هل تخلّت دمشق عن فلسطين؟!
سورية الجديدة.. بين توازن السياسة وثوابت القضية الفلسطينية

هل تنكَّرت سورية
الجديدة للقضية الفلسطينية ووافقت دمشق اليوم على السلام مع «إسرائيل»؟ وهل خسرت
فلسطين بشار الأسد الذي كان يرفع شعار المقاومة والممانعة؟!
جدل أثير منذ
اليوم الأول لدخول قوات «ردع العدوان» إلى العاصمة السورية وازدادت مع تطور
الأحداث والدخول في مفاوضات برعاية وضغط أمريكي قيل: إنَّها تهدف للسلام مع «إسرائيل»
مقابل السماح لـ«هيئة تحرير الشام» بالوصول إلى حكم البلاد ورفع العقوبات تمهيداً
لإعادة الإعمار.
القضية الفلسطينية.. ستار النظام السابق
لفهم المشهد
الراهن لا بد من العودة إلى الوراء؛ فالنظام المخلوع لم يجد أفضل من القضية
الفلسطينية ليحتمي بها من غضب الشعب، إذ أدرك أن وجدان السوريين مرتبط بفلسطين،
وأنهم مستعدون للتضحية بحرياتهم وقوت يومهم والصبر على المكاره دفاعًا عن القدس
والمقدسات.
ولم تكن
المظاهرات في شوارع دمشق مسموحة إلا إذا كانت نصرةً لفلسطين ودفاعًا عن غزة و«الأقصى».
ولولا تلك
الشعارات، لما صبر السوريون على القمع ونهب الثروات وسلب الإرادة لعقود طويلة تحت
راية «الممانعة».
عندما أصبح دعم «حماس» تهمة
ورغم رفعه شعار
المقاومة، رفض النظام منذ البداية أن تقف حركة «حماس» على الحياد تجاه ما جرى في سورية،
فحاربها وطرد قادتها، وضيّق على أنصارها؛ حتى أصبحت تهمة دعم «حماس» أخطر من تهمة
الانخراط في الثورة السورية نفسها!
يقول أحد
المعتقلين السوريين في شهادة حية: «كان أكثر الأسئلة تكرارًا أثناء التحقيق في فرع
الأمن العسكري (215) عام 2016م هو: ما موقفك من حركة «حماس»؟ وما رأيك بالشيخ أحمد
ياسين؟».
فهل كان هذا
سلوك نظامٍ مقاومٍ يدّعي دعم القدس و«الأقصى»؟!
لغة الشعر في السياسة
في القمة
الإسلامية بالدوحة، عقب العدوان «الإسرائيلي» على دولة الوساطة، ألقى الرئيس
السوري أحمد الشرع كلمات مقتضبة، قال فيها:
متى تجمّع القلب
الذكي وصارماً وأنفاً حمياً تجتنبك
المظالم
مستشهدًا بأبيات
الشاعر عمرو بن براقة الهمداني، وفيها: وكنتُ إذا قومٌ غزوني غزوتهم فهل
أنا في ذا يا لهمدان ظالمُ
فهل تصدُر هذه
اللغة الحماسية الحازمة عن قائدٍ يفرّط بحق القدس والمسجد الأقصى، رغم ما فيها من
دعوة لردع المعتدي ومواجهة الغزو بالغزو؟ أم أنها رسالة سياسية مزدوجة المعنى تعكس
موازنة دقيقة بين المبدأ والواقع والعمل الجماعي المُشترك؟
اتهامات السلام.. ومواعيد لم تتحقق
منذ تحرير سورية،
لم تهدأ الشائعات حول اتفاق سلام مرتقب بين دمشق و«إسرائيل»، حتى روج البعض أن
الإعلان سيتم قبل رفع العقوبات الأمريكية، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث؛ ما دفع تلك
الجهات لترويج مواعيد جديدة ومتكررة كان آخرها تأكيدهم أن إعلان السلام سوف يتم
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2025م، ولكنه أيضاً لم يحدث.
وجاء قصف
الاحتلال لعدد من المدن السورية واستهداف محيط القصر الجمهوري ومبنى قيادة الأركان
في وسط دمشق؛ ليُثبت اتساع الهوة، ويؤكد أنَّ دمشق اليوم بعيدة كل البعد عن
الإفراط والتفريط.
توازن بين التهدئة والموقف الثابت
لقد فوّت الرئيس
الشرع على خصومه فرصة اتهامه بالتفريط حين امتنع عن توقيع أي اتفاق سلام مع
الاحتلال، كما فوّت عليهم فرصة اتهامه بالجنون والتهور حين لم يفتح جبهة عسكرية
يعلم الجميع أن البلاد غير مهيّأة لها حالياً.
ولا تزال
الدعوات السورية الرسمية إلى تجديد اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974م تؤكد التمسك
بالحق من جهة، وتعترف من جهة أخرى بأن الظروف الراهنة لا تسمح بخوض حرب جديدة،
وهذا ما ينسجم مع ثوابت الوجدان الشعبي السوري والرأي العام العربي والإسلامي الذي
يرى في فلسطين قضيته الأولى، مهما تغيّرت الظروف والأحوال.