وداعاً خالد الجارالله.. الدبلوماسي المخضرم الذي نقش اسمه في تاريخ الكويت

كمن يُغلق كتابًا قبل أن يخط فصوله الأخيرة، رحل نائب وزير الخارجية الأسبق خالد سليمان الجارالله، تاركًا خلفه مسيرةً دبلوماسية حافلة بالعطاء والإنجازات.
لم تكن رحلته في العمل السياسي مجرد محطة عابرة، بل كانت سجلًا زاخراً بالمواقف الحكيمة والخبرة العميقة التي عززت مكانة الكويت على الساحة الدولية.
لم يُمهله القدر، في ليلةٍ مباركة، ليرحل بعد عقودٍ من العطاء الدبلوماسي، تاركًا بصمةً ستظل محفورة في ذاكرة وزارة الخارجية، ووجدان من عرفه وعمل معه، كان الراحل علامةً فارقة في السياسة الخارجية الكويتية، بشخصيته الحكيمة وقراراته الصائبة، التي جعلته محل احترام وتقدير داخل الكويت وخارجها.
مسيرة حافلة بالعطاء الدبلوماسي
بدأ الجارالله رحلته في السلك الدبلوماسي بعد حصوله على بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة الكويت عام 1971م، ليبدأ مسيرةً متميزة في وزارة الخارجية، شغل مناصب عدة، كان أبرزها تعيينه سفيرًا للكويت في بيروت بين عامي 1972 و1974م، ثم تنقل في عدة مناصب حتى أصبح وكيلاً لوزارة الخارجية عام 1999م، استمر في خدمة بلاده حتى يناير 2021م، حين تقدم باستقالته تنفيذًا للمرسوم الأميري.
شارك الراحل في العديد من المؤتمرات والقمم الدولية، وكان له دور بارز في تعزيز علاقات الكويت الخارجية، حيث تميز بقدرته الفائقة على التواصل وإدارة الملفات الدبلوماسية الحساسة، لم يكن مجرد مسؤول حكومي، بل كان قائدًا دبلوماسيًا مؤثرًا، يُحسب له الحضور القوي في المحافل الدولية.
شهادات في حقه
أعرب وزير الخارجية الأسبق، الشيخ د. أحمد ناصر المحمد، عن بالغ حزنه لرحيل الجارالله، مؤكدًا أن الكويت فقدت أحد أبرز شخصياتها الدبلوماسية، ورجلًا ترك أثرًا لا يُمحى في تاريخ السياسة الخارجية الكويتية، وأضاف: "لقد كان، رحمه الله، مثالًا للدبلوماسية الراقية والسلوك القويم، وستظل ذكراه حيّة في ذاكرة جميع من عملوا معه".
من جانبه، قدم سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الكويت سمو الأمير سلطان بن سعد تعازيه لأسرته وللشعب الكويتي، مشيدًا بتاريخه الدبلوماسي وإسهاماته في تعزيز العلاقات الخليجية والعربية، كما أكد السفير بدر التنيب، مساعد وزير الخارجية لشؤون مكتب الوزير، أن الكويت فقدت شخصية دبلوماسية بارزة، كان لها دور أساسي في إدارة العلاقات الدولية بحكمة وحنكة.
وأعرب مساعد وزير الخارجية لشؤون المراسم السابق ضاري العجران عن حزنه العميق لفقدان الجارالله، واصفًا إياه بأنه صاحب القلب الكبير والناصح الأمين.. الرجل الصلب إذا استدعت المواقف، وأضاف العجران: كان للراحل دورٌ كبير في تطوير وزارة الخارجية ودعم موظفيها، وكان مثالًا يُحتذى به في العطاء والإخلاص.
كما أشاد السفير وليد الخبيزي، نائب وزير الخارجية لشؤون أوروبا السابق، بمناقب الجارالله، مشيرًا إلى أنه كان ركيزة أساسية خلال حرب تحرير الكويت وساهم في بناء التحالفات الدولية لاستعادة سيادة البلاد، وقال: إرثه العظيم سيظل شاهدًا على مسيرته المباركة، وذكراه ستبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة.
من جانبه، أكد السفير سميح حيات، مساعد وزير الخارجية لشؤون آسيا، أن الفقيد ترك سيرةً عطرة وميراثًا من الخبرة والمعرفة والإبداع، مضيفًا أنه كان رجلًا متواضعًا ذا أخلاق رفيعة؛ ما جعله محل تقدير واحترام من الجميع.
أما السفيرة ريم الخالد، سفيرة الكويت لدى ألمانيا، فقد وصفت الجارالله بأنه كان حازمًا في قراراته، رقيقًا في تعامله، دبلوماسيًا في حكمته، وسياسيًا في حنكته، لم يبخل بوقته وجهده في خدمة بلاده.
بدوره، قال السفير سامي السليمان، رئيس بعثة جامعة الدول العربية في جنيف: أتقن الراحل متطلبات سياسة الكويت الخارجية في السلم والحرب، وكان أحد أبرز أعمدة الدبلوماسية الكويتية على مدى عقود.
مسيرة دبلوماسية حافلة
ولد خالد الجارالله (أبو حازم) عام 1947م في مدينة الكويت، وبدأ رحلته المهنية بعد تخرجه في قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت عام 1971م، حيث انضم إلى وزارة الخارجية ليشق طريقه في العمل الدبلوماسي، متدرجاً في المناصب حتى أصبح أحد أبرز الشخصيات التي أثرت في السياسة الخارجية الكويتية.
المناصب والإنجازات
- عام 1972 - 1974م: تولى منصب السفير الكويتي في لبنان، حيث ساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في فترة حساسة.
- عام 1974 - 1987م: شغل منصب رئيس قسم الشؤون العربية بوزارة الخارجية، وكان له دور بارز في الملفات الإقليمية والتعاون العربي.
- عام 1987م: تولى إدارة شؤون مجلس التعاون الخليجي، وأسهم في تعزيز دور الكويت داخل المنظومة الخليجية.
- عام 1999 - 2021م: تم تعيينه وكيلاً لوزارة الخارجية، ليقود الدبلوماسية الكويتية في مختلف المحافل الدولية لأكثر من عقدين، وكان شاهداً على العديد من التحولات السياسية في المنطقة.
في يناير 2021م، تقدم الجارالله باستقالته التزاماً بتنفيذ المرسوم الأميري رقم (3) لسنة 2021، الذي أنهى العمل بالمراسيم الصادرة بالتعيين بدرجة وزير، ليختتم بذلك مسيرة دبلوماسية امتدت 22 عاماً في منصب وكيل الخارجية، تاركاً بصمة واضحة في السياسة الخارجية الكويتية.
عرف الفقيد بحنكته السياسية، وابتسامته الدائمة، وعلاقته القوية بجميع الصحفيين، إضافة لدوره البارز في تمثيل الكويت وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية، حيث ساهم في إدارة ملفات إقليمية ودولية مهمة، وكان من الشخصيات التي يحسب لها الحضور القوي في المؤتمرات والقمم الدبلوماسية.
برحيل أبي حازم، تفقد الكويت قامة دبلوماسية مخضرمة، قدمت الكثير لوطنها، لكن أثره سيظل خالداً في ذاكرة الدبلوماسية الكويتية.