ليس لنا عذر!

حديث عظيم استوقفني كثيراً؛ فقد أخرج البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلَّغه ستين سنة»، قال المناوي في «فيض القدير» في شرح ذلك الحديث: «أعذر الله إلى امرئ»؛ أي سلب عذر ذلك الإنسان فلم يبق له عذر يعتذر به كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به.
نعم، هل لنا أن نجتهد في طاعة الله وعمل الصالحات؟! فعمرنا محدود، وأجلنا مكتوب، والحياة الأبدية عند أول قدم نضعها بالجنة برحمة الله، فما أحوجنا للعمل الصالح!
وكما قال ابن القيم رحمه الله: ارخِ يدك بالصدقة تُرخ حبال المصائب من على عاتقك، واعلم أن حاجتك إلى الصدقة أشد من حاجة من تتصدق عليه.
واقرأ إن أردت قول الشاعر:
يا نفس، ما هو إلا صبر أيام كأن لذاتها أضغاث أحلامِ
يا نفس، جوزي عن الدنيا مبادرة وخل عنها، فإن العيش قدامي
كيف لا نبادر وقد قال عمر بن عبدالعزيز: «لقد تمت حجة الله على من بلغ أربعين سنة فمات لها»؟!
وهذا تنبيه من التابعي وهب بن منبه رضي الله عنه عندما قال: «قرأتُ في بعض الكتب: أن منادياً ينادي من السماء الرابعة كل صباح: يا أبناء الأربعين، زرع قد دنا حصاده، أبناء الخمسين ما قدّمتم وماذا أخّرتم؟ أبناء الستين لا عذر لكم، ليت الخلق لم يخلقوا، وإذ خلقوا علموا لماذا خلقوا، قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم».
وفي كتاب الله إشارات للمبادرة والمسارعة لعمل الخير في دنيانا لنكسب آخرتنا: قال تعالىٰ: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133).
فلنسارع ولنبادر، فأعمارنا بين يدي الله تعالى، لا ندري بأي ساعة وبأي حال يقبضنا إليه سبحانه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بالأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ؛ يُصْبِحُ الرَّجُل مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً، وَيُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصبح كَافِراً، يَبيعُ دِينَه بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» (رَوَاه مُسْلِم).
وما أعظم أن نجتهد لنجني الثمار لهذا الاجتهاد، ولا نكون مثل حال ذلك العامل! بتلك القصة التي تتحدث عن نجار تقاعد عن عمله، لكنه وجد فرصة للعمل الواحد الأخير في بناء بيت لمديره، فعمل النجار بجد، ولكن ترك العيوب في العمل، وبعد انتهائه اكتشف أن المدير أعطاه هذا البيت كهدية له؛ ما جعله يندم على عدم إتقان العمل.
هذه القصة تدل على أهمية الإتقان في الأعمال الصالحة، وأن النتائج تعود على صاحب العمل.
ولنأخذ العبرة من هذا الحديث، فقد جَاءَ رَجُلٌ إلَىٰ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يا رَسُولَ الله، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أجْراً؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحيحٌ تَخْشَىٰ الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْغنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَت الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ» (مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
وختاماً، ليكن دعاؤنا دائماً بالثبات على درب الهداية والصلاح، وأن يرزقنا حسن الخاتمة بعد حسن عمل، وأن يستعملنا الله للخير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً عسله»، قيل: وما عسله؟ قال: «يفتح الله عز وجل له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه».