غزة.. بين مطرقة السيطرة العسكرية وسندان المجاعة الحقيقية

أعلنت الأمم المتحدة، في 22 أغسطس 2025م، عبر نظامها لتحديد الأمن الغذائي والتغذية والتصنيف
المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC)، أن مدينة
غزة والمحافظات المحيطة بها تعاني مجاعة رسمية، وهو الإعلان الأول من نوعه في
الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن أكثر من مليون شخص يعيشون في ظروف حصار غذائي مميت،
وأن الوضع قابل للتمدد ليشمل محافظات الوسطى وخان يونس مع نهاية سبتمبر.
بين الحقائق والادعاءات
منذ أكتوبر 2023م،
فرضت دولة الاحتلال حصاراً شديداً على غزة، منعت من خلاله دخول المواد الغذائية
والدوائية والوقود والكهرباء، هذا الحصار، الذي جرى تبريره أحياناً بحجة إطلاق
سراح الرهائن، أدى إلى انهيار شبكات الغذاء والمياه والبنية التحتية الحيوية،
وتدمير المطاحن والمخابز والمخازن وأماكن توزيع الطعام.
إعلان الأمم المتحدة المجاعة في قطاع غزة
يعد الأول من نوعه في الشرق الأوسط
والغارات الجوية
الصهيونية والتضييق الأمني على عمليات إيصال الغذاء أديا إلى مقتل العديد من
المدنيين والجرحى أثناء وصولهم إلى محطات توزيع المساعدات، كما سُجلت إصابات بين
المواطنين والصحفيين أثناء انتظار الغذاء أو تغطية الأحداث.
ورغم ذلك، نفت
دولة الاحتلال صحة تقرير المجاعة، معتبرة أن التصنيف المتكامل لمراحل الأمن
الغذائي (IPC) يعتمد على معلومات مغلوطة أو مقدمة من
مصادر مشبوهة، كما وصف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التقرير بأنه «كذبة قطعية»،
مدعياً أن دولته لا تنتهج سياسة المجاعة، بل تسعى إلى منعها!
خطة السيطرة والاحتلال
في ظل التصاعد
المأساوي للأزمة الإنسانية، وبالتزامن معها، أعلن المجلس الوزاري المصغّر
(الكابينت)، في 8 أغسطس 2025م، عن خطة لتطويق وحصار واحتلال مدينة غزة، بدأت
تفاصيلها غير المعلنة عبر إطلاق القوات الصهيونية عملية عسكرية واسعة النطاق نحو
حدود وأطراف المدينة، في منطقة مكتظة بالنازحين، بهدف دفع السكان جنوباً، كجزء من
خطة للتهجير أو الاحتلال الدائم.
التجويع واحتلال غزة يهدفان لتحقيق
المبادئ الصهيونية الخمسة التي أعلنها نتنياهو
وفي المقابل،
صعّد جيش الاحتلال من عملياته، فاستهدف المدنيين ومنازلهم في مناطق الزيتون
والصبرة وتل الهوى والصحابة، من خلال قصف المنازل وتفجيرها وإصدار أوامر إخلاء،
بالإضافة إلى قصف أماكن المساعدات والخيام التي لجأ إليها المدنيون.
وتهدف الخطة
العسكرية، وفق إعلان نتنياهو، إلى تحقيق المبادئ الخمسة للحرب: القضاء على حركة «حماس»،
ضمان تحرير جميع الأسرى، نزع السلاح من قطاع غزة، فرض السيطرة الأمنية الصهيونية، إنشاء
إدارة مدنية بديلة لا تخضع لـ«حماس» ولا للسلطة الفلسطينية.
وتعتمد الخطة
على تنفيذ عملية تدريجية تبدأ بالسيطرة الكاملة على مدينة غزة، مع نقل سكانها -المقدر
عددهم بمليون نسمة– إلى جنوب القطاع، وتتبع هذه الخطوة عمليات تطويق للمدينة، ثم
توغل في التجمعات السكنية للسيطرة على معسكرات «حماس» المفترضة في وسط القطاع،
إضافة إلى المناطق التي يُرجّح وجود أسرى فيها.
كما تتضمن الخطة
تنفيذ هجوم إضافي بعد أسابيع، يترافق مع تكثيف دخول المساعدات الإنسانية، في حين
يُتوقع الدفع بعشرات الآلاف من الجنود الصهاينة إلى داخل القطاع لتنفيذ هذه
المراحل.
الموقف العربي والدولي
لقد أثار إعلان
المجاعة موجة من التنديدات الدولية، التي وصفت الوضع الإنساني في غزة بأنه كارثة
من صنع الاحتلال، وفشل أخلاقي للإنسانية، كما صدرت العديد من البيانات الدولية
التي اعتبرت ما يحدث في غزة «جريمة حرب» تتعلق باستخدام التجويع كسلاح.
كما دعا سياسيون
أمريكيون إلى إنهاء المجاعة، وانتقدوا استمرار الدعم الأمريكي للعمليات الصهيونية،
وشهدت مدن أوروبية وآسيوية مثل ستوكهولم وطوكيو وسيدني احتجاجات ضد مخططات
الاحتلال الصهيوني في غزة، تحت شعار رفض الاحتلال واستخدام الجوع كسلاح.
الموقف الدولي الهزيل والعربي الضعيف شجع الكيان
على التمادي في سياساته العنصرية
أما الموقف
العربي، فقد اتسم في مجمله بالصمت، باستثناء بيانات شجب واستنكار محدودة من بعض
الدول والمنظمات، التي أدانت الحصار والتجويع الصهيوني وأعربت عن قلقها البالغ من
تفاقم الكارثة الإنسانية، وأكدت أن هذه السياسة ستبقى «وصمة عار» في تاريخ
الاحتلال والمجتمع الدولي، مطالبة بالتدخل الفوري لإنهاء المجاعة ووقف حرب الإبادة
ضد الشعب الفلسطيني.
مجاعة متعمدة وتهجير ممنهج
تصريحات قادة
الاحتلال المتطرفين، مثل طلب الوزير بتسلئيل سموتريتش من رئيس الأركان إيال زامير
محاصرة سكان غزة ومنع الماء والكهرباء عنهم حتى «الاستسلام أو الموت جوعاً»، تؤكد
أن ما يجري ليس وليد الصدفة، بل هو تخطيط مسبق وبإصرار متعمد، وبضوء أخضر من
الحليف الأمريكي، وهذا يعني أن المجاعة ليست طبيعية، بل مصنوعة عبر حصار ممنهج
وتعطيل واسع النطاق لإيصال المساعدات.
وإن التلويح
العسكري باحتلال غزة وتهجير سكانها، والتدمير المتعمد للبنية الغذائية، يوحي بأن
الهدف ليس فقط فرض السيطرة العسكرية، بل أيضاً تحويل المدنيين إلى ضحايا للجوع
ودفعهم قسراً نحو الجنوب.
كما أن غياب خطة
إدارية أو مدنية واضحة لإدارة القطاع بعد العمليات العسكرية، يكشف نية الاحتلال في
فرض السيطرة الأمنية والسياسية الكاملة على غزة، ودفع الناس إلى الهروب؛ بما يخدم
خطة «التهجير الطوعي».
موقف دولي وتحرك فوري
إن إعلان الأمم
المتحدة عن وقوع مجاعة في غزة ليس اعتباطياً، وإنما تحذير صارم من كارثة إنسانية
لا يمكن احتمالها، وخطة الحكومة الصهيونية لا تهدف إلى السيطرة العسكرية فحسب، بل
إلى تمرير سياسة التهجير القسري للسكان، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية وحقوق
الإنسان وحق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه وتقرير مصيره.
مطلوب موقف دولي وعربي ضاغط لفتح المعابر
وإيصال الغذاء ووقف العمليات العسكرية
والمطلوب موقف
دولي وعربي ضاغط لفتح المعابر، وإيصال الغذاء، ووقف العمليات العسكرية؛ لذلك،
يتطلب الأمر موقفاً دولياً وعربياً حازماً تجاه الممارسات الصهيونية في غزة، من
خلال إيجاد حل سياسي، وفتح المعابر، وضمان إيصال الغذاء، ووقف العمليات العسكرية،
كما يجب تشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم الحرب، وفرض عقوبات صارمة على قادة
الاحتلال المسؤولين عن هذه الجرائم، قبل أن تنزلق الأوضاع إلى نقطة اللاعودة.
اقرأ أيضاً:
غزة.. ندبة في ضمير الإنسانية والأمة الإسلامية
من أوشفيتز إلى غزة.. التاريخ يعيد نفسه في الإبادة
من هيروشيما إلى غزة.. هل وُلد النظام الدولي من نصرأخلاقي أم من جريمة مُؤسِّسة؟!