24 فبراير 2025

|

ساحة الشهداء ترعب الاحتلال في القدس

ياسمين عنبر

10 فبراير 2025

5568

لم يرق لمحمد علي ابن مخيم شعفاط أن يقف مكتوف الأيدي متفرجًا حين رأى عربدة المحتل على المرابطات وأهل القدس عام 2015م.. فكيف يقف متفرجًا إذن؟!

تسعة عشر عامًا كانت كفيلة بأن تزرع حب الأقصى والقدس في قلب محمد؛ متجذرًا راسخًا كشجرة زيتون لم يستطع أحد اقتلاعها منذ ميلاده في قرية بيت ثول قضاء القدس، حتى ذاك الصباح الذي قرر فيه محمد أن يثأر للقدس!

وسط شوارع البلدة القديمة مشى محمد بهدوء الواثق المطمئن، مستغلًا أن المنطقة فارغة تمامًا من المستوطنين، حتى وصل ساحة باب العامود وقد شحذ سكينه في جيبه وجلس وسط ما يقارب الـ30 جنديًا من الوحدة الخاصة "اليسام".

اقترب منه أحد الجنود طالبًا هويته، وقف محمد بهدوء فشعر الجندي بقوة شخصيته فأجلسه واستدعى جنديين آخرين، حيث طلبا منه الوقوف مرة أخرى.

حينها وقف محمد مستلًا سكينه بيده اليمنى من خلف ظهر الجندي، مثبتًا رأسه بيده اليسرى وطعنه حتى أرداه قتيلًا!

وفوق سماء باب العامود ارتقى محمد شهيدًا، فقد فتح الجنود رشاشاتهم بكل غضب نحوه حتى فارق الحياة.

هو نسر باب العامود كما يسميه أهل القدس، وهو باب العامود الذي أصبح يسمى منذ هبة القدس عام 2015م ساحة الشهداء.. تدرك ذلك حين يتهامس مقدسيان يمران من هذا المكان: "اخلع نعليك فهنا سال دم الأطهار".

ساحة رعب الاحتلال

عن "ساحة الشهداء" يقول ابن القدس ومصورها عيسى القواسمي عبر "المجتمع" الذي استهل حديثه عن الساحة التي أضحت مصدرًا لرعب الاحتلال بعد أن ارتقى فيها شهداء كثر أثخنوا في العدو ثأرًا للمسجد الأقصى، حتى أصدروا قرارًا بتحويلها إلى "منطقة معقمة"، أي يجري تفتيش كل من يريد الدخول إليها، عدا عن أن بلدية الاحتلال تقطع الأشجار باستمرار من باب العامود حتى مغارة القطن الأثرية، كي تكون الساحة جرداء ومكشوفة، عدا عن إضافة كاميرات مراقبة على أسطح البنايات العالية.

باب العامود كما يقول القواسمي: "سمي هكذا بسبب عامود يقع في ساحته الداخلية، بناه العثمانيون فوق باب أقدم منه بني منذ العهد الروماني، فبات بوابتين في بوابة واحدة". 

يتخذ باب العامود مكانته التاريخية كونه المدخل الرئيس للـمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق، ومن خلاله يمكنك الدخول إلى سوق باب خان الزيت.

يقول القواسمي: "من باب العامود ندخل إلى أسواق البلدة القديمة التي يروي كل دكان فيها حكاية خمسين عامًا أو يزيد من التمسك بالقدس ورائحة الأجداد والآباء فيها".

ومنه كذلك يصل المقدسيون والسياح إلى سوق العطارين وسوق اللحامين وسوق القطانين وسوق الصاغة وسوق الحصر.

أحياء كثيرة أيضًا يلج المقدسيون إليها عبر باب العامود كالحي المسيحي والحي الإسلامي، ويؤدي بهم إلى شارعين رئيسين هما طريق الواد وطريق خان الزيت.

طراز عثماني

يصف القواسمي باب العامود الذي يقع في الجدار الشمالي للبلدة القديمة، بثرائه المعماري والزخرفي: "أعلاه يتميز بطراز عثماني يحمل تمثالًا للإمبراطور الروماني هارديان، بني منذ القدم كبوابة انتصار بثلاثة أقواس، القوس الشرقي الأصغر يؤدي للساحة الرومانية".

أما جدار الباب فسميك وقوي، بينما هناك انحناء به وفقًا للعمارة العثمانية حيث كانوا يعتقدون أنه بهذا الانحناء يحرسون المدينة ويحققون الأمن لحراسها، فلا يتم اختراقها بسهولة.

عبق وتاريخ

وما أكسبه أهمية أيضًا أنه كان وجهة المسافرين إلى دمشق فسمي "باب دمشق"، كما يتجه منه إلى نابلس فسمي "باب نابلس"، وعبره زار الرحالون والمؤرخون الشفهيون البلدة القديمة وسجلوا تاريخها وحكايا عراقتها هناك.

"هو عصب المدينة المقدسة" يقول القواسمي، فهو الملتقى الذي تصل عنده وتنطلق الحافلات منه من وإلى القرى والمدن المجاورة للقدس، يقول القواسمي واصفًا فرحة القدس قبل المناسبات: "تكون القدس عامرة وعلى هذا الباب نشهد فرحة المحرومين من الأقصى طوال العام عند وصولهم في رمضان".

القدس وناسها

على مدرجات باب العامود يلتقط السياح صورًا تذكارية، ويأتي رسامون من كل دول العالم يرسمون بريشتهم ملامح المدينة العتيقة.

وهناك يجلس على درجاته حكواتيون مقدسيون يروون للأطفال قصص القدس وسورها وأبطالها، ويحكون لأحباب القدس المتعطشين للسماع عن حكاياها وأزقتها وأسواقها وتراثها، وأمام عظمته تجتمع أمهات الشهداء الذين سالت دماؤهم على أعتابه، فيشعرن برائحة أبنائهن هناك!

كمأواهم اليومي وملاذهم لملاقاة الأصدقاء وشرب القهوة يعتبره المقدسيون.. بينما وقفت شيرين أبو عاقلة ذات يوم على مدرجاته تلقي نظرة فرح على باحات الأقصى التي امتلأت بالمعتكفين في رمضان قائلة: "القدس بتحزن من غير الناس، القدس بتحب ناسها". 

 


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة