إبداع العالم يدعم فلسطين

شعرٌ من أجل فلسطين.. أبياتٌ ضدّ الإبادة الجماعية

سيد يوسف

18 نوفمبر 2025

57

دعم المقاومة ورفض الإبادة.. حين يتحدث ضمير الشعر

على مدار يوم السبت الموافق 20 من يناير عام 2024.. وبعد مررو أكثر من مائة يوم على اندلاع طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام 2023.. كان ضمير العالم يصرخ بأعلى صوت، مقدمًا كل ما يستطيعه من دعم للقضية الفلسطينية، ورفض لما أعقب الطوفان من إبادة جماعية لكل ما هو فلسطيني، وخصوصًا في غزة..

في ذلك اليوم، شهدت 35 مدينة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية تظاهرة دولية ضخمة، شارك فيها أكثر من ألف شاعر من أنحاء مختلفة من العالم.. وعلى مدار اليوم قام المشاركون بإلقاء أشعار كبار شعراء فلسطين عبر التاريخ، كما شارك بعضهم بقصائد خاصة به.. وذلك تحت عنوان كبير (شعر من أجل فلسطين.. أبيات ضد الإبادة الجماعية).

القصائد التي ألقيت بالإسبانية وشهدت تفاعلاً دوليًا واسعًا، عبرت عن حجم التضامن الهائل مع قضية الشعب الفلسطيني، وتأكيد حقوقه المشروعة في وطنه، ورفض ما يمارس ضده من إبادة أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتدمير تام للبنية التحتية لغزة..


الجغرافيا تعانق التاريخ من أجل فلسطين

علاقة العرب والمسلمين بإسبانيا تؤطرها حكايا الأندلس؛ حيث ما زالت آثار ازدهارها ومآساتها باقية في القلوب.. أما علاقتهم بأمريكا اللاتينية فهي، على حداثتها، تترجم وحدة الروح ووحدة الجروح؛ حيث تمتلك الثقافتان من التراث الحضاري ما لا نظير له.. كما أن معاناة الفلسطينيين، سبق أن عاناها أغلب السكان الأصليين في الأمريكتين.. ولعل هذا ما يعطي ذلك اليوم دلالات تعانق فيها الجغرافيا التاريخ..

في تلك التظاهرة الشعرية من أجل فلسطين مر على الأسماع ذكر مدن يعرفها العرب معرفة جيدة.. ففي إسبانيا سجلت عشرات المدن حضورها، ومنها: (كاستيلو، قرطبة، غرناطة، مدريد، مورسيا، فالنسيا، وسرقسطة)..

ومن أمريكا اللاتينية حضرت مدن عديدة، منها: بوينس آيرس، وبوغوتا، وكوراكو دي فيليز، وميريدا، ومونتيفيديو، وسان كريستوبال دي لاس كاساس، كما سجلت بروكسل حضورًا لافتًا..


ماريو إسبينوزا بينو.. فيلسوف يقول الشعر في محبة غزة

من بين المشاركين في الحدث كان الأكاديمي والشاعر والفيلسوف الإسباني ماريو إسبينوزا بينو، أستاذ الفلسفة بمركز الدراسات الدولية التابع لمؤسسة أورتيغا مارانيون.. وصاحب النشاط الأكاديمي والإبداعي والنقدي المميز..

يمتلك إسبينوزا مدونة على الإنترنت تحمل اسم (تأملات وفتنة) تضم نماذج لكتاباته ومقابلاته والفعاليات التي شارك فيها.. وقد قام بتوثيق مشاركته في تلك التظاهرة الفنية عبر مدونته بقوله: "في 20 يناير الماضي، شاركت مع أكثر من ألف شاعر آخر في فعالية (شعر من أجل فلسطين. أبيات ضد الإبادة الجماعية)؛ دعمًا للشعب الفلسطيني"... وبعد أن يعرب عن سعادته بالمشاركة الواسعة من شعراء مدن إسبانية ولاتينية وأوربية في الحدث يتحدث بالتفصيل عن الأمسية التي شارك فيها واستضافتها قاعة (CSOA La Ferroviaria) بالعاصمة الإسبانية مدريد؛ حيث ألقى الشعراء المشاركون قصائد مترجمة إلى الإسبانية لكبار الشعراء الفلسطينيين، مثل: محمود درويش، وسميح القاسم، وفدوى طوقان، وغيرهم.. فضلًا عن إلقاء بعض الشعراء قصائد من إبداعهم، وكان العامل المشترك بين تلك القصائد مواكبتها للفكرة العامة التي يحملها اليوم.

يتحدث إسبينوزا عن انبهاره بتلك الفعالية فيقول: "كانت فعالية جماعية مهيبة لا تُنسى: فقد تمكنا، نحن الحضور، من الانغماس في جوٍّ غامر من التضامن، واحتضن بعضنا بعضًا بأصواتنا وكلماتنا في وجه كل هذا العنف والقسوة".

ثم يختم التدوينة بتقديم الشكر لألبرتو جارسيا تيريزا الذي دعاه للمشاركة في التظاهرة، ويشير بسعادة واعتزاز إلى مشاركات عدد من المبدعين، ذكر منهم: بيلين غارسيا نييتو، وماريا لويزا غارسيا أوتشوا رولدان، وإيزابيل ميغيل، وماريا أنخيليس مايسو، وجوزيف أنتوني، وخالد الريسوني.

إسبينوزا الذي ألقى قصيدة محمود درويش (وطني) خلال الفعالية، قرأ أيضًا قصيدة من إبداعه بعنوان: (العالم يموت في غزة) أهداها إلى مقاومي غزة، ويقول فيها:


هناك دائما وسائل متاحة لإخفاء المذبحة

ومحاولة تغطية الجثث بغطاء من الكراهية

واللامبالاة والأكاذيب

يتعلق الأمر بإسكات الآخر

إلى الحد الذي لا توجد فيه كلمات يمكن قولها

مثل اللسان المعقم والدقيق

الذي يصف دبلوماسية مجرم الحرب،

كان صوته معتدلاً وراضيًا

في حين كانت القنابل تتساقط،

وتُغرق صراخ الضحايا

يتعلق الأمر بتقليص الآخر إلى صمت صوت

لا يستطيع أن ينطق بكلمة واحدة

لكن غزة تنضح بالدماء:

الجدران محطمة،

والشوارع مليئة بجثث الأطفال والآباء،

والأمهات والجدات وعائلات بأكملها،

دون أي إمكانية للحداد

هذه إبادة جماعية!

ولدت من الهذيان القاتل الذي تمارسه إسرائيل

على جثث شعب منفي

من ينقذ أسماءهم

من براثن الفسفور الأبيض والرماد؟

من يمحو بذكراه قفار الموت والنسيان

ليستعيد كرامة نظره؟


نسرين خوري توثق اليوم بطريقتها

ونسرين أكرم خوري هي كاتبة سورية تحمل بكالوريوس الهندسة المدنية، وحاصلة على الماجستير في الإدارة الثقافية الدولية والابتكار الاجتماعي، صدر لها مجموعات شعرية، منها: (بِجَرّة حَربٍ وَاحِدَة)، و(أَركُلُ البيتَ وأخرج)، ولها رواية بعنوان (وادي قنديل).

في مدونتها التي تحمل اسم (أوان ما قبل الحقيقة) توثق نسرين مشاركتها في تلك التظاهرة الإبداعية الداعمة لفلسطين، التي تسميها (المارثون الشعري)؛ حيث تعرب عن مسارعتها بتلبية الدعوة الموجهة إليها للمشاركة فيها بشكل فوري، وتتحدث عن العدد الكبير من المدن التي شاركت في الحدث، وتوثق توقيت الفعالية الذي امتد من العاشرة صباحًا حتى العاشرة مساء.. وتشير إلى المشاركة الواسعة من المواطنين في المدن التي أحيت الفعالية، سواء بحضور مجرياتها في القاعات المستضيفة، أو بالتظاهر في الشارع بالتزامن معها، أو بالمشاركة في الأمرين..

تجتر نسرين ذكرياتها في حمص التي أعادتها إليها قصائد درويش، وتعرج على الواقع السوري الصعب.. وتطرح السؤال الذي يطرحه الشعراء جميعًا حول جدوى الشعر.. وبرغم نبرة الإحباط تصل إلى قناعة كتلك التي يملكها الشعراء جميعًا بأنه مهما كانت الإجابة فقد فعل الشعر الكثير في ذلك ذلك اليوم لغزة وأهلها ولفلسطين وقضيتها.. وهو ما تجلى في طبيعة المشاركات الشعرية، سواء تلك التي صدح خلالها الشعراء بقصائد كبار شعراء فلسطين الكلاسيكيين، أو قصائدهم الخاصة المتعلقة بالحدث، أو احتفائهم بالأصوات القادمة من غزة، مثل هبة أبو ندى، وناتالي حنظل، ورفيف زيادة، ورفعت العرعير الذي قرأت قصيدته (طائرات ورقية ملونة تسعد أطفال غزة)..

وتختم نسرين خوري شهادتها باسترجاع ديوان (غزة في السماء) للشاعر الإسباني أرماندو لوثانو الذي تراه شهادة قوية لصالح القضية.. وتتوغل في التفاصيل الفنية المدهشة لهذا الديوان، وقد جمعت بين جماليات الفن وصدق الشعور وقوة التعبير.. وتنشر إحدى قصائده، وعنوانها (القيامة في غزة)، يقول فيها:


هل هذه هي القيامة التي بشّر بها الأنبياء؟

قنابل-غربان تنهش فرائسها

في ظلمة هائلة تغطي الأرض.

نحن شهود على الإنسان في أقصى شروره.

هل هذه هي نهاية الأزمنة؟

حشود تائهة، أجساد مسحوقة،

آفاق من الأنقاض صنعتها حضارة متغطرسة.

يا للأسى!

الحياة تكافح بلا توقف لتجد معنى ما !

هل حقًا لا يوجد مخرج؟ هل انتهت الحلول؟

هل علينا أن نموت جميعًا، جسدًا وروحًا،

لإرواء عطش الانتقام لدى قلة من الناس؟



 خاتمة

سيظل السبت 20 يناير 2024 يومًا خالدًا في ذاكرة الإبداع الإنساني، سواء بسبب الوقفة النبيلة التي أداها الشعر نائبًا عن الإنسانية، أو بسبب ما شهده من تضامن واسع مع القضية الفلسطينية، ورفض شديد للممارسات الإجرامية ضد العزل من أبنائه.. وبرغم أن سؤال الشعراء الذي تبنته خوري حول جدوى الشعر يبقى قائمًا، فإن إجابة ناصعة البياض تطل بوجهها الباسم من عشرات المدن التي رأت أنه يمكن للشعر أن يصبح سلاحًا فعالاً لحماية الضعيف، ويمكن للشاعر الذي يملك ضميرًا حيًّا أن يكون درعًا للمضطهدين، وأن يصير في لحظة مصداقًا لقول العقاد: 

الشعرُ من نفس الرحمن مقتبس * والشاعر الفذُّ بين الناس رحمن

اقرأ أيضًا
«تحيا فلسطين».. أغنية سويدية وضعت القضية في قلب الحدث عالميًّا
شعراء من الظلال: حين يتحدث الأدب الملايوي باسم الأمة
الالتزام الأدبي.. ميتُنا الذي يجب أن يُبعث من جديد

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة