كيف يوازن التعليم بين التطور العلمي والمحافظة على الهوية والقيم الثقافية؟

سامح ابو الحسن

18 سبتمبر 2025

391

في عصر العولمة والتكنولوجيا السريعة، تواجه أنظمة التعليم في مختلف الدول تحدياً مزدوجاً؛ التحديث لمواكبة التقدم العلمي، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الهوية الوطنية والقيم الثقافية والدينية، والكويت ليست استثناء؛ فهي تحرص في سياساتها التربوية على الموازنة بين هذين البعدين، حسب وثائقها مثل رؤية «كويت 2035» والمادة الدستورية التي تكفل التعليم حقاً وكفالة الدولة له مجاناً في مراحله الأولى إِلَّا أنّ التطبيق والتحصيل لا يخلوان من نقاش مجتمعي حول فعالية هذا التوازن.

الإطار القانوني والتوجيهي

- الدستور الكويتي: المادة (40) تنص على أن التعليم حق للكويتيين تكفله الدولة، ويكون مجانياً إلزامياً في المراحل الأولى حتى المرحلة المتوسطة، هذا النص يعكس رغبة دستورية في ضمان التعليم المجاني وتأكيد دوره في بناء المواطنة.

- رؤية «كويت 2035»: تشدّد الرؤية على محور «المجتمع الحيوي» الذي يركّز على بناء مجتمع يعيش وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الاعتدال، مع الاعتزاز بالهوية الوطنية، والموروث الثقافي المحلي، مع التزام بالتنمية والتعليم المرتبط بالتطور العلمي.

دراسات تحليلية للهوية والقيم في التعليم

1- دراسة «منظومة القيم الإنسانية لدى معلمي المرحلة المتوسطة للتعليم الكويتي»: تكشف الدراسة أن المعلمين في المرحلة المتوسطة يمتلكون تصورات قوية للقيم الإنسانية، وهي قيم يُنظر إليها على أنها من العناصر التي تدعم الهوية الثقافية والتربية الاجتماعية، الدراسة أيضاً تفحص متغيرات مثل التخصص والخبرة وتبيّن اختلافات في ممارسات القيم باختلافها.

2- دراسة «نسق القيم الإنسانية المفضلة لدى طلاب كلية التربية الأساسية»: استطلعت هذه الدراسة الطلاب في كلية التربية الأساسية، وأظهرت أن هناك أولويات واضحة بين القيم كالاحترام، والمواطنة، والتعاون.. وغيرها، هذا يشير إلى أن الطلبة -خاصة في التخصصات التربوية- يقدّرون الهوية الثقافية كجزء من مسارهم التعليمي.

3- دراسة «درجة تضمُّن مناهج التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية بدولة الكويت لقيم العمل في ضوء رؤية كويت جديدة 2035»: بحث تحليلي لمحتوى كتب التربية الإسلامية في المرحلة الثانوية، وقيّم مدى تضمّنها لقيم العمل والإنتاجية، وهو أمر يدلّ على محاولة رسمية لربط التعليم القيمي بالمتطلبات المعاصرة مثل الإنتاجية ورؤية التنمية الوطنية.

4- دراسة «الكفاءة بين الثقافية لدى معلمي التعليم العام في مدارس محافظة مبارك الكبير»: هذه الدراسة تهدف إلى معرفة مدى امتلاك المعلمين للكفاءة بين الثقافية (intercultural competence) من حيث الوعي، والتجاوب الثقافي، وغنى البيئة الثقافية، والنتيجة أن المعلمين لديهم مستوى عالٍ من هذه الكفاءة؛ ما يساعد في توفير تعليم يعطي قدرًا من الوعي بالثقافات الأخرى مع الحفاظ على القيم المحلية.

مناهج التعليم والتحديث.. محاولة للتوازن

أعلنت وزارة التربية في الكويت مؤخراً عن تطوير مناهج مادة الاجتماعيات للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، تهدف إلى مواكبة التغيرات العالمية مع تعزيز الهوية الوطنية، هذا يدلّ على إدراك رسمي بالحاجة إلى المواءمة بين المحتوى العالمي والمحلي.

من جهة أخرى، بعض المقالات التحليلية تنتقد تغيّر المناهج المتكرر أو التعديلات التي لا تراعي خصائص الطلاب أو البيئة الثقافية؛ ما يؤدي إلى شعور ببعض الفقد أو الاغتراب من المحتوى، مثلاً مقال في «التربية تطوّر المنظومة التعليمية بتغيير المناهج» يشير إلى أن بعض المعلمين يرون أن التطبيقات والتعديلات لا تأخذ حقها في التطبيق أو أنها تسرع التغيير دون تكامل.

آراء المجتمع والتربويين

  • المعلمون: المعلمون يعبرون عن رغبة في أن يكون التعليم ليس فقط نقلاً للمعلومات، بل نقلاً للقيم والهوية، يتمنون أن يكون المنهج غنياً بالتراث المحلي، واللغة العربية، والقصص الوطنية والقصائد، والعادات والتقاليد، مع ضمان أن يكون التعليم أيضاً حديثاً ومرتبطاً بالتكنولوجيا والعصر.
  • الطلبة: دراسات الطلبة تشير إلى تقدير القيم الإنسانية والمواطنة، ولكن بعضهم يشعر بأن المنهج لا يحتوي دائماً على أمثلة محلية كافية، أو أن المناهج تعتمد على محتوى أكثر عالمياً أو تقنياً مما يكون بعيداً عن الحياة اليومية في الكويت.
  • الأهالي والمجتمع: من خلال مقالات الرأي والمنتديات، هناك حرص عام على أن التعليم يعكس الهوية الكويتية (اللغة، والدين، والقيم الاجتماعية) خصوصاً في المراحل الأساسية، مع قبول لتحديث المناهج لكن دون المساس بالموروث أو استبداله بالكامل.

التحديات التي تعيق التوازن

  • الضغط على التحديث العلمي والتقني: إدخال تخصصات جديدة، ومهارات القرن الحادي والعشرين، والتكنولوجيا، قد يُحدث فجوة بين المحتوى المحلي والتركيز على ما هو عالمي وسريع التطور.
  • الموارد والبنى التحتية: المدارس، الخاصة والعامة، تحتاج دعماً في المواد التعليمية التي تدمج القيم المحلية، وكذلك تدريب المعلمين ليكونوا قادرين على توظيف الأمثلة المحلية بطريقة جذابة وحديثة.
  • تغير التطلعات الاجتماعية: الطلبة والأسر في كثير من الأحيان يرغبون في أن تكون شهاداتهم مقبولة دولياً؛ ما يُفضّل المناهج الدولية أو التعليمية التي تعد لمتطلبات الجامعات الخارجية، وهذا قد يقلل من التركيز على المحلي.
  • الاستمرارية والتغيرات المنهجية: التعديلات المتكررة في المناهج والتربويات قد تؤدي إلى قلة الاستقرار، وهدر للموارد، وشعور أن المناهج تُغيّر لأسباب سياسية أو التجميلية دون إشراك كافٍ للمعلمين والمجتمع.

تحليل لردود الفعل المجتمعية تجاه الإصلاحات التعليمية

وسائل الإعلام الكويتية تتداول مقالات تنتقد بطء التغيير أو تغيّر المناهج دون إشراك المعنيين (الطلاب، والمعلمين، وأولياء الأمور).

من المنتديات والمنشورات أحد مصادر ردود الفعل يظهر أن الأهالي يقدرون ما يُدرج من تراث أو قيم محلية، ولكن يُبدون قلقاً حين تكون المناهج بعيدة عن الواقع المحلي أو غير مترابطة مع الحياة الاجتماعية اليومية.

هناك نقاش عام حول مدى كفاية المناهج الإسلامية في دمج القيم المعاصرة مثل العمل، والإنتاجية، واستخدام التكنولوجيا بموازاة القيم الدينية.

خلاصة واستنتاجات

التعليم في الكويت يسعى فعلاً إلى الموازنة بين التطور العلمي والمحافظة على الهوية، من خلال سياسات مثل «رؤية 2035»، وتطوير المناهج، وتحليل المحتوى للقيم.

وهناك مؤشرات إيجابية من معلمين يمتلكون كفاءة، وطلبة يفضلون القيم الإنسانية، ومناهج محدثة تضمّ بعض القيم المحلية.

لكن التحديات لا تزال كبيرة، خاصة فيما يخص الاستقرار المنهجي، والتوازن بين العمق المحلي والانفتاح العالمي، وتوفير تدريب معلمين ومصادر تعليمية تجعل الحفاظ على القيم أمراً ناجحاً وفعّالاً.

توصيات

  • مشاركة أوسع لمختلف الأطراف في صياغة المناهج والتغييرات، لضمان أن الهوية المحلية تُعبّر بلغة مألوفة ومؤثرة.
  • دمج قيم محلية واضحة في المواد الدراسية الأساسية، ليس فقط في التربية الإسلامية بل في المواد الأخرى (اللغة، والتاريخ، والاجتماعيات)، بأمثلة محلية ومشروعات تربوية ميدانية.
  • برامج تدريبية مستمرة للمعلمين في كيفية تعليم القيم واستخدام الأمثلة المحلية، وتعزيز الكفاءة بين الثقافية.
  • مراقبة وتقييم منتظمين لا لمعرفة مدى تأثير التغييرات في المناهج على شعور الطلبة بالهوية، وتحسيناتها، من خلال استفتاءات واستطلاعات رأي.
  • إيجاد توازن في الرسالة التعليمية بحيث لا يُهمَّش بعد الهوية المحلية في سبيل الانطلاق العالمي، بل يُجعل الانفتاح العلمي وسيلة لتعزيز الهوية وليس تبديلها.

____________________

1- «توجهات البحث التربوي بجامعة الكويت في ضوء الرؤية 2035»، ورقة بحثية تصف أولويات البحث التربوي وعلاقته بالقيم والهوية.

2- «الكفاءة بين الثقافية لدى معلمي التعليم العام في مدارس محافظة مبارك الكبير»، دراسة عن مدى وعي المعلمين بالهوية الثقافية والتعامل بين الثقافات.

3- منظومة القيم الإنسانية لدى معلمي المرحلة المتوسطة للتعليم الكويتي.

4- نسق القيم الإنسانية المفضلة لدى طُلاب كلية التربية الأساسية.

5- درجة تضمُّن مناهج التربية الإسلامية للمرحلة الثانوية.. قيم العمل في ضوء رؤية «كويت جديدة 2035».

6- «تطوير السياسات التعليمية بدولة الكويت في ضوء خبرات بعض الدول»، دراسة مقارنة تستفيد من تجارب دول أخرى لتعزيز سياسات التوازن.

7- مقالات الرأي مثل «التعليم.. بين الجمود البنيوي ومخرجات لا تواكب عصر الذكاء الاصطناعي» التي تنتقد بعض جوانب المنظومة من حيث الهوية والتحديث.

8- جريدة «الجريدة» الكويتية.

9- الأخبار من وزارة التربية عن تطوير مناهج الاجتماعيات لتعزيز الهوية الوطنية مع التحديث.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة