كيف نستمتع بتربية أولادنا؟ (3)

التربية مسؤولية كل مسلم

د. يحيى عثمان

23 يونيو 2025

350

هذه الحلقة الثالثة من سلسلة «كيف نستمتع بتربية أولادنا؟» تناولنا في الحلقتين السابقتين، ماهية التربية، وهل التربية فرض أم فضل؟ وأهمية التربية، والتربية وتزكية النفس، وعوائد التربية، وسمات التربية، ونتناول في هذه الحلقة:

أهداف التربية:

1- مستوى الأسرة:

يجب أن ينصب كل وجل جهد الأسرة التربوي على صلاح الأولاد في المرتبة الأولى؛ «ولد صالح يدعو له»، وقد قيل: علِّم ابنك القرآن، والقرآن يعلمه كل شيء.

إن من ثمرات الصلاح الإحسان؛ «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وماذا ينتظر ممن رُبي على مراقبة النفس غير الإخلاص والإتقان وكل القيم السامية التي تضبط السلوك؟! فالخلل في فهم الهدف من التربية جعل بعض الآباء والأمهات يركزون على الشهادة والمهنة كقيمة عظمى لنجاحهم كمربيين، وهذه كارثة! فمتابعتهم لأولادهم ينصب على أدائهم الدراسي فقط، فهم يهتمون بدرجات الكيمياء والفيزياء.. دون النظر لدرجة الدين! وكذا قد لا يهتمون بمدى الانتظام في الصلاة أو الأخلاق بصفة عامة المهم هو الأداء الدراسي.

تربية الأطفال بالحب |  Mugtama
تربية الأطفال بالحب | Mugtama
التربية بالحب في الإسلام تعزز الصحة النفسية للأطفال
mugtama.com
×

2- مستوى الأمة:

من أجل واجبات أولياء الأمور ومسؤولي الأمة، الاهتمام بجيل الغد، جيل قادر على حمل أمانة إعادة الأمة إلى مسارها الصحيح لصبح خير أمة أخرجت للناس، جيل ذو عقيدة سليمة راسخة ومنهج إسلامي يكون عاصماً له من شواغل وفتن الدنيا، جيل ليس فقط ملماً بعلوم العصر، بل سباقاً ورائداً في كافة مجالات الحياة، يوفر لأمته كافة احتياجاتها من أسباب القوة المادية.

مسؤولية التربية:

تحدثنا عن أن التربية فرض عين على كل من ائتمنه الله على النشء سواء الوالدين في البيت، أو المدرس في المدرسة، أو الشيخ في المسجد، وإنها فرض كفاية على الأمة كلها، هذا لا يتم إلا إذا أيقن كل فرد في الأمة بمسؤوليته عن التربية.

التربية مسؤولية كل مسلم بها يُصلح حال الفرد والأمة وهي طاعة لله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر

إن كل فرد يربي من استرعاه الله عليهم، كما أنه يتربى من آخرين، بهذا المعنى الشمولي للتربية تتكامل الجهود التربوية لترتقي الأمة كلها وليس فقط النشء، عن أبي هُرَيْرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن مرآة أخيه المؤمن، المؤمن أخو المؤمن حيث لَقِيَه يكُفُّ عنه ضَيْعَتَه ويَحوطه من ورائه» (رواه أبو هريرة، صحيح، الأدب المفرد، ص 178).

فإن من أهم، بل أقدس القيم للأخوة في الله بين المؤمنين هي العون على طاعة الله، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي هو أساس بناء المسلم ومن ثم المجتمع والأمة، فما قيمة الأخوة إن لم تكون عوناً لطاعة الله عز وجل؟! واختيار النبي صلى الله عليه وسلم للتعبير عن علاقة المؤمن بأخيه بالمرآة «المؤمن مرآة أخيه المؤمن»، تعبير بليغ عن طبيعة الأخوة، حيث إن المرآة المادية تعكس صورة صادقة عن الشكل الخارجي للفرد، وبناء على ما يراه يتصرف، كذا المؤمن لأخيه فهو مرآته المعنوية، فإن رأى خيراً شجعه، وإن رأى خلاف ذلك نصحه بالحسني، ومعياره في الشرع الحكيم وهدفه مرضاة الله بالإحسان لأخيه.

لذا، فالتربية مسؤولية كل مسلم، بها يُصلح حال الفرد والأمة، فالتربية طاعة لله وامتثالاً لأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعطي عمر الفاروق رضي الله عنه مثلاً كيف يرى المؤمن نصيحة أخيه وكيف يتلقاها، حيث ورد أنه قال: «رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي»!

التربية بالقدوة.. بين المدارسة والممارسة |  Mugtama
التربية بالقدوة.. بين المدارسة والممارسة | Mugtama
الإنسان الفرد هو أساس المجتمع وعماده الأول، ومحور...
mugtama.com
×

هل التربية معاناة أم متعة؟

1- ابتغاء الأجر والمثوبة من الله:

كما سنوضح في البرنامج التربوي أن أول عنصر الإخلاص، وأن من ثمرات الإخلاص ابتغاء الأجر والمثوبة من الله تعالى؛ لذا، فإن المربي مأجور بفضل الله على كل ما يبذله في العملية التربوية، كما أن اليقين أن الله هو الهادي سبحانه وتعالى، وما علينا بعد الإخلاص إلا بذل كل الجهد لأداء هذه الأمانة العظيمة.

التربية ممارسة حياتية ومنهج مستمر طوال العمر ما دام المؤمن قادراً على القيام بها والتزامها

وعد الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف: 30)، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 35)، إن يقين المؤمن بوعد الله أنه لا يضيع أجر من أحسن العمل، يجعل قلبه مطمئناً، فما عليه بعد الإخلاص إلا أن يجتهد في تحسين عمله، حيث إن غاية المؤمن أن يوفقه الله لأداء الأمانات التي في عنقه، وقد وعده سبحانه أنه سيوفيه أجره وهو سبحانه القادر عبر إنفاذ وعده والكريم في عطائه والحكيم في كيفية العطاء، فيطمئن ويسعد بزرعه لآخرته بأداء مسؤولياته التربوية.

2- إن الهداية بيد الله:

إننا على يقين أننا لا نملك لأنفسنا نفعاً أو ضرراً إلا أن يشاء الله تعالى، يقول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللأمة من بعده: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) (القصص: 56)، كم تمنى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسلم عمه أبو طالب؟ ولكن الله وهو العليم بعباده الحكيم في قضائه وقدره، قدر أن يموت كافراً، نوح وابنه، إبراهيم وأبوه، لوط وزوجته، آسيا وفرعون! إن تركيز الوالدين على حسن الأداء التربوي ابتغاء مرضاة الله وعدّ التوجس والخوف على مستقبل أولادهم يجعلهم في هدوء نفسي لليقين أن الله من أسمائه الحسنى «الهادي».

3- التربية ممارسة ومنهج حياة:

إن التربية ممارسة حياتية ومنهج مستمر ما دام المؤمن قادراً على القيام بها، فهذا يعقوب عليه السلام في لحظاته الأخيرة من الحياة يمارس مسؤولياته التربوية تجاه أولاده؛ (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: 133).

من ذلك يتضح أن التربية ليست مجرد نشاط يمكن أن نؤديه في فترة زمنية محددة وننتهي منه، ولكنها ممارسة يومية ما دامنا أحياء؛ لذا يجب أن نستمتع بها حتى يمكننا أداءها بالكفاءة اللازمة، حيث إن ممارسة التربية تحت أي ضغط أو توتر أو انفعال تؤدي ليس فقط إلى الفشل في تحقيق الأهداف التربوية المبتغاة، بل ودائماً ما تؤدي إلى نتائج سلبية.

صفات المربين من خلال التربية النبوية للأولاد |  Mugtama
صفات المربين من خلال التربية النبوية للأولاد | Mugtama
لقد أوصى الله تعالى الآباء بحسن القيام على تربية أبنائهم
mugtama.com
×

4- التربية غير المباشرة:

هناك أسلوبان رئيسان لممارسة التربية:

الأول: الأسلوب التربوي المباشر: يعتمد على توجيه النصح بعبارات جليه واضحة سواء أكان أمراً بفعل أو نهياً عن فعل.

الثاني: الأسلوب التربوي غير المباشر: يعتمد على توجيه النصح من خلال النموذج، واللعب، والتساؤل، والقصة، ومتابعة صفحات خاصة منتقاة من الشبكة العنكبوتية سواء أكانت نصاً أو صوتاً أو فيديو، أو ورش العمل ومناقشة حالة.. إلى آخر ذلك من الأساليب غير المباشرة، التي قد تكون موجهة ومنظمة من خلال برامج معدة لأغراض تربوية محددة، وقد تكون عفوية؛ كموقف ما يستغله المربي لتوصيل قيمة تربوية ما.

على المربي أن يتحين الفرصة المناسبة للتربية حيث إن النفس البشرية ليست كياناً مادياً يسهل تطويعه

كلا الأسلوبين ضروري، لأنهما يتكاملان في نجاح المسؤولية التربوية، فرغم قيمة وأهمية الأسلوب التربوي غير المباشر، الذي يتوافق مع الفطرة البشرية في النفور من الأمر والنهي، فإن التربية كمنهج متكامل تعتمد أيضاً على الأسلوب المباشر.

الموقف التربوي:

الموقف التربوي هو تفاعل بين المربي والمربَّى بهدف تحقيق قيمة تربوية؛ لذا يجب على المربي أن يتحين الفرصة المناسبة للتربية، حيث إن النفس البشرية ليست كياناً مادياً يسهل تطويعه، وحتى ينجح الموقف التربوي يجب على المربي أن يدرك مدى قدرة المربَّى على تقبل التوجيه، وأن يهيئه لذلك.

أيضاً يجب على المربي أن يكون هادئاً؛ لأن انفعاله ينتفل إلى المربَّى ويوتره ويغلق قنوات التلقي لديه، كما يجب عليه عدم التهديد، والصراخ، واللوم، حيث إن نجاح الموقف التربوي مسؤولية المربي، الذي ويجب عليه أن يديره بكل ذكاء وبالأسلوب المناسب لنفسية المربَّى.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة