23 فبراير 2025

|

العمل الخيري والثقافة في الكويت: وجهان لعملة واحدة

 

تعتبر الكويت من أبرز الدول التي تميزت بتكامل العمل الخيري مع الثقافة المجتمعية عبر العصور، فبينما يسود العمل الخيري كجزء من نسيج الحياة اليومية للكويتيين، فإنه يحمل طابعًا ثقافيًا خاصًا يعكس قيم التضامن الاجتماعي والإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، كما يعد العمل الخيري في الكويت امتدادًا طبيعيًا للثقافة المجتمعية، حيث تشكل التقاليد الاجتماعية والدينية حجر الزاوية في تطوير هذا القطاع، ما يجعل العلاقة بينهما علاقة تكاملية ومتجددة.

البُعد التاريخي للعمل الخيري في الكويت

تاريخ العمل الخيري في الكويت يعود إلى ما قبل اكتشاف النفط، إذ كانت الكويت في العصور القديمة تعتمد على التكاتف الاجتماعي بين أفراد المجتمع، كان العمل الخيري يتمثل في تقديم المساعدات للأسر المحتاجة وتوفير الدعم في الأوقات الصعبة من خلال ما كان يعرف "بالبر" و"المساعدات العينية"، كما كانت العادات التي تربى عليها الكويتيون تدفعهم إلى تقديم العون من خلال المبادرات الفردية أو الجمعيات الصغيرة التي تأسست منذ بدايات القرن العشرين.

لكن مع بدء ازدهار الاقتصاد الكويتي في النصف الأول من القرن العشرين بفضل موقع الكويت التجاري المميز، بدأ العمل الخيري يأخذ شكلًا مؤسساتيًا، شهدت السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية ظهور العديد من الجمعيات الخيرية التي تهدف إلى تقديم الدعم الاجتماعي والإنساني للمواطنين والمقيمين، بالإضافة إلى تمويل مشاريع تعليمية وصحية، ومن أبرز هذه الجمعيات كانت جمعية الإصلاح الاجتماعي التي تأسست في عام 1962، والتي لعبت دورًا مهمًا في توجيه العمل الخيري في الكويت وتعزيز رسالته الثقافية.

العمل الخيري والثقافة في الكويت: تكامل عميق

في الكويت، لم يكن العمل الخيري مجرد تقديم المساعدات المادية فحسب، بل كان جزءًا من ثقافة تربية الأجيال على التضامن والتكافل الاجتماعي، فعلى مر السنين، كان للقيم الإسلامية العميقة الدور الكبير في تشكيل مفهوم العمل الخيري لدى الكويتيين، إذ كان القرآن الكريم والسنة النبوية مصدرًا هامًا لتحفيز الأفراد على القيام بالأعمال الخيرية، في هذا السياق، كانت الزكاة والصدقات والكفارات تشكل أشكالًا رئيسية للعمل الخيري، وهو ما يجعل العمل الخيري جزءًا لا يتجزأ من هوية المجتمع الكويتي.

علاوة على ذلك، تأثر العمل الخيري الكويتي بالعادات والتقاليد الاجتماعية التي تمثل جزءًا مهمًا من الثقافة المحلية، فالكرم وحسن الضيافة كانا ولا يزالان جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في الكويت، وتجسد هذه القيم في الأعمال الخيرية التي تقدم في المناسبات الدينية مثل شهر رمضان وعيد الأضحى، حيث يتم توزيع المواد الغذائية على الفقراء والمحتاجين، تُعد هذه الممارسات الثقافية عنصرًا أساسيًا في تعزيز الوعي المجتمعي والروابط الإنسانية بين الكويتيين.

المؤسسات الخيرية والثقافة الكويتية

منذ بداية السبعينيات، أصبحت الكويت مركزًا رئيسيًا للعمل الخيري في المنطقة، تُظهر هذه الفترة تزايدًا كبيرًا في تأسيس المؤسسات الخيرية مثل جمعية الهلال الأحمر، جمعية النجاة الخيرية، وغيرها هذه المؤسسات لم تقتصر على المساعدات المحلية، بل امتدت إلى تقديم الدعم الدولي في مناطق متعددة حول العالم، مما ساهم في تعزيز الثقافة الخيرية للكويتيين وتعميق شعورهم بالمسؤولية تجاه القضايا الإنسانية.

من المهم أيضًا الإشارة إلى دور بيت الزكاة وأمانة الأوقاف، التي أسهمت في تنظيم وتطوير العمل الخيري في الكويت، كما لعبت الصحافة الكويتية دورًا كبيرًا في نشر الثقافة الخيرية بين الأفراد، حيث تركز العديد من الصحف والمجلات على تغطية أخبار الأعمال الخيرية والمبادرات الإنسانية.

العمل الخيري في العصر الحديث

اليوم، يواصل العمل الخيري في الكويت تطوره بفضل الدعم الكبير من القيادة السياسية والمجتمع المدني، وتجسد هذه الفترة التوسع الكبير في الأنشطة الخيرية، خاصة مع تزايد المبادرات العالمية التي تستهدف حل القضايا الإنسانية في مناطق النزاع والفقر، وتعتبر مبادرات مثل حملات التبرعات للمساعدة في مناطق الزلازل وحملات دعم اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان من أبرز الأمثلة على استمرار النهج الخيري الكويتي في التفاعل مع القضايا الإنسانية الدولية.

على الرغم من التقدم التكنولوجي والتحول الرقمي في المجتمع الكويتي، فإن الثقافة الخيرية لم تتأثر سلبًا، بل على العكس، شهدت العديد من المنظمات الخيرية استخدامًا متزايدًا للتقنيات الرقمية لجمع التبرعات، وتوسيع شبكة المتطوعين، وزيادة تأثير مشاريعها الخيرية على نطاق أوسع.

إن العمل الخيري والثقافة في الكويت هما وجهان لعملة واحدة، تاريخ طويل من التقاليد العميقة التي تأسست على مبادئ العطاء والتكافل الاجتماعي جعلت الكويت واحدة من أبرز الدول في مجال العمل الخيري في المنطقة. مع تطور الزمن، استمرت هذه الثقافة الخيرية في التوسع والنمو لتشمل الجوانب المحلية والدولية، مما يعكس تلاحم المجتمع الكويتي مع قيمه الأصيلة، وقد أصبحت المنظمات والمؤسسات الخيرية الكويتية اليوم أكثر قدرة على تقديم الدعم للمحتاجين في كل مكان، محققة بذلك المزيج المثالي بين العمل الخيري والهوية الثقافية الكويتية.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة