هل تنهض في بلدان الخليج نسوية إسلامية؟

تثير مفاهيم النسوية (Feminism) من حيث كونها حركة تُطالب بالمساواة بين الجنسين في الحقوق
والفرص والكرامة، جدلاً هائلاً في دول الخليج العربي، مع التطورات المتسارعة،
وتحديات أكبر لتصبح أكثر مواءمة مع الدين والعُرف والتشريعات والأنظمة السياسية.
ينظر المعارضون للنسوية في الخليج بوصفها
تركيبة مستوردة تغريبية تبعد المرأة شيئاً فشيئاً عن طبيعتها كامرأة عربية مسلمة،
ولهذا بدأت تظهر مفاهيم أكثر حداثة حول إمكانية تفعيل النسوية الإسلامية (Islamic
Feminism) التي تسعى للتناغم بين القيم الإسلامية
والمطالبة بالمساواة المشروعة بين الجنسين.
بين الليبرالية والراديكالية
يُمكن تتبّع بدايات المطالب النسائية في
الخليج إلى التعليم، حيث وفر التعليم للفتيات فترات من التحرّر الرمزي والاجتماعي،
خصوصًا في الكويت، والبحرين، والإمارات، وقطر، ففي الكويت، مثلاً، النساء حصلن على
حق التصويت والترشح في الانتخابات عام 2005م.
وفي السعودية، الحركات النسائية كانت
غالبًا ضمن أنشطة مجتمعية أو خيرية في الستينيات والسبعينيات، تحت رعاية الأمراء
(الأميرات) أو عبر التعليم الجامعي، لكن الضغط الشعبي أو الإعلامي لم يكن بنفس
القوة التي تشهدها الحركة الآن.
منذ بداية القرن الحادي والعشرين وحتى
الآن، شهدت دول الخليج إصلاحات تشريعية واجتماعية ملحوظة في قضايا عدة، مثل حق
القيادة للنساء في السعودية، وتخفيف بعض القيود على الولاية وزيادة مشاركة المرأة
في العمل والسياسة.
وتمثل مسألة الولاية جدلاً كبيراً في
السعودية وعُمان، مثلاً، وتعني القيود القانونية أو الاجتماعية التي تفرض وجود ولي
أمر على بعض التصرفات مثل السفر، استخراج الوثائق، وغيرها، وقد أُجريت تغييرات في
السعودية مؤخرًا لتخفيف بعض من هذه القيود.
ومثل الحركة النسوية في الغرب، تتفرق
المدارس النسوية في بلدان الخليج بين:
1- النسوية الليبرالية:
تهدف إلى تمكين المرأة العربية بكافة
الأشكال، وتركز هذه المدرسة على التعليم، والعمل، والمشاركة السياسية في بعض
المناصب الحكومية، وخاصة المشاركة في البرلمان، وظهرت هذه المدرسة في السعودية
والكويت، وركزت فكرتها مع حركات المطالبة بالحقوق المدنية كحق المرأة في التصويت
وقيادة السيارة ورئاسة المشاريع الاقتصادية.
2- النسوية الإسلامية:
نشأت هذه المدرسة لتحاول التوفيق بين
النسوية الغربية وحقوق المرأة المسلمة في المجتمعات العربية والإسلامية، وحاولت أن
تزاوج بين النص الشرعي والمطالبة بحقوق المرأة، لكنها في بعض الأحيان وقعت في
إعادة تفسير النصوص بما يتقارب مع الطرح الغربي.
ويرى بعض الباحثين مثل سامي العامري أنها
انسلاخ في بعض القضايا الأساسية وتلفيق في بعض القضايا الأخرى، وهي هروب ذاتي من
بعض الشخصيات لتلتقي في النهاية في قضايا أخطر من التغريب وقبول الاستشراق
الحداثي.
3- النسوية الراديكالية:
ترتبط بمناهج التنوير الغربي الاستشراقي
الخاص بالنساء في الواقع الأوروبي الحداثي، وإن لم تكن بنفس الحدة الموجودة في
الغرب، إلا أن بعض الشخصيات الخليجية تأثرت بكتابات سيمون دي بوفوار، وفوكو
ودريدا، وأخذت منحى تفكيكيًا يشكك في البنى الأسرية والدينية العربية والإسلامية،
وخاصة قضية الحجاب.
4- نسوية ما بعد الحداثة:
ظهرت في الجامعات ومراكز الدراسات عبر
الخطاب «النوعي الاجتماعي» (الجندر)، وهو ما انعكس في بعض برامج التنمية التي
تتبناها منظمات دولية في الخليج.
من بين أشهر نماذج الشخصيات النسوية
الخليجية الكاتبة هالة الدوسري، وتركز على نقد النظام القانوني القائم على «الولاية»،
وتعتبره عائقًا أمام استقلالية المرأة، أما وجيهة الحويدر، فمعروفة بمواقفها
الراديكالية؛ حيث تطالب بإلغاء الفصل بين الجنسين، وتهاجم الحجاب، بل تبنّت مواقف
تصفها بعض الدراسات بأنها أقرب إلى النسوية الراديكالية التي تعتبر الدين نفسه
أداة قمعية ضد المرأة.
أما في الكويت، فقد برزت كاتبات مثل ليلى
العثمان، التي عملت في الرواية والشعر، وتناولت قضايا المرأة من زاوية الحرية
الأدبية، وكثيرًا ما ربطت بين القيود الاجتماعية والتحكم في جسد المرأة، أما لولوة
الملا الناشطة الكويتية، فركزت على المطالبة بالحقوق السياسية (حق الانتخاب
والترشح) والمساواة في قوانين الأسرة.
البوصلة الصحيحة والمختلة
أقرّ الإسلام للمرأة حقوقًا سياسية
ومدنية، لكن في إطار لا يُذيب الفوارق بين الأدوار التكاملية، والمساواة الشكلية
التي تدعو لها الملا قد تؤدي إلى ظلم جديد، لأن العدالة في الإسلام قائمة على
مراعاة الخصوصيات، لا على الإنكار لها.
يمكن القول: إن النسوية فتحت المجال أمام
مشاركة المرأة في السياسة (البرلمان الكويتي، مجلس الشورى السعودي)، وكان لها أثر
في التشريعات الخاصة بالعمل والتعليم، لكنها أثارت جدلًا واسعًا حول الأسرة
والهوية الشرعية، حيث إن بعض الطروحات سعت إلى إعادة تعريف الأدوار بين الجنسين
على نحو يتصادم مع المرجعية الإسلامية.
كما أن الأدب النسوي حين اختزل قضية
المرأة في الجسد أو الرغبة الحسية، يفرّغها من بُعدها الإنساني الأشمل، ويقضي على
أدوار الأمومة والأسرة، والإسلام لا يمنع التعبير الأدبي، لكنه يضع له ضوابط
أخلاقية تحمي المجتمع من الانحلال.
لكن الواقع أن كثيراً من طروحات النسوية
تمثل قطيعة مع الفطرة، لأن الإسلام يعترف بالاختلاف البيولوجي والنفسي بين
الجنسين، ويرى فيه أساسًا للتكامل لا للصراع، ومهاجمة الحجاب مثلًا تعني مصادمة
نصوص قطعية من القرآن والسُّنة، وتحويل الدين إلى خصم، وهذا خطر معرفي وأخلاقي،
فضلاً عن كونه ضرورة إنسانية تحافظ على كرامة المرأة وقوامة وجودها في الحياة.
فأفكار النسوية تنطلق من فرضية الصراع
بين الرجل والمرأة، وهذا مخالف لمفهوم التكامل الشرعي، فالولاية في الإسلام ليست
قهرًا، بل رعاية ومسؤولية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول
عن رعيته»، وهنا المرأة راعية ولها قيمها في الرعاية.
المساواة المطلقة التي تطالب بها هذه
المدارس تتجاهل الاختلافات الفطرية بين الجنسين، فالإسلام أقرّ حق المرأة في
التنقل والعمل لكن بضوابط تحمي كرامتها وتصون عرضها وقيم الأسرة.
نحو نسوية عربية
من التغيرات الإيجابية اللافتة في
السنوات الأخيرة زيادة الاهتمام بحق المرأة العربية ومن ذلك الدعم الحكومي
للإصلاحات التشريعية المتعلقة بالمرأة الخليجية، ومقاومة التفسير الديني المتشدد
الذي يحرمها حقوقها في العمل والتعلم والميراث وممارسة الأنشطة ونحو ذلك.
وبالطبع، تقف ترسانة من العادات القبلية
أمام تنفيذ تلك التشريعات كما يحدث في بلدان عربية وخليجية عدة، لكن تضافر جهود
ووعي الحكومات والمجتمع المدني ووسائل التعليم والإعلام لخلق خطاب بحقوق المرأة
وتمكينها سبيل تجاوز كل تلك العقبات بما فيها وقف دوائر العنف ضد النساء أو
حرمانهن من التعليم.
من جهة أخرى، هناك خطورة للتغذية
الإعلامية لمدارس النسوية التي تعمل وراءها جهات مشبوهة تعمل على زعزعة الجهاز
المفاهيمي لعصب الأسرة العربية، ونشر مفاهيم عن مساواة حسابية مادية لا تراعي
الفروق الفطرية، وهو نوع من الحروب الفكرية التي تهز كيان الأسرة العربية والخليجية،
وهنا يجب الانتباه إلى أن المجتمع الخليجي عصي على نفاذ هذه العقليات السطحية إلى
قلبه وعقله ووجدانه.
اقرأ أيضاً: