الجهاد في سبيل الله من أجلّ القربات، وأفضل العبادات، وأحسن ما يتقرب به العبد إلى رب العالمين، وهو ذروة سنام الإسلام، كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «أَلا أخْبرك بِرَأْس الْأَمر، وعموده، وذروة سنامه»، قلت: بلَى يَا رَسُول الله، قَالَ: «رَأس الْأَمر الْإِسْلَام، وعموده الصَّلَاة، وذروة سنامه الْجِهَاد» (رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه).
وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه، قَالَ: قلت يَا رَسُول الله: أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ: «الْإِيمَان بِاللَّه، وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله» (رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم)، وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رجل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَي النَّاس أفضل؟ قَالَ: «مُؤمن يُجَاهد بِنَفسِهِ وبماله فِي سَبِيل الله تَعَالَى..».
وإذا كانت هذه منزلة الجهاد في سبيل الله، فإن الموت في سبيله ميتة يحرص عليها المؤمن الصادق أن يرزقه الله إياها، لما للشهيد من منزلة عند ربه، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ» (رواه مسلم).
والشهيد نوعان: شهيد دنيا وآخرة، وشهيد آخرة فقط؛ أما الأول فهو من قتل في أثناء معركة بين المسلمين والكافرين، وشهيد الآخرة فقط أنواع كثيرة، مثل: الغرقى والهدمى والحرقى والمبطون والمقتول ظلماً.
قتلى غزة.. شهداء أم ضحايا؟
من يموت من أبناء غزة وهو يقاتل العدو الصهيوني فهذا شهيد بلا أدنى شك، وهو شهيد بإجماع العلماء، أما من مات من أبناء غزة من المدنيين الذين لا يقاتلون سواء كانوا رجالاً أم أطفالاً أم نساء فهؤلاء شهداء عند سائر العلماء، لا أعلم في هذا خلافاً، ومن يقول: إنهم ضحايا لا شهداء فهذا خطأ جملة وتفصيلاً.
ومن الأدلة على أنهم شهداء:
1- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قُتل دون مظلمة فهو شهيد» (رواه أحمد في المسند، وصححه الشيخ أحمد شاكر)، وأهل غزة من المدنيين غير المقاتلين قُتلوا دون مظلمتهم فهم شهداء عند الله.
2– عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، ووفاة ببلد رسولك» (رواه البخاري في الصحيح، ومالك في الموطأ)، قال ابن عبدالبر في الاستذكار: وهذا يدل على أن المقتول ظلماً شهيد، فالفاروق قُتل في المحراب مصلياً ظلماً، فهو شهيد، لأن المقتول ظلماً شهيد، وأهل غزة قُتلوا ظلماً وبغياً.
3- عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله، فليقل هكذا، فالقاتل في النار، والمقتول في الجنة» (رواه أحمد وأبو داود)، وهذا نص واضح بيِّن أن المقتول ظلماً من المسلمين في الجنة بإذن الله تعالى، وأهل غزة قُتلوا ظلماً.
4- قال ابن حجر في فتح الباري: المقتول ظلماً تكفّر عنه ذنوبه بالقتل، كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان وغيره: «إن السيف محاء للخطايا» (رواه الدارمي، وابن حبان، والبيهقي في السنن، والطبراني في الكبير، وصححه ابن حبان وغيره)، وعن ابن مسعود قال: «إذا جاء القتل محا كل شيء» (رواه الطبراني في الكبير، وعبدالرزاق في مصنفه، وله عن الحسن بن علي نحوه، وللبزار عن عائشة مرفوعاً: «لا يمر القتل بذنب إلا محاه».
وخلاصة القول: إن المقتول ظلماً شهيد بلا خلاف أعلمه في هذا القول، وغاية ما هناك من خلاف: هل هو شهيد دنيا وآخرة، أم شهيد آخرة فقط، فذهب الأحناف والحنابلة إلى أن المقتول ظلماً شهيد دنيا وآخرة، فنص السرخسي في المبسوط (2/ 52): «أن المقتول ظلماً لا يُغسَّل»، وقال صاحب الفروع في الفقه الحنبلي (3/ 299): «ولا يُغسل المقتول ظلماً على الأصح».