نص التحكيم في معركة «صفين»
كان حديثنا في المقالين السابقين من سلسلة «مغالطات رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي بحق الصحابة رضوان الله عليهم» عن قيم الإنصاف والعدل في التعامل بين صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأتباعه وتلامذته عليهم رضوان الله، وقيمة الإصلاح بين المسلمين كمنهج قرآني عظيم.
فالإصلاح بين الإخوة، وتقوى الله تعالى والأخذ بأسباب العدل والتمكين في جمع كلمتهم، هما سبب نزول الرحمة الإلهية على العباد والبلاد، وقد كانت معاملة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وأخلاقه رضي الله عنه في التعامل مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأهل الشام والأسرى والقتلى هو خير دليل على أهمية الجانب التعبدي والأخلاقي والروحي، وقيم الحكمة والعفو والإحسان وإصلاح النفوس لدى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما يحتم على المسلمين الاقتداء به والتعلم منه على مرّ الأزمان.
وإن قول رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي: «التحكيم كان بالإكراه، وأجبر عليه الإمام علي بن أبي طالب من أتباعه الذين خذلوه وركنوا للمسالمة»، هو بالحقيقة اتهام لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب قبل آل بيته، بأنه لا يتمتع بصفات العدل والإحسان والتسامح والعفو عند المقدرة، ومخافة الله تعالى (حاشاه أن يوصف بذلك رضي الله عنه وأرضاه)!
وسنأتي في هذا المقال على تفصيل ما جاء في وثيقة التحكيم بعد معركة «صفين»، وكان شهود هذا الجمع الإصلاحي هم آل البيت وصفوة الصحابة رضوان الله عنهم، وفي مقدمتهم الحسن والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وغيرهم العشرات من السادة الأبرار والصحابة الميامين رضوان الله عنهم أجمعين، وهنا السؤال لمن يمكنه الجواب: هل هؤلاء الكرام هم شهود حقٍ وعدلٍ وأهل صلاح وتقى، أم شهود زور ومخالفين لكتاب الله تعالى (حاشاهم جميعاً)؟!
نص وثيقة التحكيم:
بسم الله الرحمن الرحيم..
1- هذا ما تقاضى عليه عليُّ بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما، فيما تراضيا فيه من الحكم بكتاب الله وسُنة نبيه ﷺ.
2- قضية عليّ على أهل العراق شاهدهم وغائبهم، وقضية معاوية على أهل الشام شاهدهم وغائبهم.
3- إنّا تراضينا أن نقف عند حُكم القرآن فيما يحكم من فاتحته إلى خاتمته، نُحيي ما أحْيا ونُميت ما أمات، على ذلك تقاضينا وبه تراضينا.
4- وإن علياً وشيعته رضوا بعبدالله بن قيس ناظراً وحاكماً، ورضي معاوية بعمرو بن العاص ناظراً وحاكماً.
5- على أن علياً ومعاوية أخذا على عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه وذِمّته وذمة رسوله، أن يتخذا القرآن إماماً، ولا يعدوا به إلى غيره في الحكم بما وجداه فيه مسطوراً، وما لم يجدا في الكتاب ردّاه إلى سُنة رسول الله ﷺ الجامعة، لا يتعمّدان لها خلافاً، ولا يبغيان فيها بشبهة.
6- وأخذ عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص على علي ومعاوية عهد الله وميثاقه بالرضا بما حكما به مما في كتاب الله وسُنة نبيه، وليس لهما أن ينقُضا ذلك ولا يخالفاه إلى غيره.
7- وهما آمنان في حكومتهما على دمائهما وأموالهما وأشعارهما وأبشارهما وأهاليهما وأولادهما، لم يعدوا الحق، رضي به راضٍ أو سخط ساخط، وإن الأمة أنصارهما على ما قضيا به من الحق مما في كتاب الله.
8- فإن توفي أحد الحكمين قبل انقضاء الحكومة، فلشيعته وأنصاره أن يختاروا مكانه رجلاً من أهل المعدلة والصلاح، على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق.
9- وإن مات أحد الأميرين قبل انقضاء الأجل المحدود في هذه القضية، فلشيعته أن يُوَلّوا مكانه رجلاً يرضون عدله.
10- وقد وقعت القضية بين الفريقين والمفاوضة ورفع السلاح.
11- وقد وجبت القضية على ما سمّيناه في هذا الكتاب، من موقع الشرط على الأميرين والحَكمين والفريقين، والله أقرب شهيد، وكفى به شهيداً، فإن خالفا وتعدّيا، فالأمّة بريئة من حُكمهما، ولا عهد لهما ولا ذِمة.
12- والناس آمنون على أنفسهم وأهاليهم وأولادهم وأموالهم إلى انقضاء الأجل، والسلاح موضوعة، والسبل آمنة، والغائب من الفريقين مثل الشاهد في الأمر.
13- وللحَكمين أن ينزلا منزلاً متوسطاً عدلاً بين أهل العراق والشام.
14- ولا يحضرهما فيه إلا من أحبَّا عن تراضٍ منهما.
15- والأجل إلى انقضاء شهر رمضان، فإن رأى الحكمان تعجيل الحكومة عجّلاها، وإن رأيا تأخيرها إلى آخر الأجل أخَّراها.
16- فإن هما لم يحكُما بما في كتاب الله وسُنة نبيه إلى انقضاء الأجل، فالفريقان على أمرهم الأول في الحرب.
17- وعلى الأمّة عهد الله وميثاقه في هذا الأمر، وهم جميعاً يد واحدة على من أراد في هذا الأمر إلحاداً أو ظلماً أو خلافاً.
وشهد على ما في هذا الكتاب: الحسن والحسين، ابنا علي، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن جعفر بن أبي طالب، والأشعث بن قيس الكندي، والأشتر بن الحارث، وسعيد بن قيس الهمداني، والحصين والطفيل ابنا الحارث بن عبدالمطلب، وأبو سعيد بن ربيعة الأنصاري، وعبدالله بن خباب بن الأرت، وسهل بن حنيف، وأبو بشر بن عمر الأنصاري، وعوف بن الحارث بن عبدالمطلب، ويزيد بن عبدالله الأسلمي، وعقبة بن عامر الجهني، ورافع بن خديج الأنصاري، وعمرو بن الحمق الخزاعي، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وحجر بن عدي الكندي، ويزيد بن حجية النكري، ومالك بن كعب الهمداني، وربيعة بن شرحبيل، والحارث بن مالك، وحجر بن يزيد، وعلبة بن حجية.
ومن أهل الشام: حبيب بن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي، ويسر بن أرطاة القرشي، ومعاوية بن خديج الكندي، والمخارق بن الحارث الزبيدي، ومسلم بن عمرو السكسكي، وعبدالله بن خالد بن الوليد، وحمزة بن مالك، وسبيع بن يزيد بن أبجر العبسي، ومسروق بن جبلة العكي، وبسر بن يزيد الحميري، وعبدالله بن عامر القرشي، وعتبة بن أبي سفيان، ومحمد بن أبي سفيان، ومحمد بن عمرو بن العاص، وعمار بن الأحوص الكلبي، ومسعدة بن عمرو العتبي، والصباح بن جلهمة الحميري، وعبدالرحمن بن ذي الكلاع، وتمامة بن حوشب، وعلقمة بن حكم.
كتب يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين (الوثائق السياسية، ص 537 – 538)، وانظر: (الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري، ص 196 – 199)، وانظر: (البداية والنهاية، ابن كثير، 7/276 – 277)، وانظر: (تاريخ الرسل والملوك، للطبري، 5/ 665 – 666) وانظر: أنساب الأشراف، البلاذري، 1/382).
___________________________
1- الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري، ص 196 – 199.
2- أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، ط2 1430 ه/ 2009م، ص. ص 316 – 335. رابط الكتاب في موقع الدكتور علي الصلابي: http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/632
3- أنساب الأشراف، البلاذري، 1/382.
4- البداية والنهاية، ابن كثير، 7/276 – 277.
5- تاريخ الرسل والملوك، للطبري، 5/ 665 – 666.