ـ المدهون: تجاهل «ترمب» للقضية الفلسطينية في خطابه تأكيد على أنه حسم أمره لجهة «إسرائيل»
ـ «فورين بولسي»: نقل السفارة يهدد باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة
لم يكن التعهد الذي قطعه الرئيس الأمريكي الجديد «دونالد ترمب» في حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى مدينة القدس هو الأول من نوعه، بل سبقه العديد من رؤساء أمريكا في حملاتهم الانتخابية بتعهدهم بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، ومن يتتبع ملف وتصريحات نقل أمريكا لسفارتها للقدس، يجد أنه منذ قيام الكيان الصهيوني، أعلن جميع المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة – سواء ديمقراطيين أو جمهوريين – وبدون استثناء بأنهم سيهتمون بنقل سفارة بلادهم إلى القدس، وتعاظمت كمية الوعود على نحوٍ أكبر منذ قيام دولة الكيان باحتلال القدس الشرقية عام 1967م، بهدف تحقيق عملية القدس الكبرى وإعلانها عاصمة يهودية للدولة، لكنها كانت وعوداً ولم ترتقِ إلى إمكانية تنفيذها.
يبدو أن الأمر هذه المرة مقلق أكثر من السابق، خاصة فيما يعرف عن توجهات الرئيس الجديد للولايات المتحدة العنصرية والمتطرفة تجاه المسلمين عامة وحقوق الشعب الفلسطيني خاصة، وتعيينه لشخصيات يهودية كمستشارين ومساعدين.
فريق رئاسي متطرف
ويرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن تفكير «ترمب» بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس يأتي في إطار سياساته المنحازة للاحتلال، وإن تم تنفيذ ذلك فإنه يطلق رصاصة الرحمة على عملية التسوية التي تعتبر القدس فيها نهاية المطاف، ونقل السفارة هو بمثابة إعلان من قبل أمريكا بأن القدس هي عاصمة للاحتلال.
ويشير المدهون إلى أن تجاهل «ترمب» للقضية الفلسطينية في خطابه تأكيد على أن الرجل حسم أمره لجهة منح «إسرائيل» كبرى صفقاته عبر تحقيق ما تريد من الاستيطان، وتحويل القدس عاصمة للدولة اليهودية، ومنح الفلسطينيين بعض الفتات وتحميلهم المسؤولية عن فشل التسوية، وهو ما يضع القيادة الفلسطينية أمام التفكير بإستراتيجية جديدة للتأقلم مع الواقع الجديد الذي سيؤدي لضعف السلطة في الضفة؛ ما قد يشعل انتفاضة جديدة.
ورغم مرور 36 عاماً على قرار الاحتلال «الإسرائيلي» ضم الجزء الشرقي من مدينة القدس إليها عام 1980م – الذي احتلته بعد حرب عام 1967م – وإعلان المدينة عاصمة لها، فإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي – بما فيه الولايات المتحدة آنذاك – لا يعترف بالقدس كعاصمة لـ«إسرائيل»، ويعتبر القدس الشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يعترف بضمها للدولة العبرية.
كما أبقت الكثير من دول العالم قنصلياتها في المدينة؛ بهدف خدمة الفلسطينيين القاطنين فيها، رغم استمرار الاحتلال «الإسرائيلي»، وكان لافتاً أن الكثير من دول العالم قررت عقب القرار «الإسرائيلي» بضم «القدس الشرقية» عام 1980م نقل سفاراتها من «القدس الغربية» إلى «تل أبيب»، رغم إقرارها بأن الشطر الغربي من المدينة أراضٍ «إسرائيلية».
اشتعال الانتفاضة
مجلة «فورين بولسي» الأمريكية حذرت من أن المضي قدماً في خطة الرئيس الأمريكي المنتخب «دونالد ترمب» لنقل السفارة الأمريكية لدى «إسرائيل» إلى القدس المحتلة، يهدد باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، واصفة تلك الفكرة بأنها مروعة لـ«إسرائيل» وفلسطين وللشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته: إنه من بين كثير من الطرق التي تنذر بالخطر في انقلاب «ترمب» على السياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة، واحداً من تعهداته الأكثر إثارة للخوف والقلق بنقل السفارة الأمريكية في «إسرائيل» إلى القدس، وقد قطع مرشحون آخرون نفس الوعد؛ مثل «بيل كلينتون»، و«جورج دبليو بوش»، وقالوا: إنه بمجرد تنصيبهم سيقومون بنقل السفارة.
وتضيف الصحيفة أن «ترمب» يبدو أقل ميلاً منهما للتراجع عن هذه الفكرة، وما نحن بانتظاره الآن سيكون خطأ هائلاً، ليس فقط للفلسطينيين ولكن لسمعة أمريكا وموقفها الدبلوماسي وأيضاً للأمن القومي «الإسرائيلي».
وتتابع الصحيفة قائلة: إن إصرار «ترمب» على إعطاء انطباع أنه ينوي حقاً نقل السفارة بمجرد توليه الحكم، يبدو جزءاً من تحول أكبر تستعد إدارته للقيام به نحو اليمين المتطرف في «إسرائيل».
وهو التحول الذي يشير إليه اختياره لـ«ديفيد فريدمان»، المؤيد للاستيطان والمعروف بمواقفه المتشددة، سفيراً لواشنطن في «إسرائيل»، واعتبرت الصحيفة أن هذا التعيين خطوة مقلقة بما يكفي على افتراض موافقة مجلس الشيوخ عليه.
وعود تاريخية
ومنذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي وإلى الآن، لم يتخلف الرؤساء الأمريكيون عن إرسال الوعود بنقل السفارة، بدءاً من «ريتشارد نيكسون» إلى «باراك أوباما»، لكنهم بقوا على تفضيلهم التراجع عن الوفاء بوعودهم، خشية المسّ بعلاقات ومصالح الولايات المتحدة مع دول المنطقة العربية والإسلامية، وبذريعة أنه يجب عدم الإسراع بتنفيذ فكرة النقل ما لم يتم الاتفاق بشأنها، وبالمقابل يقومون بتعظيم التعهّدات، التي تدلّ على أن القيم الأمريكية باتجاه «إسرائيل» هي قيم أخلاقية لا تتزعزع، وغالباً ما كان العرب يدفعون أثماناً لقاء إرجاء تنفيذ تلك الوعود.
التحذير من الغضب
إلى ذلك، فقد صرح كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بأن نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس يعني الاعتراف بالقدس الموحدة التي تضم القدس الشرقية المحتلة؛ أي الاعتراف بضم «إسرائيل» للقدس الشرقية، وأضاف عريقات أنه سيقدم استقالته على الفور من منصبه كبير المفاوضين الفلسطينيين؛ لأنه لا يستطيع بعد ذلك أن يوهم الفلسطينيين بأن حلاً للقضية لا يزال ممكناً، بعد أن تلاشى حل الدولتين بنقل السفارة.
وأشار عريقات إلى أن نقل السفارة إلى القدس يعني أن تغلق الولايات المتحدة سفاراتها في كافة العواصم العربية، مؤكداً أن الشعوب العربية ستثور في الشوارع ولن تدع السفارات الأمريكية في البلاد العربية تتمكن من مزاولة عملها، على حد تعبيره.
هل سيحدث ذلك فعلاً؟
وتعليقاً على تصريحات عريقات حول خطوة نقل السفارة للقدس والتي من شأنها أن تفجر الشوارع العربية وتثور الشعوب العربية على السفارات الأمريكية، يبين الكاتب الصحفي خير الدين الجراح أن الإدارات السابقة في الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن على استعداد كامل وشجاع لتطبيق هذا القرار؛ خشية من تفجير حالة من الغضب لدى الشعب الفلسطيني والدول العربية، إلا أن الحالة العامة التي تمر بها الدول العربية الآن بعد «الربيع العربي» والثورات المضادة التي أوقفت مده، تمنعها من أن يكون لها حراك قوي وكبير ومؤثر ورافض للسياسة الأمريكية، حيث تحاول كل دولة الاهتمام قدر المستطاع بشؤونها الداخلية، وحل مشكلاتها التي لا تنتهي.
ويرى الكاتب الجراح أن هذا ربما يسهل على الإدارة الأمريكية تنفيذ وعودها لـ«إسرائيل» دون أن تجد لها حسيباً أو رقيباً، غير دعوات الشجب والاستنكار والاستهجان التي أصبحت السلاح الوحيد المتبقي في يد الحكومات العربية والإسلامية.
ويؤكد الكاتب الصحفي خير الدين الجراح أن التعويل الوحيد يكون على الشعب الفلسطيني نفسه، والذي ثار كثيراً ضد الاحتلال «الإسرائيلي» وسياساته الاستيطانية والتهويدية للمدينة المقدسة، حيث كانت الانتفاضة الأولى والثانية، والهبات الشعبية التي اشتعلت فيما بينهما وبعد الثانية، آخرها كان ما عرف بـ«هبة القدس» التي تستمر آثارها حتى هذا اليوم، نتيجة للاستفزازات «الإسرائيلية» المتكررة، وانتهاك قدسية المسجد الأقصى واقتحام باحاته وتدنيسه.