتعلم، بل يرى في كل تجربة فرصة للفهم
والتجربة، وحين نكبح خياله أو نستهزئ بمحاولاته، فنحن نغرس فيه أن التفكير المختلف
خطر، وأن الخروج عن المألوف خطيئة.
ولقد ضرب لنا
الخليفة عمر بن الخطاب المثل الأسمى في تحفيز الغلمان على الإبداع في زمانه، فقد
كان يُقرِّب ابن عباس وهو غلام صغير، ويُجلسه مع الكبار ويسأله، ويتركه يُجيب
ويُبدع.
فبدل أن تطفئ
الفكرة، أضف إليها الوقود، وشاركه في اهتماماته وشجعه وحَفـزه.
5- كلمات نقتل بها الاعتمادية عند الأبناء:
الاعتماد على
الذات لا يُولَد مع الطفل، بل يُغرس فيه بالتشجيع والتحفيز، ويُقتل بالتدخل المفرط
وبالتدليل الزائد، فالوالدان يُطفئان في أبنائهم أحياناً شُعلة الاعتماد على
النفس، فحينما يُقال للطفل: «اترك واجباتك أنا سأقوم بفعلها»، «لا تأكل بيدك، أنا
سأطعمك»، من خلال هذه الكلمات تصل رسائل للطفل مفادها: «أنت عاجز ولن تستطيع».
فحينما تتكرر
مثل هذه الكلمات على مسامع الابن يتقرر في نفسه أنه لن يستطيع بذاته فعل أي شيء،
وأنه يحتاج لمن يقرر بالنيابة عنه.
يقول د. عبدالكريم
بكار: نحن بحاجة إلى ثقافة جديدة في التربية، نغرس فيها المهارة لا الاتكالية،
ونُعَلم فيها تحمل المسؤولية لا انتظار المساعدة، فلنمنح أبناءنا فُرص العمل، لا
المال فقط.
فلنشرك الأبناء
في تحمل المسؤولية، ونُعلمه فن اتخاذ القرارات.
________________
(1) أخرجه
الإمام أحمد (13419).
(2) أخرجه
الإمام أحمد (11255)، وابن ماجة في سننه (4008).
(3) كتاب
التقدير الذاتي للطفل، ص6.