علماء يرصدون دروساً من المقاومة الفلسطينية
تسطر المقاومة الفلسطينية في غزة تاريخاً من النضال والصمود، لا شك في أنه سيكون منهاجاً للشباب في العالم العربي والإسلامي، وبذرة صالحة لغرس روح الجهاد والتفوق في نفوس الأجيال القادمة.
«المجتمع» طرحت الأمر على مائدة النقاش مع عدد من العلماء والخبراء، للخروج بدروس مستفادة من «طوفان الأقصى»، وصمود غزة لليوم الـ115، في مواجهة قوى عظمى داعمة للعدو الصهيوني.
الأخذ بالأسباب
في البداية، يؤكد د. محمد عبدالدايم الجندي، عميد كلية الدعوة الإسلامية- جامعة الأزهر، أنه يجب أن يتعلم شباب الأمة من أبطال المقاومة حسن التوكل على الله والأخذ بأسباب القوة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ألم يقل الله للمسلمين في كل زمان ومكان: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60).
الإيمان بالله وحب الشهادة والأخذ بالأسباب عوامل نجاح
وأضاف أن أبطال المقاومة قدموا درساً أخلاقياً فريداً ليس لشباب العرب والمسلمين فقط، بل للبشرية كلها من خلال اعترافات الأسرى المفرج عنهم بحسن المعاملة والود الشديد طوال فترة الأسر، وهو ما جعل الكثير من غير المسلمين – وبعضهم يهود- يكثرون القراءة عن أخلاقيات الحروب في الإسلام واعتنقه بعضهم عن قناعة تامة، وتحولوا لمدافعين عن الإسلام بعد أن كانوا أعداءه بسبب تضليل آلة الإعلام الصهيوني، وصدق الله العظيم إذ يقول: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة: 32).
التخطيط والجماعية
ويقول د. مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية: إن إبداع شباب المقاومة في أساليب المواجهة التي بدأت بالحجارة والزجاجات الحارقة والألعاب النارية في الانتفاضات السابقة إلى الطعن والدهس، ثم تطوير التصنيع المحلي للتسليح، وتوظيف العلم والابتكار، من أهم لبنات ودروس الاعتماد على الذات.
ويضيف أن المقاومة علمتنا درس العمل الجماعي؛ لأن يد الله مع الجماعة، ولا يجتمع شباب الإسلام على باطل، ولهذا رأينا شباب المقاومة من كل الفصائل والجماعات يجتمعون جميعاً تحت راية الإسلام تنفيذاً عملياً لقول الله سبحانه وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103).
التصنيع المحلي للسلاح والذخيرة وراء ملحمة الصمود
ومن الدروس المستفادة حب الشهادة، وأنها أحب إلى الفلسطينيين من الدنيا وما فيها، فهم يؤمنون أنهم سيفوزون بإحدى الحسنيين -على الأقل- النصر أو الشهادة أو هما معاً إن شاء الله رغم التخاذل العالمي مع قضيتهم باستثناء القليل ممن بقيت فيهم الإنسانية والرحمة.
إيمان أسطوري
وترى د. هدى درويش، أستاذ ورئيس قسم الأديان المقارنة بمعهد الدراسات الآسيوية بجامعة الزقازيق، أن شباب المقاومة حطم أسطورة العدو الصهيوني، وأن الجرأة غير المسبوقة، التي أذهلت الأعداء، من بواسل المقاومة في التصدي للاحتلال وحب الشهادة يؤكد اعتزازهم بالكرامة الوطنية، في مواجهة الأسلحة المتطورة للعدو الصهيوني والدعم الأمريكي مع تخاذل المحيط العربي؛ لأن لديهم ثقة في نصر الله لهم لأن وعده الحق، وهو القائل: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج).
وأشارت إلى أن شباب المقاومة قدم نموذجاً متميزاً في الروح المعنوية المرتفعة وسط «أمة غثاء السيل» التي تعتقد أن الجيش الصهيوني لا يُقهر، وما على شعب فلسطين إلا الرضا بالفتات والأمر الواقع مهما كان فيه من ذلة ومهانة، ووسط هذا التخاذل وثق الأبطال بنصر الله حتى إنهم ذكرونا بأجيال الصحابة والتابعين في رفض أي تخاذل أو التأثر بما يقوله الجبناء والمنافقون المعاصرون.
العلم والتخطيط والعمل الجماعي كسر هيبة العدو الصهيوني
وأضافت أن سلاح الإيمان والثقة بالله كان حاضراً، والروح المعنوية المرتفعة كانت سداً منيعاً، فضلاً عن التسليم بأمر الله، والصبر، والمثابرة، وهي عوامل من المستحيل أن يتم هزيمتها، وما نراه على أرض الواقع في الميدان خير شاهد، أما خزائن المال والسلاح الغربي والأمريكي المفتوحة للنازيين الجدد، فإن الله حدد مصيرها، بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ {36} لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال: 36).