11 فبراير 2025

|

فن التحكم بالقدرات: متى تكون الخسارة مكسبًا؟

سعد العتيبي

11 فبراير 2025

37

كان “ماجد” يجلس مع زوجته وأطفاله في عطلة نهاية الأسبوع، يتناولون العشاء في جو عائلي دافئ. خلال الحديث، بدأ أطفاله يتناقشون حول فيلم يريدون مشاهدته معًا، كل واحد منهم لديه اقتراحه الخاص. بحكم عادته في العمل، حيث اعتاد إدارة الاجتماعات وإقناع الآخرين بوجهة نظره، قرر أن يتدخل ليضع “الحل الأمثل”.

بدأ ماجد بتحليل الأفلام المقترحة، مقارنًا بينها، موضحًا لماذا أحدها هو الخيار الأفضل من وجهة نظره. وبأسلوبه المقنع المعتاد، استطاع بالفعل أن يجعل الجميع يتفقون على الفيلم الذي اختاره هو، لكن شيئًا غريبًا حدث: لم يظهر على وجوههم الحماس المعتاد، بل جلسوا يشاهدون الفيلم بصمت، وكأنهم فقدوا متعة اتخاذ القرار معًا.

في تلك اللحظة، أدرك ماجد أنه ربما فاز في النقاش، لكنه خسر شيئًا آخر: روح المشاركة. تساءل في نفسه: هل كان من الضروري أن أفرض رأيي حتى في لحظة بسيطة مثل اختيار فيلم عائلي؟ ألم يكن الأجمل أن يختاروا هم بحرية، حتى لو لم يكن الخيار “الأفضل” من الناحية المنطقية؟

عندما تتحول المهارات إلى عبء

المهارات التي نطورها في العمل، مثل القدرة على الإقناع وإدارة المواقف بحسم، قد تكون نعمة كبيرة في الحياة المهنية، لكنها قد تصبح عبئًا إذا لم نعرف متى نستخدمها. عندما يتعامل الإنسان مع جميع المواقف بنفس المنطق الذي يستخدمه في الاجتماعات وإدارة الفرق، فإنه قد يجد نفسه يفرض آراءه حتى في أبسط الأمور، مما يجعل الآخرين يشعرون بأن قراراتهم ليست ذات أهمية.

في الحياة الأسرية والاجتماعية، لا يكون الهدف دائمًا هو اتخاذ “أفضل” قرار، بل أن يشعر الجميع بأنهم جزء من الحوار، وأنهم قادرون على التأثير والمشاركة.

التحكم في القدرات: متى نتراجع؟

التحكم بقدراتنا لا يعني أن نتخلى عن آرائنا، لكنه يعني أن ندرك متى يكون من الأفضل أن نترك المجال للآخرين ليعبروا عن أفكارهم دون أن نشعر بالحاجة المستمرة لتصحيحها أو فرض وجهة نظرنا.

متى تكون الخسارة مكسبًا؟
    •    عندما يكون الهدف تعزيز المشاركة: إعطاء الآخرين فرصة لاتخاذ القرارات، حتى لو لم تكن النتيجة المثالية، يعزز روح التعاون.
    •    عندما يؤدي الإصرار إلى إضعاف الروابط: بعض المواقف لا تحتاج إلى جدال طويل، والتراجع قد يكون أكثر حكمة من الاستمرار في إثبات صحة وجهة نظرنا.
    •    عندما يكون الآخر بحاجة إلى الشعور بالاستقلالية: السماح للأطفال أو الشريك باتخاذ قراراتهم يجعلهم أكثر ثقة ومسؤولية.
    •    عندما يكون الهدف خلق بيئة أكثر راحة وسعادة: الحياة لا تحتاج دائمًا إلى المنطق الصارم، بل إلى المرونة والقدرة على الاستمتاع باللحظة.

النتيجة: قوة التنازل الذكي

في المرة التالية، عندما دار نقاش حول اختيار فيلم، قرر ماجد أن يجلس مستمعًا، وبدلًا من أن يقنع الجميع بفكرته، قال بابتسامة: “اختاروا أنتم اليوم، وأنا متحمس لرؤية الفيلم الذي تحبونه.” فجأة، رأى في أعينهم فرحة لم يرها من قبل، ورأى كيف أصبحت اللحظة أكثر متعة، ليس بسبب الفيلم، ولكن لأنهم شعروا بأن لهم دورًا حقيقيًا في القرار.

ليس كل موقف يحتاج إلى استخدام كامل مهاراتنا في الإقناع والسيطرة. أحيانًا، يكون من الذكاء أن نخسر في نقاش، لنكسب علاقة أقوى، وبيئة أكثر توازنًا وسعادة. فكما نحتاج إلى الفوز أحيانًا، نحتاج أيضًا إلى الخسارة الذكية التي تقودنا إلى مكاسب أعمق في حياتنا الأسرية والاجتماعية.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة