22 فبراير 2025

|

الإسلام.. والسعار المحموم

د. محمد البربري

20 فبراير 2025

1079

الإسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه رب الأكوان، فهو لب رسالات السابقين، وقطب الرحى في دعوتهم أجمعين، هذه حقيقة لا يماري فيها إلا كفور، أو من استهوته الشياطين ولعبت برأسه الأهواء فضلّ الطريق ورفض نصح الصديق. 

ومن أهم مميزات الإسلام أنه لا يستمد ثباته بثبات نظام سياسي يمضي بمضيه، ولا يستمد ديمومته بدوام دولة يغيب بغيابها، ولا يبقى ببقاء مذهب جماعة فكرية يفنى بفنائها، ولكنه يستمد ثباته وشموخه وبقاءه وقوته ممن خلق الأرض والسماوات العلا.

أحبار على أوراق

 تابعت منذ أمد ليس بالبعيد مع بقية الغيورين هذه الهجمة الشرسة، وهذا السعار المحموم على أشرف مخلوق وأطهر إنسان على رمز الكمال وعنوان الجمال صلى الله عليه وسلم، وقلت في نفسي: ما أشبه الليلة بالبارحة! وبقراءة بسيطة لكتاب الواقع، نرى صوراً لهذا العدوان السافر مثل الحديث عن القرآن الكريم والزعم بأنه كلام بشري مبتور الصلة بالسماء، ويدّعون زوراً وكذباً أنه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم! 

ثم الحديث عن السُّنة النبوية الشريفة، والادعاء بأن هناك أحاديث كثيرة لا يمكن أن تكون صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والهجوم على رموز كبار الصحابة رضي الله عنهم، وخاصة رواة الحديث الشريف؛ ومن ثمّ إنكار الوحي، ومروراً بشريعتنا وعقيدتنا.

وهذه الموجة الحارة جداً في هذه الأيام عن الردة والإلحاد والسؤال المفروض: لماذا هذا السعي الخبيث إلى هدم الكيان المسلم وإشاعة الفوضى الفكرية والعقدية في محيط المسلمين والضغط على مشاعرهم؟ وهل هي مجرد أحبار على أوراق؟ أم لها مؤسسات تحتضنها ووراءها أصابع خفية تسعى لطي الإسلام في أكفانه إلى يوم النشور؟

والواضح أن هناك موجة طافحة من الهيمنة الغربية يسعى لها أعداء الإسلام ولن تنجح إلا بإزالته من الوجود واستئصال شأفته؛ لأنه العقبة الكؤود، وتوجيه السهام إلى ثوابته ورموزه بالطعن المتواصل الذي يتجشأ الناس مرارته في هذه الأيام العجاف. 

أقزام متطاولة

كثيرون هم أولئك الذين يتطاولون على سمو السماء وعلو العلياء عليه أفضل الصلاة والسلام، وأرذلهم أسخف السخفاء والعادم للحياء هذا الدنس النجس الذي تطاول على هذا المقام الأسنى بهذه الصورة الماجنة والرسوم المتحركة والذي تبنته صحف عباد ورعاة البقر، وليس هذا الحديث وليد الساعة ولا مستنطقاً من أصم، وإنما هي طريقة أعداء الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ {6} وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) (الزخرف)

يقول صاحب «الظلال»: «هذه الطبيعة الفاسقة المنحرفة الضالة ليست جديدة، ففي تاريخ البشرية لها نظائر وأمثال، وقد حوى تاريخ البشرية من قبل هؤلاء نماذج كثيرة من هذا الطراز، وقد لاقى السابقون مصائر تليق بفسوقهم عن الفطرة المستقيمة والطريق القويمة بعدما استمتعوا بنصيبهم المقدر لهم في هذه الأرض، وكانوا أشد قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فلم يغن عنهم من ذلك كله شيء»(1).

ووالله ما يستوي الثرى والثريا، ولا الصحيح والمعتل، ولا السهى من شمس الضحى، ولا جيد الغزال وذنب القط، ووالله لو اجتمعت جموع البشر على أن يثيروا الغبار في سماء وصفاء سيد البشر لما رجعوا بذلك إلا بالخيبة والخسار والندامة والبوار في يوم يحكم فيه الواحد القهار. 

في سبيل المواجهة

أولاً: إن الشتائم والمساب في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تضره أبداً في قبيل ولا دبير، ولا قليل ولا كثير، فهو في ذروة الذرا وأعلى القمم ورأس العلم.

ثانياً: ينبغي لكل مسلم أن يزرع الحمية في قلبه، ويتدرب على الغيرة في روحه ونفسه على المعصوم صلى الله عليه وسلم، وأن يدافع عنه بكل ما يملك بالقلم واللسان والروح والجنان ولو لم يستطع إلا الكلمة والدعاء. 

 ثالثاً: إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء في محبة سيد الشرفاء، فعن ابن عباس أنَّ أَعمًى كانتْ لَه أُمُّ وَلدٍ تَشتُمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم وتَقَعُ فيهِ، فيَنْهاها فلا تَنتَهي، ويَزجُرُها فلا تَنزَجِرُ، فلمَّا كانَ ذاتَ ليلةٍ جَعَلَت تَقَعُ في النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم وتَشتُمُه، فأَخذَ المِعوَلَ فجَعَلَه واتَّكَأَ عَليها فقَتَلَها، فلمَّا أَصبَح ذُكِر ذلكَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم، فجَمَع النَّاسَ، فَقال: أَنشُدُ اللهَ رجلًا فَعَل ما فَعَل، لي عَليه حقٌّ إلَّا قام، فَقام الأَعْمى يَتخطَّى النَّاسَ، وهوَ يَتدَلْدَلُ حتَّى قَعَدَ بَينَ يَدَيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم، فَقال: يا رَسولَ اللهِ، أنا صاحِبُها، كانتْ تَشتُمُك وَتَقَعُ فيكَ، فأَنْهاها فَلا تَنتَهي، وأَزجُرُها فَلا تَنزَجِرُ، وَلي مِنْها ابْنانِ مِثلُ اللُّؤلُؤتَينِ، وكانت بي رَفيقةً، فلمَّا كان البَّارحةَ جَعَلَت تَشتُمُك وتَقَعُ فيكَ، فَأخَذْتُ المِعوَلَ فوَضَعْتُه واتَّكأتُ عَليه حتَّى قَتلْتُها، فَقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّم: ألَا اشْهَدوا أنَّ دَمَها هَدَرٌ» (أخرجه أبو داود، 4361).

رابعاً: الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم بالسنان واللسان، وهذه وظيفة وسائل الإعلام وأرباب الأقلام، وما أجمل أن يطوع الكاتب قلمه والأديب يراعه لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولنا جميعاً في شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم النموذج الأمثل وفي توجيه النبي صلى الله عليه وسلم له في الرد على جموع الشرك بقوله: «اهجهم يا حسان وروح القدس معك»، فكان أن جادت قريحته بهذه الأبيات الرائعة: 

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ        وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ

هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا          رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي          لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ(2)

خامساً: تبليغ سُنته وسيرته وأخلاقه، مع بيان أنه رحمة للعالمين مؤمنهم وكافرهم وصالحهم ومنافقهم، وإحياء محبته في القلوب وإصلاح الباطن قبل الظاهر والجوهر واللباب قبل القشر والإهاب، وغريب أمرنا في محبته، فكلنا يجيد البكاء على أطلال ليلاه، وكلنا يجيد أن يذرف الدمع من مآقيه، وكلنا يقول بصوت عال: «فداك نفسي يا رسول الله»، حتى أهل الطرب وتجار الهوى هتفوا «إلا رسول الله»! 

إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست أمنيات وأمانيّ، ولا قصائد ولا أشعاراً ولا دفاً ولا مزماراً.. كلا! إنما هي اتباع واقتداء وامتثال واقتفاء وصبر على البأساء والضراء وتربية الآباء والأمهات والأبناء.

 سادساً: في سبيل نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لا بد من نصرة المبادئ والقيم، وكذا لا بد من نصرة الإعزاز والتمكين والنهوض بالناحية الاقتصادية بالمقاطعة، ولكن ليست كمقاطعة قريش، وإنما مقاطعة تجفيف الموارد والاعتماد على الذات والنهوض باقتصادنا الإسلامي حتى يعم الرخاء البلاد والعباد.

وأخيراً: فإن الحملات المسعورة على الإسلام تؤكد عزته وانتشاره، وأن الغلبة دائماً للحق وأهله، كما قال بعض السلف: «عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين»(3).

إنها الصمدية التي يلقيها الله تعالى للحق في وجه الباطل وللصدق في وجه الزور وللخير في مواجهة الشر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

 

 

 

 

____________________

(1) في ظلال القرآن (5/ 3173).

(2) صحيح مسلم» (2490).

(3) مدارج السالكين (1/ 46).


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة