23 فبراير 2025

|

زوال «إسرائيل» حتمية توراتية قرآنية (1)

د. حلمي الفقي

28 يناير 2025

6030

حين يظهر زعيم أوروبي أو رئيس أمريكي ويصرح لوسائل الإعلام بأن الغرب ملتزم بضمان أمن «إسرائيل»، يفرك «الإسرائيلي» يديه فرحاً بهذه الحماية الوارفة، وتلك الراية السابغة التي تعمل بقوتها الباطشة، وغطرستها المتعجرفة من أجل كيانهم المحتل، وما درى المسكين أن زوال «إسرائيل» من الوجود وعد رباني، وأمر إلهي، تكفل به رب العالمين، ولذا فهو حقيقة لا شك فيها، ويقين لا مراء فيه. 

وهذا اليقين، وتلك الحقيقة، متجذرة ومتأصلة في وجدان الفريقين، ولا يماري فيها الطرفان من اليهود والمسلمين، ولكن غرور الباطل، وسكرة القوة تعني الأبصار، وتطمس البصائر، وزوال «إسرائيل» حتمية قرآنية توراتية واقعية أكدها القرآن الكريم، وتوراة اليهود حتى التي حرفوها، وكل الحقائق والوقائع على الأرض تثبت صدق هذه النبوءة وحتمية هذه القضية.

أولاً: هشاشة دولة «إسرائيل»:

دولة الاحتلال تحمل في جسدها أعراض زوالها، وجراثيم فنائها، وأمراضاً خطيرة تعجّل بزوالها، وعلى الرغم من ذلك لا يفتأ البعض من ترويج شائعات مكذوبة عن عبقرية اليهود، وتقدمهم، وسبقهم، وتحضرهم، وهذا عكس الحقيقة تماماً، والسؤال الذي يفضح هذه الشائعات، ويدحض هذه الأكاذيب: هل تستطيع «إسرائيل» أن تعتمد على نفسها، وتقوم على ساقها، دون دعم من الغرب؟

والإجابة واضحة ومعلومة للجميع!

بل إن «إسرائيل» مع الدعم الهائل واللامحدود من أوروبا وأمريكا في معركة «طوفان الأقصى» عجزت عن القضاء على المقاومة، وعجزت عن احتلال قطاع غزة المحاصر منذ قرابة عقدين من الزمان، فكيف لو كانت «إسرائيل» بمفردها دون دعم خارجي.

وضعف «إسرائيل» وهشاشتها ليس تحليلاً سياسياً ولا رأياً علمياً، بل هو قضاء إلهي لا مرد له، فقد فرض رب العالمين على اليهود التيه، والشتات، وأوجب عليهم الذل والصغار والمسكنة والمهانة أينما وجدوا، وحيثما ثقفوا، والواقع يثبت ضعفهم وجبنهم وخورهم، وأنهم لا شيء بدون الاستعمار الغربي، وأن «إسرائيل» ألعوبة في يد الغرب، فهي يده التي يبطش بها، وآلته التي يفتك بها، وهي ضالته التي ينشدها في دوام استعماره، واستمرار تنكيله ببلاد الإسلام، يقول الله تعالى:  (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) (آل عمران: 112).

ثانياً: زوال «إسرائيل» حتمية قرآنية:

تواترت نصوص القرآن الكريم التي تثبت زوال «إسرائيل»، وأنها دولة لا بقاء لها، وأن علوهم محكوم عليه بالفناء والزوال، وأنها أسرع دول التاريخ زوالاً، لأنها دولة قائمة على الظلم والاغتصاب، والظلم لا يدوم ولا بقاء له، وقد مضت سُنة الله في الكون بالقضاء على الظالمين حتى لو كانوا مسلمين، فما بالك لو كانوا يهوداً محتلين غاصبين محاربين لدين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. 

قال الله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً {4} فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً {5} ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً {6} إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً {7}‏ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً) (الإسراء).

يقول ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى: إنه قضى إلى بني إسرائيل في الكتاب؛ أي: تقدم إليهم وأخبرهم في الكتاب الذي أنزله عليهم أنهم ‌سيفسدون ‌في ‌الأرض ‌مرتين ‌ويعلون علواً ‌كبيراً؛ أي: يتجبرون ويطغون ويفجرون على الناس.

وقوله: (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا)؛ أي: أولى الإفسادتين (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)؛ أي: سلطنا عليكم جنداً من خلقنا أولي بأس شديد؛ أي: قوة وعدة وسلطة شديدة.

ويقول الشيخ الشعراوي في تفسيره لهذه الآيات: ‌وبعد ‌أن ‌أسكنهم الله الأرض وبعثرهم فيها، أهاج قلوب أتباعهم من جنود الباطل، فأوحَوْا إليهم بفكرة الوطن القومي، وزيَّنُوا لهم أولى خطوات نهايتهم، فكان أن اختاروا لهم فلسطين ليتخذوا منها وطناً يتجمعون فيه من شتى البلاد.

وقد يرى البعض أن في قيام دولة «إسرائيل» وتجمّع اليهود بها نكاية في الإسلام والمسلمين، ولكن الحقيقة غير هذا، فالحق سبحانه وتعالى حين يريد أن نضربهم الضربة الإيمانية من جنود موصوفين بأنهم «عِبَاداً لَّنَآ».

يلفتنا إلى أن هذه الضربة لا تكون وهم مُفرّقون مُبعْثرون في كل أنحاء العالم، فلن نحارب في العالم كله، ولن نرسل عليهم كتيبة إلى كل بلد لهم فيها حارة أو حي، فكيف لنا أن نتتبعهم وهم مبعثرون، في كل بلد شِرْذمة منهم؟

إذن: ففكرة التجمُّع والوطن القومي التي نادى بها بلفور وأيَّدتْها الدول الكبرى المساندة لليهود والمعادية للإسلام، هذه الفكرة في الحقيقة تمثل خدمة لقضية الإسلام، وتُسهِّل علينا تتبعهم وتُمكّننا من القضاء عليهم.

وهنا قد يرد سؤال على ذهن البعض عن تاريخ الإفسادتين، هل هما قبل الإسلام، أم بعد الإسلام؟ وهل إفساد بني إسرائيل الحالي، وعلوهم وظلمهم الواقع والمشاهد حالياً من الإفسادتين أم لا؟

ويجيب القرآن بأن رب العالمين تكفل بالقضاء على بني صهيون مثنى وثلاث ورباع وأكثر من ذلك كلما عادوا إلى الفساد والظلم، قال تعالي: (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا)؛ وإن عدتم بني صهيون إلى الظلم عدنا عليكم بالعقوبة.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة