تطوير المناهج في الكويت خطوة كبيرة.. ولكن!
تابعت تصريحات
وزير التربية الكويتي م. سيد جلال الطبطبائي قبل بداية الصيف عن عزمه في تطويرالمناهج المدرسية، وهذه الخطوة لا شك أنها ضرورية ومهمة بعد سنوات طويلة من الجمود
بعيداً عن تقييمنا لطريقتها وخطواتها وأدواتها.
وقد خرجت قبل
أيام وزارة التربية في الكويت بمشروع ضخم لتطوير المناهج الدراسية، فأُعلن عنه مع
بداية العام الدراسي 2025 – 2026م، فالمشروع وصفته الوزارة بأنه الأكبر منذ 16 عاماً،
وأرفقته بإحصاءات لافتة: 88 كتاباً جديداً، و73 دليلاً للمعلم، وغير ذلك.
انجازات تحسب للوزارة
لكن خلف هذه
العناوين المهمة، والأرقام الكبيرة، يطرح الميدان التربوي سؤالاً مشروعاً: هل هذه
النقلة قادرة فعلاً على تغيير واقع التعليم في الكويت؟ أم أنها مجرد حملة تحديث
ستصطدم بعوائق التنفيذ؟ خاصة أن ما بين الإعلان والتنفيذ مدة زمنية قصيرة لم
تتجاوز فترة عطلة الصيف التقليدية! والمشروع وتفاصيله كبير ومستحق.
والجدير بالذكر،
أنه لا يسعني إلا أن أذكر إنجازات تحسب للوزارة في هذا العمل؛ لأننا في حالة تقييم
شاملة موضوعية، ومن باب تحفيز حالة العمل العام والتربوي بشكل خاص، فمن إنجازات
هذه الخطوة:
1- كسر حالة
الجمود: الوزارة نجحت في تحريك ملف ظلّ راكداً لسنوات، وحصلت فيه مطالبات كثيرة من
شخصيات سياسية وتربوية وعامة المهتمين؛ لذلك فإن تطوير المناهج من رياض الأطفال
حتى الصف التاسع دفعة واحدة ليس أمراً بسيطاً، ويكشف عن إرادة سياسية وإدارية لكسر
الروتين.
2-مناهج بطريقة
جديدة: التطوير لم يقتصر على الشكل، بل دخل إلى الجوهر؛ فإدخال الذكاء الاصطناعي أصبح
أمراً حتمياً في الواقع ولن تنفك منه أي مؤسسة وفرد حالياً ومستقبلاً، والجامعات
والمؤسسات التربوية تتسارع خطواتها لتعليم وتصدير هذا التحول المهم، والبرمجة في
المراحل الدراسية، وأيضاً من جانب آخر ربط اللغة الإنجليزية بمعايير عالمية في
المهارات والكتابة والاستماع والتفاعل بعيداً عن مجرد التلقين، وإعادة صياغة مادة
الاجتماعيات بحيث توازن بين الهوية الوطنية والانفتاح على العالم.
رؤية الوزارة بين سندان القلق ومطرقة الطمأنينة
ومع الحرص على
تسليط الأضواء على هذه الإنجازات، يجب أن أنبه إلى حالة القلق التي شعرت بها وغيري
بعد رؤية مؤتمر الوزارة وتتمحور في عناوين عديدة، منها:
1- سرعة
التنفيذ: إعداد عشرات الكتب والمناهج خلال أقل من عام يثير قلق المعلمين وأولياء
الأمور: هل تمت مراجعتها بدقة كافية؟ وهل جرى اختبارها في مدارس نموذجية قبل
تعميمها على الجميع؟
2- الفجوة بين
الطموح والإمكانات: إدخال تقنيات حديثة كالذكاء الاصطناعي يحتاج إلى أجهزة وشبكات
وإنترنت مستقر، بينما الأرقام الرسمية تشير إلى توزيع عدد قليل من الشاشات
التفاعلية، وهذه الأعداد لا تغطي الحد الأدنى لآلاف الفصول، وكذلك إلى مناهج
وخبرات جديدة ومتطورة، لأن هذا العلم الجديد سريع التطور.
3- مع المعلم:
المعلم هو حجر الزاوية في أي إصلاح تعليمي، وبعيداً عن تقييم جودة المعلم الحالية
في وزارة التربية، وعن طريقة التعيين والتثبت من الصلاحية، ولكن مع هذا التغيير
الجديد وكون الوزارة نظمت دورات تدريبية، إلا أن أسبوعين من التدريب لا تكفي
لتغيير أسلوب تدريس مترسخ منذ عقود، فالميدان بحاجة إلى تدريب متواصل.
4- غياب النقاش
المجتمعي: حتى الآن لم تنشر الوزارة الإطار الشامل للمناهج الجديدة، ولم تُتح فرصة
كافية للجامعات وعامة المتخصصين والمهتمين لمراجعة المحتوى؛ لأن الإصلاح التربوي
الناجح لا يكتمل دون مشاركة واسعة وشفافة، وذلك لقصر المدة وسرعة الإعداد.
5- غياب
المعلومات: عن ماهية التطوير في تعزيز الهوية الوطنية، والمناهج الدينية،
فالمعلومات شحيحة وأقرب إلى المنعدمة حتى عند المعلمين، لذلك من المهم الإشارة إلى
أسس التطوير وأسبابها المنهجية والواقعية.
توصيات مطلوبة
فماذا نتوقع بعد
هذه التجربة المهمة في تطبيقها وإنجازها، والسريعة في تنفيذها؟ فستخضع لأمرين؛
وهما طول المدى، وكثرة التجارب والتطبيقات العملية، لأنه قد يكون هناك ارتباك في
البداية.
بالنهاية، هناك
توصيات مطلوبة:
- التدرج في
تطبيق المناهج عبر مدارس تجريبية قبل التعميم.
- تحويل التدريب
إلى برنامج مستدام مرتبط بالترقيات والحوافز.
- إصدار تقارير
نصف سنوية توضح مستوى التنفيذ ونتائج الطلبة.
- إشراك
الأكاديميين وأولياء الأمور في التقييم.
لقد عانينا
سابقاً من التغيير البطيء أو الجمود التام، ولكننا بالمقابل لا نريد الإنجاز
السريع المخل والناقص، فخطوة وزارة التربية الأخيرة جريئة وضرورية، ولكن الجرأة
وحدها لا تكفي، فنجاح أي مشروع تعليمي يقاس بمدى ترجمته واقعياً وليس في المؤتمرات
فقط، والكويت اليوم أمام فرصة تاريخية، فقد ضاعت مشاريع سابقة بسبب الإنجاز البطيء
والجمود أو الاستعجال، وكذلك وضعف المتابعة والتقييم.