لا تَبْرَحوا أماكنكم
![](https://mugtama.com/storage/uploads/WpF9bPZ8O03NZPicj4mDtRMg2yfYf4ZeVOvIEsb2.jpg)
الانتصار العظيم الذي حققه السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار بقيادة النبي، صلى الله عليه وسلّم، على قريش في غزوة بدر، وهلاك أكابر مجرميها من رؤوس الشرك في المعركة، نقل الإسلام دولةً ودعوةً من خندق الدفاع عن العقيدة إلى فضاء تبليغ الدعوة والفتوحات العظيمة، فتربصّ المشركون وحلفاؤهم من المنافقين واليهود بالإسلام والمسلمين الدوائر، وأعدّوا عدتهم للانتقام، وسيَّروا جيوشهم لصد زحف النور القادم من المدينة المنورة، فكانت غزوة أحد التي انتصر المسلمون في بدايتها، ثم دارت الدائرة عليهم عندما غادر الرماة الجبل، وتحوَّلَ النصر إلى هزيمة مؤلمة، وجُرِحَ رسول الله في المعركة، وفقد المسلمون كوكبةً من الصحابة الأبرار من أمثال حمزة ومصعب وغيرهما، وأنزل الله، تعالى، قرآناً يُتلى إلى يوم الدين، عن أحداث تلك الغزوة المليئة بالدروس والعِبَر.
حلاوة النصر ومرارة الهزيمة
في غزوة أحد مشاهد عديدة، دارت بين حلاوة النصر ومرارة الهزيمة، وأمل الظفر بالغنائم وألم فقد الأحباب والأصحاب، ولكن المشهد الأبرز في المعركة كان لذلك الجبل الذي خلّده التاريخ، وأصبح مضرباً للأمثال، وموطناً يعتبر منه أولو الألباب، إنه جبل الرماة، وما أدراك ما جبل الرماة؟!
إنه الجبل الذي رابط عليه الرماة من الصحابة تنفيذاً للأوامر النبوية بعدم مغادرته حتى لو شاهدوا الطير تتخطف المسلمين!
مِن هذا الجبل بدأت بشائر النصر تلوح في الأفق، وصاحبتها الرغبة الجامحة في حصد الغنائم، وعليه سَجَّلَ التاريخ ثبات قائد الرماة عبدالله بن جبير وثلة قليلة معه على طاعة أوامر الرسول القائد حتى الشهادة، ومنه بدأت مشاهد الهزيمة تظهر عندما غادره معظم الرماة، وعنه خطب الخطباء، وكتب الكتّاب، ووعظ الوعّاظ.
الثبات على جبال الأوامر
جبل الرماة يرسم للأمة معالم الطريق التي تنصُّ على أن طاعة الله ورسوله مفتاح الانتصارات، ومخالفة الشريعة تجلب الهزائم والتراجعات، فكم من مخالفة لأوامر الله ورسوله كانت سبباً في هزائم الأمة وتَمَكُّنِ عدوها على امتداد التاريخ!
ويعظ القلوب الوَجِلَة بأن زخرف الحياة الدنيا وزينتها وملذاتها ومباهجها ابتلاء رباني لعباده، فمن تأنّى وصبر، ولم يتعجل قطْف ثمار عمله فسينال جزاء صبره، ويفرح بعاقبة ثباته، فجبال التكاليف في حياتنا متعددة متنوعة، وكل مسلم ومسلمة يرابطون على جبل من هذه الجبال، فكم من جبل غادرناه؟ وكم من غنيمة سعينا وراءها فأخلفت ندماً وحسرةً؟
لا تبرحوا أماكنكم، هكذا وصّى النبي القائد جنده، وهو نداء خالد إلى أمته حتى قيام الساعة، فالمعركة لم تنتهِ وإن تغيَّر زمانها ومكانها وأدواتها وطبيعتها، وصراع الحق والباطل قائم على أشده، فكل فرد من أمة الإسلام على ثغر، الرجل والمرأة، والشاب والشيخ، والعالم وطالب العلم، كلٌّ في مجاله ومن موقعه يخدم ويحرس ويجاهد، فإذا تسلل إلى المسلم الملل، وأثقل كاهله الكلل، وأصابه اليأس وهو يشاهد تكالب الأعداء فليتذكر وصية رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، للرماة : "لا تبرحوا أماكنكم"، وليمتثل الأمر الربّاني للمؤمنين : (اصبروا وصابروا ورابطوا)، فالمستقبل لهذا الدين العظيم.
سنُزَحْزِحُ اللَّيلَ المعلَّقَ ريثما ** نــغتـالُهُ واللَّيــلُ قد يتــزحــزحُ
سنظلُّ في جبل الرُّماةِ فخلفنا ** صوتُ النَّبيِّ يهزُّنا " لا تبرحوا "