«المجتمع» تناقش ظاهرة العنف عند الشباب

سامح ابو الحسن

09 ديسمبر 2025

159

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع الكويتي في حال تفاقمها، تتمثل في تزايد العنف بين أوساط الشباب سواء في المنزل أو المدرسة، ليتعدى ذلك إلى الأماكن العامة ما بات يشكل هاجسًا مؤرقًا على مختلف المستويات خصوصًا بالنسبة للأسر، والمتخصصين تربويًا، واجتماعيًا، ونفسيًا.

أكاديميون وطلبة: ظاهرة سلبية منتشرة في المجتمع تستوجب حلولا سريعة لمعالجتها

أكد متخصصون أن ظاهرة العنف المجتمعي تقلق المجتمع ولابد من السعي إلى معالجتها والوقاية منها بالطرق العلمية، مؤكدين أن العلاج يتم عن طريق مجموعة من الأدوات والبرامج منها: إنشاء مركز خاص متخصص في العنف يقوم بدراسات للشخص العنيف ويضع الحلول، ويتنبأ بالمستقبل من خلال التوعية اللازمة والإرشاد والتوجيه وتقديم العلاج، ووضع إستراتيجية لمواجهة المشكلة.

العنف المؤسسي

قال عميد كلية العلوم الاجتماعية الأسبق د. يعقوب الكندري: للعنف ثلاثة جوانب، جانب جسدي من ضرب وصفع ولكم ورفس، وجانب لفظي من سب وتحقير وتوجيه ألفاظ خارجة، وعنف جسدي من إهمال وحرمان وإذلال، والعنف ليس مشكلة حديثة، فقد مرت به كل المجتمعات بداية من هابيل وقابيل، فهو قضية عالمية وليس محلية.

وأوضح الكندري أن جرائم العنف في المجتمع لا تعكس الواقع؛ لأن كثيرا منها لا يدخل في الإطار القانوني، فمثلًا عدد الحالات المسجلة في إحصاءات وزارة العدل، وفي إدارة الخدمات النفسية الاجتماعية في وزارة التربية أضعاف القضايا المسجلة في وزارة الداخلية، فليس كل حادث عنف يتم تسجيله في المخافر وهذه مشكلة داخل مجتمعنا وليس ظاهرة.

د. الكندري: أسباب العنف ترجع لوجود التزامات مالية وقروض وديون

وتابع الكندري: بعد دراسة وجدنا أن أسباب العنف ترجع لوجود التزامات مالية وقروض وديون وإلى ارتفاع تكاليف المعيشة والإهمال في رعاية الأبناء وتدخل الأهل والبخل والإهمال في رعاية المنزل وغياب الزوج أو الزوجة عن المنزل، وكذلك من أسبابه المجرَّمون سياسيًا والكبت وانتشار الفساد وانتهاك القانون.

وحمَّل الكندري المسؤولية إلى جهات عدة منها الأسرة وطريقة تربية الأولاد، والمجتمع، والبيئة المحيطة بالفرد، والحكومة، موضحًا أن الصورة ليست سوداء، وأن هناك ما يدعو إلى التفاؤل، مشيرًا إلى أنه من خلال عضويته في إحدى لجان وزارة الدولة لشؤون الشباب اطلع على بعض المقترحات التي تساهم في حل هذه المشكلات.

إشكاليات العنف

أوضح العميد المساعد للشؤون الأكاديمية بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت أ. د حمود القشعان، أن إشكالية مواجهة العنف في المجتمع تكمن في الشعور بعدم السيطرة واليأس من قبل المسؤولين في مجالات التربية والعلاج والأمن، بالإضافة إلى الفجوة بين الأجيال؛ مما يسبب صعوبة التفاهم بينهم لا سيما مع عدم مقدرة كبار السن على مواكبة التكنولوجيا، غير أن تخطي الحدود وعدم احترام القوانين والأعراف من قبل صغار السن يؤدي دورًا مهما في تلك الإشكالية.

القشعان: غياب هيبة القانون والفراغ لدى الشباب وعدم وجود رادع داخل الأسرة من أهم أسباب العنف

وقال القشعان: العنف في المجتمع له أسباب متعددة على رأسها غياب هيبة القانون والفراغ لدى الشباب، وعدم وجود رادع داخل الأسرة، مشيرًا إلى أن المواطن الذي يحترم نفسه ويحترم الناس ليس لديه استطاعة للحصول على حقوقه في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية أو التربوية، مبينًا أن الرموز تحطمت بداية من الوالد إلى مختلف القدوات في المجتمع؛ فأصبح المجتمع لا يعترف إلا بأخذ الحقوق عن طريق العنف.

وتابع القشعان: هناك أنواع متعددة من العنف، ومنها الفجور في الخصومة، وقد رأينا هذا الأمر كثيرًا في الفترة السابقة، مؤكدًا أن العدالة هي من تساعد على القضاء على العنف، فلابد أن يكون هناك مساواة في تطبيق القانون، مطالبًا في الوقت ذاته بضرورة إشغال فراغ الشباب، فمن خلال آخر إحصائية تبين أن العنف في الصيف أضعاف ما يحدث في فترة الشتاء بسبب الفراغ الذي يعاني منه الشباب.

العادات السلوكية العنيفة

قال أستاذ علم النفس في جامعة الكويت د. خضر البارون: إن أسباب العنف بين الشباب ليست ثابتة، وإن كانت هناك بعض العوامل الأساسية التي قد تساعد على ذلك، لافتًا إلى أن العنف قد يحدث بين الشباب على الرغم من حسن أخلاقهم في لحظة غضب واحدة، فالظروف التي يكون فيها الإنسان حينها هي التي تتحكم ولا تخضع لتقديرات نفسية ثابتة.

البارون: الرقابة والتوجيه للأبناء في مراحلهم السّنية المختلفة أمر حيوي وضروري

وقال د. البارون: إن العادات السلوكية العنيفة بين طلبة المدارس تعود إلى أسباب عدة، فمن الممكن أن تكون الظروف الأسرية المحيطة بالطفل غير مواتية، من انفصال الأبوين مثلًا أو حث أحدهما الابن على الاعتماد على نفسه في كل شيء، وثقافة «خذ حقك بإيدك» والتي تجعل الطفل يلجأ للعنف من أجل أخذ حقه كما أمره والداه، وكذلك الوسط المدرسي الذي يتعلم فيه الطفل الكثير والكثير من العادات من أقرانه، فلو كان أقرانه على مستوى جيد من التربية سيكون سلوكه سويًا، وبالعكس فقد يكتسب عادات غريبة تمامًا عن وسطه الأسري.

وأكد البارون أن لجوء الأطفال للعنف قد يكون بسبب وجود حالة من الفراغ والطاقات غير المستغلة والتي يحتاج إلى إخراجها بصورة طبيعية وتربوية سليمة في رياضات معينة، أو أنشطة اجتماعية ومجتمعية مختلفة، وكذلك قلة الوازع الديني الأمر الذي يجب أن نحرص عليه ونعمل جاهدين على إثرائه لدى أبنائنا، مبينًا أن الرقابة والتوجيه للأبناء في مراحلهم السِّنية المختلفة أمر حيوي وضروري أمام أي عادات دخيلة أو عادات سلبية يكتسبها الأبناء ومعالجتها.

العجمي: نستطيع القضاء على العنف بنشر سياسة الحوار بين الشباب والجهات المعنية

وقال رئيس الاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الجامعة فلاح العجمي: مع شدة استنكارنًا للعنف أيًا كانت أشكاله، فإننا نرى ولحسن الظن بأنه لم يرق لكونه ظاهرة، وإننا مازلنا في المرحلة التي يمكننا فيها التعامل معه للقضاء عليه.

وتابع العجمي: ليس هناك مبرر لأي شخص أن يتعدى على شخص آخر سواء لفظيًا أو جسديًا خصوصًا إذا كانوا زملاًء تجمعهم جامعة واحدة، فيجب أن يكون هناك احترام الحرم الجامعي وتقدير للزمالة، مطالبًا بأن يكون القانون هو السائد في التعامل مع موضوع كهذا بعيدا عن إطلاق الشائعات والاتهامات في كل الاتجاهات، فما وراء ذلك إلا التكسبات الانتخابية الرخيصة والتصيد في الماء العكر.

وطالب العجمي الإدارة الجامعية إلى عدم التقصير في ملاحقة المتسببين في هذا العنف من قبل الإدارة المختصة، وهي إدارة الأمن والسلامة، وإيجاد آليات للتعامل مع هذا العنف في حالة وجوده، وأن تكون على أُهبة الاستعداد ومتيقظة ومتحملة لمسؤولياتها، فسلامة الطلبة وأمنهم واجب ومسؤولية وخط أحمر يجب ألا يتعداه أحد.

وأكد العجمي ضرورة نشر ثقافة التراحم والتفاهم ونبذ التشدد، والاعتماد على العقل وتقديم الأذكياء ومدحهم.

قلق مجتمعي

قال رئيس جمعية العلوم الاجتماعية عبد الله جمعان الحربش: إذا أردنا أن نتكلم عن العنف الموجود في المجتمع يجب أن نميز بين الواقع الحالي وما يجب أن نكون عليه، ففي الواقع الحالي نحن نعاني من نسب متوسطة في كل فئة عمرية تمارس شكلًا من أشكال العنف، وهذه الممارسات لم تأت من فراغ.

الحريش: ظاهرة العنف المجتمعي تقلق المجتمع ولابد من السعي إلى معالجتها

وأضاف الحربش: ظاهرة العنف المتنامي في الكويت تحتاج لعلاج فوري ومتكامل من خلال ورش العمل والدورات التدريبية التي تعلم الطلبة مهارات التواصل مع الآخرين بطريقة سليمة، والتعامل مع الغضب بطرق صحية وسليمة وهو ما تقدمه الجامعة في برامجها التدريبية الموجهة.

إحصائية رسمية

كشفت إحصائية رسمية صادرة عن الإدارة العامة للأدلة الجنائية عن 152 جريمة قتل شهدتها البلاد في 3 سنوات (من 2010 -2013م) أغلبها جراء مشاجرات، و70 محاولة لإزهاق أرواح بريئة، وتبين أن البلاد شهدت 17 ألفا و407 جرائم متنوعة، منها 9 آلاف و400 جريمة جنايات، و8007 جرائم جنح(1).

 للمزيد: 

- العنف الأسري.. هل ترضاه المرأة أم تضطر للصبر عليه؟ 

- العنف الأسري في الكويت - بين واقع الظاهرة ورادع القانون 

- مساعي تفكيك الأسرة المصرية تتزايد وسط تحذيرات من مختصين 

- مقاربة النموذج الكويتي والأردني لحماية المرأة من العنف الإلكتروني 

- قراءة في الإنجازات التشريعية لحماية المرأة في الكويت 



____________________

(1) نُشر بالعدد(2072)، 1 شعبان 1435هـ/ 1 يونيو 2014م، ص6.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة