ماذا تقول التوراة عن ذنوب غزة؟

«هكذا قال
الرب: من أجل ذنوب غزة الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه؛ لأنهم سُبوا سبيًّا كاملاً،
لكي يسلموه إلى أدوم فأرسل ناراً على سور غزة فتأكل قصورها» (سفر عاموس الإصحاح
الأول).
«حين تقرب من
مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب
الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربًا
فاحصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء
والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغنمها وتأكل غنيمة أعدائك
التي أعطاك الرب إلهك» (سفر التثنية الإصحاح العشرون).
كلمات توراتية
تقطر حقدًا وتعبر عن تقديس لشهوة القتل والرغبة في تدمير الآخر واستعباده فقط
لمجرد أنه من الأغيار، هذا الغثاء ميراث مقدس للمتدينين وتراث قومي موقر لدى
العلمانيين في الشعب اليهودي.
إنه حقد أسود لن
تجده في أي ميراث بشري سواء كان مقدسًا أو غير مقدس، وبرغم هذا التقديس للقتل
والسبي والرغبة في تدمير الآخر وإلغاء وجوده تدَّعي الصهيونية وكيانها أنهم
حضاريون ويمتلكون تاريخًا حضاريًّا، وأنهم ديمقراطيون يتمثلون روح العصر والتمدن
الغربي، وأننا الفئة الضالة إرهابيون ماضويون أعداء للحضارة نعيش خارج التاريخ
ويودون لو أننا خرجنا من الجغرافيا أيضًا.
ملخص المعادلة
في المفهوم الصهيوني والأمريكي مقاومة الاحتلال والظلم تساوي الإرهاب والعيش في
معسكر الأشرار، وكل مفردات ورموز ثقافة المقاومة غير معترف بها في الإطار المعرفي
لثقافة العولمة.
إنه انقلاب
الصورة.. دم المعتدي مقدس، ودم المعتدى عليه حيواني لا يستحق حتى أن ينسكب على وجه
الأرض!
والمفارقة
العجيبة التي لا يفهمها التاريخ ولا تستوعبها الجغرافيا، ولن يتمكن علم الاجتماع
السياسي من تفسيرها هي أن جزار صابرا وشاتيلا -القاتل شارون- أصبح هو الحكم الذي
يمتلك المعيار القيمي الخاص في تشخيص الإرهاب وتحديد مَن الإرهابي.
لكن لماذا
انقلاب الصورة هذا؟!
أقول في محاولة
للتفسير والتذكير:
- لأن الذات
العربية والإسلامية تدرك طبيعة المناخ السائد والمعتمد على نظام توزيع القوى الذي
ينتج بدوره المكانة الجيوبوليتيكية تدركه، ولكنها للأسف لا تعمل على توفير
مستلزماته ولا تحرص على السير وفق آلياته، بالرغم من قدرتها على ذلك؛ فالقدرات
متوفرة والموارد كثيرة، والوسط الثقافي والفكري في واد، وطائفة علماء الأمة في واد
بعيد آخر.
- ولأن الحق
والعدالة لا ينتصران بقوتهما فقط، وإنما يحتاجان إلى شوكة القوة لزرع جذورهما في
أرض الواقع، ولا يكفي الترديد الببغائي للشعار القائل: عند الآخر حق القوة، وعندنا
قوة الحق.
- ولأن الآخر
المقابل لنا يعرف ذاته رغم تمزقها ولديه مشروع -رغم فساده- يتوحد عليه جمعهم وفق
قواسم مشتركة تتجاوز تناقضات لوحتهم الفسيفسائية السياسية والثقافية، أما نحن فلا
نعرف ذواتنا جيدًا ومشروعنا خداع، مضطرب وغير متماسك، والأخطر من ذلك لا التقاء
عليه.
- وأخيرًا فإننا
لا نتواءم مع قوانين ولا مع سنن التاريخ عندما نردد شعارنا السياسي الخاطئ «السلام
خيارنا الاستراتيجي الوحيد» فتبنينا هذا الشعار خضوع لقواعد اللعبة كما رسم
محدداتها الآخر وفق معاييره، كما أن في ذلك استدبارًا لقانون الصراع الذي يفرض
حتمية المواجهة بين الحق والباطل، ومنطق الأشياء يفرض في حالة الاختيار أن تجدول
الخيارات وفق المناخ السائد والقدرات المتوافرة لكنه لا يعني تبني خيار يتيم،
وإلغاء كافة الخيارات الأخرى.
وبكلمات أخرى،
فإن السلام لا يمكن أن يمنحنا إياه من يقدسون شهوة القوة إلا إذا امتلكنا نحن شوكة
القوة.. والمقاومة خطوات على الطريق(1).
_________________
(1) نُشر بالعدد
(1478)، 9 رمضان 1422هـ/ 24 نوفمبر 2001م، ص37.