24 فبراير 2025

|

الشباب.. وصنع القرار

خالد محمد علي

24 فبراير 2025

6

أجمعت كل الإحصاءات السكانية الرسمية في وطننا العربي على تجاوز نسبة الشباب بين السكان حاجز الـ60%، وهو ما يعني أننا بفضل الله أمة شابه، ونتميز بين كل الأمم بهذه الحيوية والطاقة الهائلة، والثروة البشرية التي نتمتع بها.

وكما هو معروف، فإن الدول التي تعتمد على الطبقة الحاكمة دون مشاركة المؤسسات التشريعية ومنظمات المجتمع المدني، ترتبط حيويتها بتلك الطبقة صعودًا وهبوطًا، والغريب أن الدول الأوروبية التي تفتقد إلى عناصر الشباب نتيجة لاتباع سياسات الحد من النسل تقوم بتقديم إغراءات كبيرة لجلب أكبر عدد من عقول شباب العالم الثالث ومن بينها عالمنا العربي، وتقدم لنا نماذج رائعة من هؤلاء الشباب الذين طردتهم بلادهم ليصبحوا نجومًا في الدول التي تحتل قمة الهرم الحضاري.

ويبدو أن حيوية الشباب وطموحهم المتدفق وسعيهم المستمر للتغيير والتجديد يصطدم دائمًا بروح السكون التقليدية التي يعمل بها صناع القرار في وطننا العربي، كما أن المزايا المذهلة التي تمنحها السلطة لأفرادها تجعلهم يرفضون بكل قوة دخول أي عناصر جديدة من الشباب إلى دوائر الحكم في البلاد.

ولا يبدو أن هناك انطلاقة إلى تغيير الواقع العربي التقليدي والدخول إلى قطار الحداثة دون الاستفادة من أصحاب الأغلبية في أوطاننا وهم الشباب.

تحديات وعوائق

وفقًا لدراسة ألمانية أجرتها مؤسسة «فريدريش إيبرت» عام 2022، حول واقع الشباب العربي، فإن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الشباب مثل البطالة التي تصل نسبتها إلى 27%، والتهميش السياسي حيث يشعر 68% من الشباب بعدم تأثيرهم على القرارات السياسية، إضافة إلى نسبة تصل إلى 42% من الشباب يفكرون في الهجرة بسبب غياب الفرص السياسية والاقتصادية.

وبالرغم من أن 80% من الشباب يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر»، و«فيسبوك»، للتعبير عن آرائهم السياسية، فإن هذا لا يترجم بالضرورة إلى مشاركة مؤسسية فعلية.

وكشف الباحثون أن الخوف من المستقبل لدى الشباب ينبع من 8 عوامل أساسية تشمل الوضع الاقتصادي والحالة الصحية والضغط النفسي وخطر العنف والقلق بشأن الغذاء ومستقبل العائلة واحتمالية نشوب الصراعات المسلحة والقلق المهني.

وهناك استطلاعات متعددة أظهرت عدم اهتمام الشباب العربي بالمشاركة السياسية، التي جاءت في مراكز متأخرة بعد اهتمامهم بالتشغيل أو التوظيف والأمن والسلامة والتعليم والرعاية الصحية.

المشاركة السياسية

يشكل الشباب في الوطن العربي، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا، أكثر من 100 مليون نسمة؛ ما يمثل نسبة كبيرة من السكان، ورغم هذا الثقل الديموغرافي، فإن مشاركتهم في الحكم وصنع القرار لا تزال محدودة، إذ تشير التقارير إلى أن نسبة الشباب في العديد من الدول العربية تتجاوز 50%، وفي بعضها تصل إلى 60%، ومع ذلك، فإن تمثيلهم في المؤسسات السياسية الرسمية، مثل البرلمانات والأحزاب السياسية، لا يزال ضعيفًا، وعلى سبيل المثال، تُظهر تقارير الأمم المتحدة أن أقل من 2% من البرلمانيين في الدول العربية هم دون سن الثلاثين.

بالإضافة إلى ذلك، يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و44 عامًا حوالي 57% من الناخبين، لكنهم لا يشاركون بفعالية في صنع القرار، وتعزى هذه المشاركة المحدودة إلى عدة عوامل، منها محدودية فرص الترشيح للمناصب السياسية، وضعف التمثيل في المؤسسات التنفيذية، ونقص الوعي السياسي بين الشباب، والقيود القانونية والثقافية التي تعيق انخراطهم في الحياة السياسية.

وفي هذا الإطار، يوصي الخبراء باتخاذ خطوات عملية لتمكين الشباب من المشاركة السياسية والتنفيذية في إدارة البلاد بخفض سن الترشح للمناصب السياسية، وتخصيص حصص للشباب في المؤسسات التمثيلية، ودعم المبادرات الشبابية وتمكينهم في مواقع صنع القرار، ونشر الوعي بين الشباب حول ضرورة قيامهم بأدوار إيجابية داخل مجتمعاتهم.

ولتعزيز المشاركة، تم إطلاق مبادرات تشريعية وخفض سن الترشح وتخصيص حصص للشباب كما حدث في المغرب، وأيضًا نظمت مؤتمرات دولية مثل «الاجتماع العربي للقيادات الشابة» الذي عقد في الإمارات ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات عام 2025م، وتم الإعلان عن عمان عاصمة للشباب العربي لعام 2025م مع خطط لتعزيز المشاركة عبر برامج تكنولوجية وريادية.

محاولات عربية

مع تزايد أهمية مشاركة الشباب في إدارة الحكم والعملية السياسية، برزت على السطح مؤخرًا عدت محاولات لجذب الشباب للحقل السياسي، كان من بينها:

- منتدى شباب العالم في مصر: الذي يعقد سنويًا في مدينة شرم الشيخ، وهو منصة دولية تجمع الشباب من مختلف الجنسيات للتفاعل مع صانعي السياسات ومناقشة القضايا العالمية، ويتيح المنتدى للشباب فرصة تقديم رؤاهم ومبادراتهم؛ ما يعزز دورهم في صياغة السياسات العامة.

- منصة «قضايا الشباب.. الحوار من أجل الديمقراطية» في المغرب: تأسست هذه المنصة لتعزيز ثقافة الحوار والمساءلة في السياسات العامة، حيث تنظم لقاءات حوارية بين الشباب وصناع القرار لمناقشة القضايا المؤثرة على حياتهم، وتسهم هذه المبادرة في تمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في العملية الديمقراطية.

- المؤسسة الاتحادية للشباب في الإمارات العربية المتحدة: التي تأسست لتفعيل مشاركة الشباب في صنع القرار والتواصل مع السلطات الحكومية، وتوفر هذه المؤسسة منصة للشباب للمساهمة في تطوير السياسات والمبادرات الوطنية.

وبالرغم من كل هذه المحاولات، فإن المشاركة ظلت ضعيفة، وتوصف بأنها احتفالية أكثر منها واقعية، حيث لم ينعكس ذلك في أطر حزبية أو مؤسسات حكومية؛ ما يتطلب إصلاحات تشريعية وتوفير فرص حقيقية للقيادة الشبابية، بما يضمن استغلال الثروة البشرية الهائلة التي يتمتع بها العالم العربي وتحويلها إلى قوة دافعة نحو الحداثة والتنمية، مع منح فرص أكبر للشباب من الجنسين، خاصة أن دور النساء في العمل السياسي أو الاجتماعي ما زال ضعيفًا للغاية.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة