هل يجوز أن نفرح بالعيد وغزة تئن؟

سن
الله عز وجل للمسلمين عيدين يتعلقان بعبادتين من أهم ركائز الإسلام، وعمودين من
أعمدته وهما: عيد الفطر المبارك بعد أداء فريضة الصيام وابتهاجا بالفطر ، وعيد
الأضحى المبارك والمرتبط بأداء فريضة الحج ، وقد جعل سبحانه لكل أمة عيدا ومنسكا
وفرض عليهم تعظيمه باعتباره شعيرة من شعائر الدين، فعن أنس رضي الله عنه قال:
(قَدِم النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد
أبدلكم الله تعالى بهما خيراً منهما: يومَ الفطر والأضحى) رواه أبو داود، وقد سنت
الشريعة للمسلمين إظهار الفرح في هذان اليوم ابتهاجا بتمام العبادة، شرط أن لا
يخرج هذا الفرح عن مقتضى الشرع والسلوك الإسلامي، وما يحدث اليوم في بعض بلاد
المسلمين أو معظمها على وجه الدقة من تشبه بسلوك غير المسلمين في احتفالاتهم خاصة
في أوساط الشباب، لا يمت للاحتفال الإسلامي بصلة، حتى تحولت الأعياد لظاهرة من
التحرش وسوء الخلق والتحلل من الدين جملة باسم الاحتفال والتنزه ونشر البهجة،
وباسم الحرية الشخصية والخروج على الرجعية والقيود الشرعية، فتلقي الفتيات
بحجابهن، وتخلو ثياب الشباب من الرجولة وأخلاقهم من خشية الله عز وجل، ونسوا أن
حتى للتعبير عن الفرحة في الإسلام ضوابط وقيود يجب أن يتحلى بها المسلم كي لا يخرج
من ربقة الإسلام من حيث لا يدري
البيت النبوي يوم العيد
الإسلام
دين الرحمة والواقعية والسعادة النظيفة التي لا تخرج المسلم من إنسانيته، فكما جعل
لنا عيدا، فقد سن لنا فيه البهجة والسرور والطعام والشراب، وجعل له صدقة تزكي
الصائم في نهاية صومه كي يستطيع الفقير أن يسعد هو الآخر كما يسعد الجميع فيشتري
الملابس الجديدة، ويطهو الطعام الجيد، وقد كان صباح العيد في بيت النبوة صباحا
مبهجا، ويشهده النبي عليه الصلاة والسلام بنفسه، فعن عائشة أم المؤمنين - رضي الله
عنها – قالت: ( دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنّيان
بغناء يوم بعاث، فاضطجع على الفراش، وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال:
مزمارة الشّيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقبل عليه رسول الله - صلى
الله عليه وسلّم - فقال: دعهما، فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا ) رواه البخاري . وفي
رواية أخرى: (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا )، وفي رواية أحمد: (
لِتعْلَمَ اليهود أنَّ في ديننا فسحة، إني أُرسلت بحنيفية سمحة)، فالغناء والمرح
للأطفال في الإسلام مباح في الأعياد والمناسبات الاجتماعية الخاصة بكلمات لا تخدش
الحياء
وفي
احتفالية أخرى بالعيد، تحدثنا عنها عائشة ـ رضي الله عنها ـ فتقول: (وكان يوم عيد
يلعب السودان بالدّرق (الدرع من الجلد) والحراب، فإمّا سألت رسول الله - صلى الله
عليه وسلّم - وإمّا قال: تشتهين تنظرين؟، فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدّي على
خدّه، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتّى إذا مللت، قال: حسبك؟، قلت: نعم، قال:
فاذهبي) (رواه البخاري)، فإظهار الفرح والبهجة بالعيد واجبة دون لهو أو ارتكاب
محرمات، وهذا ما قالته عائشة رضي الله عنها: (كان الحبش يلعبون بحرابهم فسترني
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنظر).
إظهار الفرح في العيدين يغيظ
الأعداء
وقد
يتساءل البعض قائلا: وهل يجوز إظهار الفرح في هذا العيد بالرغم ما يدور من مجازر
على مدار الساعة في غزة الأبية والسودان واليمن وكثير من أماكن تواجد المسلمين حيث
يمثلوا أقليات فيها؟
إن
ما يحدث في غزة اليوم لهو عار على البشرية كلها وليس فقط على جيرانها من المسلمين،
فقد تكاتف المجرمون عليها حتى صارت تحاربهم جميعا نيابة عن الأمة، ولم تسلم في تلك
الأيام والليالي المباركة من القصف والقتل حتى مقتل الأطفال بملابس العيد، فأي عار
سوف يلحق بالإنسانية في التاريخ بما يدور اليوم، علاوة على الحصار الجائر وحرمانهم
من لقميمة يكسروا بها صيامهم، أو شربة ماء نظيفة تروي ظمأهم، وفي ظل ما يدور يهل
علينا عيد الفطر المبارك بينما العدو مصر على كسر فرحة من تبقى منهم، ولذلك،
ولاعتبار أن العيد مشعر من مشاعر المسلمين التي يجب تعظيمها وإقامتها، ولأنه منسك
يغيظ الكفار ويكسر إحساسهم بنصر مزيف يريدون تقديمه للعالم حفظا لماء وجودههم، فقد
وجب على المسلمين وإن غابت عن قلوبهم الفرحة تعاطفا مع إخوانهم، وحزنا على
المقدسات التي ما زالت مدنسة، وتمزقا لأطفال يدفعون الثمن كل يوم من دمائهم
وأرواحهم ويتمهم وجراحاتهم التي لا تنتهي في سبيل تمسكهم بمقدساتهم والبقاء
بأرضهم، والموت فيها بعدما عجزوا عن العيش فيها، فالأعياد في الإسلام لم تشرع
لمجرد الفرح واللعب ، لكنها شعائر يجب رفعها وإعلانها، وهي في ذاتها ذكر وعبادة
وصلة أرحام وبر بالمحتاجين وإدخال السرور على الناس، تكبير وذكر وصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم وخطوات ترفع من شأن صاحبها، وخطوات أخرى تحط من خطاياه
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع ، ومن
أظهر ما لها من الشعائر"[1]
قال
الحافظ ابن حجر رحمه الله: "إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين"[2]،
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن لعب
الحبشة في المسجد: ( لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ؛ إِنِّي
أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ ) (رواه أحمد)
فبالرغم
مما يدور اليوم من حرب بشعة نتابعها على مدار الساعة، وبرغم المصاب الأليم الذي
يسيطر على قلوبنا وعجزنا أمامه، فإظهار الفرحة بالعيد والتكبير في الشوارع
والتجمعات ، والتزاور ووصل ما قطع من الأرحام واجب ليعلم العالم أن المسلم حاضر لا
يغيب، وأن شعائر الإسلام قائمة ولو كان آخر مسلم يقيمها على الأرض، إعلاءا لشأن
الله عز وجل وإقامة لدينه سبحانه، مع العمل على مواساة أخواننا في غزة بالدعاء
والمال ما استطاع المسلم لذلك سبيلا إعانة لهم، وخلفا لمجاهدهم
ثم
إنه لا تعارض بين إظهار الفرح بالعيد ، والتألم على ما أصاب المسلمين ، والحزن على
حالهم ؛ فإن المسلم يظهر فرحه بالعيد ، إظهارا لدينه ، وإعلاء لشأنه ، وهو مع ذلك
يحزن لأحزان المسلمين مع التقليل من المباحات، وعدم الإسراف فيها احتراما للاوقع
المؤلم الذي تمر به الأمة، رفع الله عن الأمة البلاء، وأيقظها من غفوتها التي
طالت، وألهمها رشدها، ورفع بالدين شأنها، إنه ولي ذلك وهو عليه قدير.