24 فبراير 2025

|

كيف يُصنع القادة؟! «حماس» نموذجاً

أمنية عمر

24 فبراير 2025

37

في العاشر من أبريل الماضي، قتلت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» 3 من أبناء رئيس حركة «حماس» آنذاك إسماعيل هنية، بالإضافة لعدد من أحفاده وأبناء عمومته في قطاع غزة، تلقى هنية الخبر أثناء عيادته لبعض مصابي القطاع، الذين وصلوا العاصمة القطرية الدوحة، فما زاد عن قوله: «الله يسهل عليهم».

عاد الاحتلال «الإسرائيلي» واغتال هنية نفسه في 31 يوليو الماضي، وفي 17 أكتوبر الماضي بثت وسائل الإعلام صورة رئيس حركة «حماس» يحيى السنوار بين أنقاض منزل في رفح، وقد استشهد مرتديًا سترته العسكرية، وفي مواجهة مباشرة مع جنود الاحتلال، نعت الحركة في اليوم التالي السنوار.

وجاء في بيان النعي على لسان خليل الحية، أحد أعضاء مكتبها السياسي ورئيس حركة في قطاع غزة، أن الحركة ماضية على دربه في مقارعة الاحتلال حتى دحره، وأن استشهاد القائد السنوار ومن سبقه من القادة لن يزيد الحركة إلا قوة وصلابة.

تدفع هذه النماذج وغيرها ممن سبقهم بداية من الشيخ المؤسس أحمد ياسين للتساؤل: كيف تصنع «حماس» قادتها؟

يصنع هؤلاء ابتداءً، ألم حقيقي يحملونه منذ ولادتهم، يعونه في لحظات إدراكهم الأولى في وجوه أهليهم وفي كل تفاصيل واقعهم، فجل هؤلاء القادة شهدوا «النكبة» صغارًا ونزحوا مع أهليهم، فالشيخ المؤسس هُجر مع أسرته من قرية الجورة في عسقلان بعمر الثانية عشرة، في حين ولد هنية في مخيم الشاطئ، والسنوار بمخيم خان يونس، وغالبية قادة الحركة بعد ذلك ولدوا في مخيمات اللجوء، بعد تهجير أسرهم من باقي المدن الفلسطينية قسرًا وعدوانًا.

يولّد هذا الظلم شعورًا بالرفض من جهة، ورغبة بالتخلص من جهة أخرى، فمخيمات اللجوء التي نشأ فيها غالب القادة هي رمز ممتد ومركب متفجر الدلالة في الوقت نفسه لمظلومية القضية الفلسطينية منذ ما قبل نكبة 1948م، ومن نجا من اللجوء والفقر، فلن ينجو من اعتقال أو استشهاد بعض أفراد أسرته، أو هدم لبيت أو استيلاء على أرض، أو خنق لمساراته في الحياة.

يصبح هذا الألم فكرة في أذهان البعض، هذه الفكرة لها بعدها المتجاوز سواء كان إلهياً أو قيمياً يكفل لها الغاية، ويبرر الإيمان بها والتضحية لأجلها، وبعداً وجودياً يربط ما بين الفكرة والوجود الحقيقي للناس أنفسهم، وبُعداً تنظيمياً وهيكلياً يكفل لهذه الفكرة حضورًا وتأثيرًا ماديًا من جهة وتقييمًا نجاحًا أو فشلًا من جهة أخرى، وبُعداً تاريخياً يتعلم منه ويراكم عليه، ويمد المحاولة بالجدوى والإمكانية.

وتحرير فلسطين كفكرة لها بُعدها الإلهي المتجاوز، يدعمه كل الوحي السماوي الداعي لدفع الظلم والقتال، والمبشر بجزاء وأجر عظيم لمن يقضون على الطريق، وبُعدها القيمي المرتبط بكل معاني العدالة والحرية والمقاومة، وبُعدها الوجودي المرتبط بالمعادلة الصفرية لوجود المحتل الذي يلزم من وجوده فناء الطرف الآخر والقضاء عليه، الفناء هنا ليس بمعانيه المجازية تاريخًا وثقافة، وإنما الفناء الحقيقي بمعنى التطهير العرقي للآخر، فالتحرير هنا هي محاولة جدية لحفظ الوجود والبقاء، والبعد الهيكلي التنظيمي يتمثل في كل تلك المحاولات والتنظيمات التي حملت فكرة التحرير ومضت في كل سبلها، والبعد التاريخي حيث تحرير فلسطين كفكرة تتصل رحمًا بكل محاولات التحرر الإنساني من كل أشكال الاحتلال والاستعباد.

بعدها تتعدد صيغ الخطاب التي تحمل هذه الفكرة بتعدد المجموعات المستهدفة، واختلاف الفضاءات المكانية، من مساجد، ومدارس، وجامعات، وسجون، وأراض زراعية، ومصانع، أو حتى منازل، أثناء هذه المرحلة تتشكل الحواضن المجتمعية للفكرة، فعز الدين القسام في بدايات القرن العشرين بدأ من مدرسة البرج ومسجد الاستقلال في حيفا، والشيخ الياسين كذلك أخرج جل قادة «حماس» من مساجد كالمسجد العمري، أو مسجد الشافعي في غزة، والعديد من القادة كانت أول معرفتهم بالحركة ذراعها الطلابية في الجامعات «الكتلة الإسلامية»، وغيرهم تعرض للفكر أول مرة أثناء أسره في السجون.

لا تكفل هذه الحواضن التي تتشكل دعمًا معنويًا من حيث الإيمان بالفكرة فقط، وإنما تكفل دعمًا ماديًا لصاحبها أيضًا، سواء في الحماية، كما فعلت الكثير من بيوت غزة مع أبي خالد الضيف، فآووه وحموه في ترحاله وتخفيه المستمر بين بيوت القطاع، أو تحمل العواقب المادية للمقاومة كخيار، فيطمئن أنه ليس وحده من جهة، ففي كل ثمن سيبذله سيجد له سلفاً ومعه رفيق، وأن من يترك وراءه لن يضيعوا من جهة أخرى، فالحواضن تكفل نظامًا اجتماعيًا يراعي زوجات الأسرى وأبناءهم، أو أرامل الشهداء وأبناءهم.

يثمر الخطاب بعد ذلك ممارسة وقيادة في كافة ميادين المقاومة، قتالًا مباشرًا، سياسة، أسرًا واعتقالًا، فالسنوار حين كان في سجنه يقود الحركة الأسيرة بالداخل دراسة قراءة وفكرًا، كان الضيف، والجعبري، يخططان لاختطاف شاليط، عبر مقاتلي «كتائب القسام»، ثم قاد خالد مشعل وباقي المكتب السياسي قيادة عملية التفاوض، التي أفضت لصفقة «وفاء الأحرار 1»، التي خرج فيها السنوار، فتتغير مواقع الممارسة والقيادة، فالقيادة هنا تحمل معنى أوسع من الترقي الهرمي داخل الحركة، لكنها استيعاب للهم الحقيقي والفكرة المركزية التي قامت عليها الحركة والثمن المبذول، هذا الفهم يجعل من كل فرد ينتمي للحركة بداية من مكتبها السياسي، وحتى زوجات الشهداء في البيوت، قادة في مواقعهم.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة