هل نجح الاحتلال في تشتيت الأمة عن «الأقصى» بتجويع غزة؟

حلمي البلبيسي

19 أغسطس 2025

197

التجويع في غزة أداة قتل لأهل فلسطين، وتهويد المسجد الأقصى يستهدف قتل روح الشعب الفلسطيني وإرادة البقاء والمقاومة فيه؛ هما وجهان لجريمة واحدة تستهدف قتل شعب بكل مكوناته، جريمة الإبادة في فلسطين.

غزة.. رأس الحربة في الدفاع عن القدس

لقد كانت غزة شقيقة القدس في عقدٍ من هبات الدفاع عن المسجد الأقصى وهويته، وعن المقدسيين ووجودهم في أرضهم في مواجهة حرب الطرد والتهجير الجماعي، وعلى هذا الطريق تحولت هبة الفتى الشهيد محمد أبو خضير في يوليو 2014م إلى حرب على جبهة غزة، ثم تُوجت هبات القدس الثلاث في الشيخ جراح وفي باب العمود وفي المسجد الأقصى بمعركة «سيف القدس» عام 2021م التي خاضتها غزة ومقاومتها، وكانت معركة الاعتكاف في أبريل 2023م التي اشترك فيها المقدسيون والمرابطون من الضفة الغربية والداخل المحتل عام 1948م مع مقاومة غزة الهبة الشعبية الأقرب إلى «طوفان الأقصى».

كانت الإبادة جواب الاحتلال على محاولة غزة أن تصوغ ميزان قوى جديداً تنتصر فيه المقاومة للقدس و«الأقصى»، وتنتقل من بوابة «الأقصى» من الدفاع ومنع التصفية إلى الهجوم، فكان جواب الاحتلال السعي إلى محو من يحاول أن يقلب المعادلة، وما دام غير قادر على محو المقاومة، فإنه انتقل إلى محاولة محو المجتمع الذي ينتجها ويحتضنها، متوهماً أن الإبادة جوابه النهائي على التحدي الذي من شأنه أن يقلب الموازين ويكوي الوعي ويمنع أي مغامر من التفكير في مقاومته من جديد، وأن يوفر فسحة تاريخية لتهويد المسجد الأقصى وحرق المراحل على طريق تأسيس «الهيكل» في مكانه وعلى كامل مساحته.

حرب تصفية في مختلف الجبهات

لم يكن غريباً هنا أن يكون إيتمار بن غفير من يحرض على منع دخول أي شاحنة مساعدات إلى غزة هو من يقود اقتحامات «الأقصى»، وهو من يقتحم الزنزانة الانفرادية على الأسير المناضل مروان البرغوثي ليستعرض تهديده؛ فهي بالنسبة للصهاينة اليوم حرب تصفية واحدة متماسكة، يخوضونها على مختلف الجبهات، تسعى إلى تأسيس «الهيكل» مكان المسجد الأقصى، وتحويل القدس العربية إلى «أورشليم العبرية» قتلاً لروح شعب فلسطين، والتنكيل بالأسرى والتوحش في السجون سعياً إلى قتل إرادته، والتجويع في غزة أداة لقتل أبنائه وبناته، والتهجير في الضفة سعياً إلى قتل وجوده وابتلاع أرضه، وضرب كل إرادة يمكن أن تفكر في مقاومته في لبنان وسورية واليمن، بل وتسعى إلى قهر الإرادات وتكميم الأفواه عبر العالم، فالصهيونية في مهمة لفرض احتلالها وهيمنتها بالقوة، ومحو الحق وإرادة الانتصار له حيثما كانت.

ما ينقصنا في مقابل ذلك هو أن تبادر أمتنا العربية والإسلامية إلى خوض المعركة بهذا التماسك، أن تدرك أمتنا وقواها الفاعلة أن معركة الدفاع عن المسجد الأقصى باتت معركة وجود؛ لأن الحرب عليه باتت رمزاً لتصفية وجودها ومحو إرادتها، وأنه لا مفر من خوض هذه المعركة اليوم في «الأقصى» الذي هو عنوانها الجامع، والالتحاق بغزة التي كانت رأس حربة الأمة في خوضها وكسر طوق التجويع والإبادة عنها.

ما ينقصنا هو أن تنضم إلى غزة جبهات تدافع عن «الأقصى» باعتبار الدفاع عنه واجباً عربياً وإسلامياً لا يجوز أن تترك غزة وحدها لتدفع كل ثمنه، ولتخوض كل حربه، ولا يجوز أن يُعتبر شأناً خاصاً بالفلسطينيين وحدهم تكتفي فيه الأمة بالدعم والمساندة في أحسن الأحوال، بينما يشكل جزء من نظامها الرسمي شبكة تحالف مع الصهيونية لإنجاز المهمة والإجهاز على كل إرادة للمقاومة.

التجويع كأداة للاستفراد بـ«الأقصى»

لا يمكن القول اليوم بأن التجويع في غزة يلفت النظر عما يحصل في «الأقصى»؛ لأن هذا التجويع جزء من إبادة شاملة تريد أن تستفرد بـ«الأقصى» وأن تتركه عارياً من كل أسباب الدفاع عنه والانتصار لإسلاميته ومنع طمس هويته، بل إن معركة تهويد «الأقصى» بقيت على طوال الحرب خطاً موازياً للإبادة في غزة، وكل منهما يشكل ضلعاً في حرب التصفية الشاملة التي يخوضها المحتل اليوم على فلسطين وشعبها ومقاومته، وعلى جوارها ومحيطها الأقرب والأبعد، حتى يمسي هو القوة الأوحد الممسكة بزمام بلادنا.

إن كسر حرب التجويع عن غزة، والانتصار لـ«الأقصى» وهويته في مواجهة التهويد الذي بات وبكل أسى ومرارة حقيقة مفروضة فيه، هي أولويات مواجهة حرب التصفية والإبادة اليوم، أولويات تفرض تغيير المعادلات وانخراط الأمة في معركة الدفاع عن وجودها وعن مقدسها، وأن تدرك أن خوض هذه المعركة الطريق الوحيد لنهضتها واستعادة ذاتها.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة