الابتزاز «الإسرائيلي» في المفاوضات.. المقاومة ترد من تحت الركام

د. إياد القرا

31 يوليو 2025

132

منذ اندلاع الحرب على غزة، لم تكن «إسرائيل» تفاوض من موقع الباحث عن تسوية، بل من منصة الابتزاز والإخضاع، ففي كل جولة تفاوض تُحضر دولة الاحتلال أدوات القتل والمساومة، وتُدخل القضايا الإنسانية في بازار المقايضة، محاولة فرض الاستسلام تحت عنوان «المساعدات مقابل الهدوء».

لكن أمام كل هذا، تبرز المقاومة الفلسطينية بوصفها الطرف الوحيد الذي ما زال يفاوض من تحت الركام، لا من فوق الدم، حاملةً مشروع شعب لا يقبل أن يُذلّ مقابل لقمة.

مفاوضات غزة.. تصريحات ترمب تكشف زيف وساطة مبعوثه ويتكوف |  Mugtama
مفاوضات غزة.. تصريحات ترمب تكشف زيف وساطة مبعوثه ويتكوف | Mugtama
جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن ان...
mugtama.com
×

أولًا: تجليات الابتزاز «الإسرائيلي»:

تمارس «إسرائيل» شكلاً مركبًا من الابتزاز في التفاوض، يظهر في عدّة مظاهر رئيسة:

1- الغذاء مقابل الصمت:

تحاول «إسرائيل» فرض معادلة خطيرة؛ المساعدات الإنسانية مقابل وقف إطلاق النار، وهنا لا تتعامل مع الغذاء كحق إنساني، بل كورقة مساومة؛ لا تدخل شاحنة، ولا تُسلّم كيس طحين، إلا بثمن سياسي أو أمني.

2- تفكيك الملفات لكسر الموقف الموحد:

تعمد «إسرائيل» إلى تقسيم القضايا الكبرى إلى ملفات منفصلة، فتطرح ملف الأسرى بمعزل عن الانسحاب، وتفتح باب النقاش في التهدئة دون حسم فتح المعابر.

وهدفها تحقيق اختراق في ملف ما، والالتفاف على المكاسب السياسية للمقاومة.

أمعاء خاوية وضمائر نائمة.. غزة تتضور جوعاً |  Mugtama
أمعاء خاوية وضمائر نائمة.. غزة تتضور جوعاً | Mugtama
تعيش غزة اليوم حالة إنسانية صعبة جداً، حيث تفاقمت...
mugtama.com
×

3- استخدام المجاعة سلاحًا تفاوضيًا:

في سابقة أخلاقية مروعة، تحوّلت المجاعة في غزة إلى أداة تفاوض، فتحت أعين العالم، ارتفع عدد ضحايا الجوع، وظهرت على الأطفال ملامح سوء التغذية الشديد، ومع ذلك، تصرّ «إسرائيل» على التحكم بآليات إدخال المساعدات، لا لتلبية الاحتياج، بل لاستخدام الجوع ورقة ضغط.

4- الابتزاز عبر الوسطاء والضغط الدولي:

تلجأ «إسرائيل» إلى تحريك الوسطاء، خاصة واشنطن، لممارسة الضغط على المقاومة، فيُعرض على الفصائل مقترحات إنسانية، تخفي خلفها شروطًا سياسية تهدف لتجريد المقاومة من أوراق قوتها دون مقابل حقيقي.

مدرسة المقاومة الفلسطينية.. دروس للأمة وعِبَر للتاريخ |  Mugtama
مدرسة المقاومة الفلسطينية.. دروس للأمة وعِبَر للتاريخ | Mugtama
إن تاريخ فلسطين المعاصر زاخر بصور المقاومة والصمود في وجه الاحتلال الصهيوني
mugtama.com
×

ثانيًا: مقاومة تحت الحصار.. وموقف ثابت:

رغم المجازر والدمار الهائل، لم تنجح «إسرائيل» في فرض شروطها، بل يمكن القول: إن المقاومة الفلسطينية صمدت سياسيًا كما صمدت ميدانيًا، ونجحت في الحفاظ على ثباتها في مواجهة آلة الابتزاز، مثل:

- لا تبادل دون ثمن: أبرز مظاهر الثبات كان في ملف الأسرى، حيث رفضت المقاومة تقديم معلومات أو صفقات جزئية دون اتفاق شامل ومتوازن، لا إطلاق مجانياً، ولا تفاوض تحت الضغط، بل ندية في الطرح، وثبات في الموقف.

- الصمود في الميدان: رغم فقدان آلاف الشهداء وتدمير مئات الأحياء، ما زالت المقاومة تمسك بخطوطها الدفاعية، وتحتفظ بقدرتها العسكرية، وهو ما يجعلها تتحدث من موقع الفعل، لا الندم أو الضعف.

- وحدة الموقف الفلسطيني: فشلت كل محاولات الشق أو الإغراء السياسي، ورغم التباينات، لم يظهر أي انقسام في موقف المقاومة من المبادئ الأساسية؛ وقف العدوان، والانسحاب، وإدخال المساعدات بحرية وكسر الحصار، وإعادة الإعمار وفق ضمانات واضحة بعد استئناف الحرب.

- التأثير في الرواية الدولية: لم تعد رواية الاحتلال مقنعة حتى لحلفائه، فقد كشفت الصور القادمة من غزة، والأرقام المرعبة للضحايا، عن حقيقة مشروع الإبادة، وهو ما أضعف قدرة الاحتلال على المناورة السياسية.

ثالثًا: هل تنجح المقاومة في كسر الابتزاز؟

الإجابة المختصرة: نعم، إلى حد كبير، فقد نجحت المقاومة في إفشال محاولات فرض الشروط «الإسرائيلية» من خلال:

- تحويل الميدان إلى ورقة تفاوض لا يمكن تجاوزها.

- الثبات أمام الضغوط السياسية والإعلامية والدولية.

- إدارة المفاوضات برؤية موحّدة وقراءة دقيقة لتكتيكات الخصم، رغم وجود بعض الملاحظات، لكن لا تؤثر على مبدأ التفاوض.

لكن، هذا لا يعني أن الطريق ممهد، فالتحديات ما زالت قائمة، والاحتلال لن يتخلى عن سلاح الابتزاز بسهولة، خاصة مع اقتراب الملفات الحساسة (مثل التبادل والضمانات الدولية وفك الحصار الكامل).

الموقف الأخلاقي والسياسي

ليست غزة مجرد جبهة حرب، وإنما ميدان اختبار للموقف العربي والدولي، فالذي يفاوض من بين الدمار، يثبت أنه صاحب مشروع، لا صاحب أزمة، والمقاومة اليوم تقول بوضوح: نحن لا نفاوض من أجل البقاء فقط، بل من أجل الكرامة والحرية والسيادة.

وإذا كان الاحتلال يساوم على الدم والخبز، فإن المقاومة تُحاور بلغة الإنسان الذي رفض الركوع، وقال كلمته: لن نستسلم.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة