نزع سلاح «حماس».. المحتمل والمستحيل!
في «تليجراف»،
ينقل رولان أوليفانت، كبير محللي الشؤون الخارجية، عن تشاك فرايليتش، مستشار الأمن
القومي «الإسرائيلي» السابق، حزمة من الأسئلة بشأن نزع سلاح «حماس»،
كان أخطرها، الذي
يعد مفتاحًا لاستشراف ما ينتظر هذه العملية من مآلات، سؤاله: كيف نجا هؤلاء من
الحرب؟ وصف أوليفانت هذا السؤال بأنه سؤال وجيه حقًا، مضيفاً: لطالما كان تعريفهم
للنصر في جميع جولاتهم مع «إسرائيل» على مر السنين هو مجرد البقاء تنظيميًا والعيش
ليوم آخر، للجولة التالية.
يعبر أوليفانت
عن صدمته: لقد مات قادتهم الأكثر رعبًا، وتحطمت ألويتهم، وفقدوا السيطرة على غزة
بشكل شبه كامل، ومع ذلك، لا تزال «حماس»، بطريقة ما، صامدة، ولديها الأسلحة -أو
بالأحرى بعضها– للقتال.
ويدوِّي هذه
الأيام، صفيرٌ هائل داخل أي اجتهاد، يحفر في ركام غزة، بحثًا عن سؤال سلاح
المقاومة وفي مقدمته سؤال «الإسرائيلي» فرايليتش: ما دافع «حماس» لنزع سلاحها حقًا؟
ومن سيجبرها على ذلك؟
حتى اتفاق
المبادئ -وما تلاه من قرارات الأمم المتحدة- قفز على هذا السؤال، وأدرجه بين
القضايا الغامضة والعالقة إلى وقتٍ لاحق.
أكثر التحليلات
حيدة ورصانة، تؤكد أن التخلي عن السلاح، ليس شهادة ضمان للأمن، لقد تخلى الدكتاتور
الليبي الراحل عن أسلحة الدمار الشامل في أوائل العقد الأول من القرن الحادي
والعشرين، ليواجه حربًا أهلية وتدخلًا من حلف «الناتو» في عام 2011م، وسرعان ما
وجد نفسه ميتًا في خندق، أما أوكرانيا، وهي دولة ديمقراطية، فقد سلمت ترسانتها
النووية عام 1994م، لتواجه الغزو، كما استدل أوليفانت.
بيد أن ثمة
مقاربات ترى في النموذج الأيرلندي الشمالي عام 1998م، والكولومبي عام 2016م، وحزب
العمال الكردستاني (PKK)، حلولاً يمكن الاقتداء بها، لنزع سلاح «حماس»،
وهي التجارب التي ما انفكت تُستدعى في كل مقاربة، تتعلق بغزة بعد الحرب، في حين
تغفل هذه المقاربات أن ثمة فارقًا جوهريًا وحاسمًا، بين تلك النماذج وطبيعة الحال
في فلسطين.
النماذج
المذكورة آنفاً كانت خروجًا مسلحًا على الدولة الوطنية، وهذا ما أعطى شرعية أخلاقة
وسياسية في التسويات التي انتهت بإلقاء السلاح، في حين بغزة، فإن المواجهة مختلفة
بشكل يفتقد إلى أي وجه من وجوه التطابق؛ إذ هي بين قوة احتلال دموي ووحشي وتوسعي،
وحركات تحرر وطني مسلحة، وسلاحها شرعي، وإن تهربت كل دول العالم، من مواجهة هذه
الحقيقة.
يبدو أن العالم
عاجز حتى الآن عن الوصول إلى سيناريو يُقنع «حماس» بتسليم سلاحها طواعية، كل الطرق
غير ممهدة، وليس بحوزتها -وهذا هم الأهم- المشروعية الأخلاقية؛ ما حمل البعض على
التفكير في دور المال في التجربة العراقية، ومنهم هاميش دي بريتون-غوردون، الضابط
السابق في الجيش الذي شارك في تعقب وتفكيك قذائف الأسلحة الكيميائية القديمة في
العراق، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
عندما سُئل عن
تفكيك سلاح المقاومة، قال بلا تردد: الأمر بالغ الصعوبة، مضيفًا: ما حدث في العراق
أن الأمريكيين عرضوا المال، وربما هذا ما يُمكنهم فعله هذه المرة، يبدو أن المال
أقوى من الكثير من الأشياء الأخرى.
لنفترض 20 ألف
دولار، إذا عُرض هذا المبلغ، فإما أن يُسلّمه الشخص الذي يملك السلاح، أو أن
يُسلّمه شخص آخر مقابل هذا المال، في مكان مثل غزة، كما كنتُ أعتقد، حيث يعاني
الجميع من الفقر المدقع، ربما يكون المال أفضل طريقة للقيام بذلك، وربما الأرخص
على المدى الطويل، كما نقلت عنه «تليجراف»، ناهيك عن الحكمة الإستراتيجية
والأخلاقية من دفع المال لعناصر من «حماس» للتخلي عن معداتهم.
موقف ترمب
ويبدو أن الرئيس
الأمريكي نفسه ليس بوسعه تقديم تصور لهذا الأمل الذي يبدو بعيد المنال، وتصدر منه
بين الحين والآخر تصريحات متناقضة في ذلك الشأن؛ حيث قال للصحفيين على متن الطائرة
إلى «إسرائيل»: إن حكومته سمحت لـ«حماس» بإعادة تسليح نفسها مؤقتاً في محاولتها
استعادة النظام بعد أشهر من الحرب.
وعندما سألته
كارين ترافرز، مراسلة البيت الأبيض لشبكة «ABC News»، في البيت
الأبيض، عن المدة التي ستستغرقها «حماس» للقيام بذلك (نزع سلاحها) وما إذا كان
بإمكانه ضمان حدوث ذلك.
قال ترمب: حسنًا،
سينزعون سلاحهم، ولأنهم قالوا: إنهم سينزعونه، وإذا لم يفعلوا، فسننزع سلاحهم!
من أين أتى ترمب
بكل هذه الثقة؟! ربما تكون مستمدة من قناعته بأن الحركة تعلم جيدًا أن الرئيس
الأمريكي من جهة، ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو من جهة أخرى،
يحتاجان فقط إلى صورة نصر سياسي موجهة للداخل في بلديهما.
المدونة التي
اقترحها ترمب زعمت أن المقاومة لم تعترض على نزع ما أطلقت عليه المدونة الأسلحة
الثقيلة، ويعتبره المراقبون تعبيرًا فضفاضًا ومطاطيًا، ولكنه اعتبر في ذات الوقت مخرجًا
يحفظ للجميع ماء الوجه، ومشجعًا لـ«حماس» على وجه التحديد.
قدرات «حماس»
وفي السياق
يتساءل البعض: ما القدرات التي تمتلكها «حماس» لتهديد «إسرائيل» مباشرة بتكرار
هجمات 7 أكتوبر؟ الإجابة المتوقعة: من الواضح أنها الصواريخ، ومن الواضح أيضاً
الأنفاق الهجومية.
يقول هيو لوفات،
في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: أصبح
الوضع أشبه بالأمر الواقع، فقد دُمرت بالفعل جميع تلك الأسلحة الثقيلة تقريبًا،
بالإضافة إلى أنفاق «حماس» الهجومية الرئيسة، ويشير لوفات: هناك إمكانية لـ«حماس»
لإعادة بناء كل ذلك، ولكن من المؤكد أن خسارتها لكل هذا تُسهّل عليها التخلي عنه.
ويقول آدي
روتيم، ضابط مخابرات «إسرائيلي» متقاعد خدم في فريق التفاوض «الإسرائيلي» في حرب
غزة حتى ديسمبر 2024م: قد تكون «حماس» مستعدة للتخلي عن بعض أسلحتها، لكنها لن
تستغني عنها كليًا، وأضاف: الأسلحة جزء أساسي من هوية «حماس».
ونسبت «نيويورك
تايمز» إلى محلل فلسطيني مقرب من قيادة «حماس»: إن الجماعة المسلحة ربما تكون
مستعدة لتسليم عدد صغير من أسلحتها إذا احتاج رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين
نتنياهو إلى إظهار صورة النصر لإنهاء الحرب.
وأضاف المحلل،
الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة تفكير «حماس»، أن الحركة قد تلتزم
أيضًا بعدم استخدام أسلحتها خارج غزة لسنوات.
ناهيك عن أنه
سيكون نزع سلاح «حماس» أو حلها عملية معقدة ومتعددة الأبعاد، تعترضها مجموعة من
العقبات، منها التقنية والإستراتيجية، فجميع أسلحة الحركة موزعة عبر شبكة أنفاق
واسعة محفورة في عمق غزة، ويمثل تحديد مواقع الأسلحة والتحقق منها وتأمينها تحديًا
كبيرًا، فأي جهة ستتولى هذه المهمة؟ لم تُقدم أي دولة التزامًا قاطعًا حتى الآن.
كما أن المقاومة
المسلحة هي قوام الهوية الأساسية لحركة «حماس»، إذا نزعت الجماعة سلاحها، فإنها
ستخاطر أيضًا على ما يبدو بفقدان شرعيتها السياسية داخل غزة، أيضًا، في ظل عدم
وجود ضمانات أمنية، فإن نزع السلاح سيجعل «حماس» عرضة للضربات «الإسرائيلية»
والجماعات الفلسطينية المنافسة على حد سواء.
المشهد في
محصلته النهائية يشير، كما يقول رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني مارتن
ييغر، خلال جلسة استماع برلمانية عقدت مؤخراً: إن تجاهل مصالح «حماس» بشكل كامل
سيكون محفوفاً بالأخطار أيضاً.
وأكد ياغر
للمشرعين أن هناك خطرًا حقيقيًا للغاية من أن تنشط «حماس» خارج غزة إذا لم تُشارك
في الإدارة الانتقالية للقطاع الفلسطيني، أو إذا طُردت منه أو اختفت، وأضاف: سيؤثر
هذا، بالطبع، على المنطقة العربية بأكملها، بل وأوروبا أيضًا.
اقرأ
أيضاً:
سلاح
المقاومة.. معادلة القوة في قلب التفاوض
بالصوت العالي:
من أراد نزع سلاحنا نزعنا فؤاده