الأكاديمية أميمة أبو بكر لـ«المجتمع»: النسوية الإسلامية ترفض الأجندة الاستعمارية

أكثر من 120 عاماً، والغرب بكل ما يملكه من ماكينة إعلامية، يحاول تغريب المرأة المسلمة ونزع هويتها، والانسلاخ من موروثها الديني والثقافي، عبر مسميات وقضايا تنافي الفطرة الإنسانية.

وسّع الغرب دائرته ووجد المؤيدين لها، فأطلق ما يعرف بـ«الحركة النسوية»، التي كسبت رواجاً عالمياً، ساعدها على فرض أفكارها ومبادئها، حيث ظهرت قرابة 600 منظمة تابعة لها، عملت على تغيير أفكار الملايين؛ ما جعل التحدي كبيراً أمام تيار «النسوية الإسلامية»، الذي دخل خضم هذا العراك المفروض عليه ثقافياً.

«المجتمع» تحاورت مع الأكاديمية أميمة أبو بكر، أستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن بكلية الآداب جامعة القاهرة، عضو مؤسس بمؤسسة المرأة والذاكرة، حول أفكار النسوية المسلمة ومدارسها ودورها.

  • نريد أن نعرف كيف بدأت فكرة «النسوة الإسلامية»، وهل نجحت في تشكيل قضاياها حول المرأة؟ وهل يمكن اعتبارها حركة إصلاحية؟

- يمكن اعتبار النسوية الإسلامية حركة من حركات الإصلاح والترشيد، أما عن فكرة نشأة «النسوية» كمصطلح له جذور ترجع إلى عائشة التيمورية، وملك حفني ناصف، في القرن التاسع عشر، إضافة إلى رائدات كثر تحدثن عن حقوق المرأة في الشريعة، لكن كتيار نسوي إسلامي فقد ظهر بعد الألفية الثانية كتيار بحثي لديه وعي بالاسم ومدلوله الإسلامي، ومع ظهور هذا التيار الواعي ظهرت أدبيات جديدة وأبحاث بالعربية، وأخرى بالإنجليزية في المراكز الأكاديمية.

  • هل يمكن القول: إن للنسوية الإسلامية تياراً ورموزاً وأفكاراً ثابتة، أم كل ما يتم طرحه محض اجتهادات شخصية بثوب إسلامي؟

- نعم، ابتدأ باجتهادات شخصية لباحثات في تخصصات مختلفة، لكن في منطقتنا العربية أصبحت النسوية الإسلامية تياراً وله رموز معينة تنظيماً وتطبيقاً، وذلك مع بداية الألفية الثانية.

البعض يتعامل مع «النسوية الإسلامية» كمصطلح مستورد من الغرب

لكن يشار إلى أنه مع ظهور الجمهورية الإيرانية، بدأت النساء يتحدثن عن قضايا إسلامية بمصطلحات شرعية؛ ما جعل البعض يحيل ظهور النسوية الإسلامية بالتزامن مع حركة إيران المجتمعية التي تزامنت مع الثورة الإيرانية.

  • في تقديرك، هل ما تزال الفجوة متسعة بين النسوية الإسلامية وقيم الحداثة الغربية؟ وهل نجحت النسوية في التلاحم مع مقاصد الشريعة؟

- حينما نتحدث عن منظومة القيم مثل «الفردانية» أو «العلمانية» المطلقة بالتأكيد ستتعارض معها القيم الإسلامية عامة، وليس النسوية الإسلامية فقط.

لكن فكرة النسوية الإسلامية نابعة من الشريعة ومن القرآن ومن السُّنة، ولا يوجد بها أمور أو مصطلحات مستوردة.

  • مصطلح «النسوية الإسلامية» هل يمكن اعتباره مدرسة فكرية محددة المعالم؟ وهل بات مفهوماً مسلّماً به؟

- مفهوم «النسوية الإسلامية» بدأ يتبلور منذ ظهوره كتيار وحتى اللحظة كمدرسة فكرية، وذلك من خلال القراءة في المصادر الإسلامية، لكن كمفهوم مسلّم به ليس في كل الدوائر، بدليل أن البعض حتى اللحظة ما زال يسأل عن مفهوم «النسوية الإسلامية»، ويتعاملون معه كمصطلح مستورد من الغرب.

والسبب في ذلك أنهم لم يقرؤوا عن النسوية الإسلامية سواء من المصادر العربية أو اللغات الأخرى، لكن هو تيار موجود على الرغم من تجاهل البعض له.

  • من خلال معايشتك لقضايا النسوية الإسلامية، ما المنهج أو الأدوات التأويلية المستخدمة في قراءة النص؟ وهل تجاوزت قراءة النص الغربي؟

- المنهج المستخدم يركز على 3 أمور رئيسة يمكن اختصارها أو إجمالها في:

1- القراءة الشمولية الكلية للقرآن: بطريقة مترابطة، حيث تقرأ الآيات متواصلة وليست قراءة فردية لآية بعينها.

2- قراءة أخلاقية: بحيث نقرأ منظومة القيم التي تتعلق بالجنسين والعلاقة بينهما نحو الإحسان والقسط والمعروف والعدل.

3- قراءة تركز على المشاركة والمساواة في المكانة الإنسانية؛ فالقرآن نزل لتمكين المستضعف والحد من قوة كل مستكبر وصاحب سلطة.

  • من وجهة نظرك، هل نجح خطاب النسوية الإسلامية في مواجهة القضايا الكبرى مثل الميراث والقوامة.. وغيرها؟

- نعم، الأبحاث والدراسات التطبيقية للنسوية الإسلامية منطلقة من التفسير والحديث وأصول الفقه ونصوص الشريعة، وأنا لي دراسات في ذلك منها «القوامة»، إضافة إلى دراسات أخرى لباحثات في هذا المجال تناولن القضايا الكبرى من منطلق شرعي ويوجد بها اجتهادات قيمة.

نستخدم 3 قراءات ضمن منهجنا في تأويل النص القرآني

  • في رأيك، هل يمكن القول بوجود جذور حقيقية للتيار النسوي الإسلامي؟ وما نظرة العلماء والفقهاء لهذا التيار؟

- الفكرة تطورت في العقدين الأخيرين في العالم الإسلامي من خلال تطبيق الوعي النسوي لفهم معضلة التفاوت بين رسالة الإسلام التوحيدية وترجمة قيم تلك الرسالة السامية إلى عدالة وتكافؤ فرص وشراكة على أرض الواقع بين الجنسين، وإلى الأخذ في الاعتبار الكرامة الإنسانية المتساوية للمسلمات والمسلمين.

أما عن نظرة العلماء والفقهاء لهذا التيار، فالبعض غير مقتنع نتيجة عدم القراءة، والرفض جاء نتيجة عدم الاطلاع أو القراءة قراءة موضوعية؛ ما ولّد تجاهلاً أدى إلى إعاقة للنسوية الإسلامية.

  • بدون مجاملة، هل حققت النسوية الإسلامية عدالة حقيقية في مجتمعاتها، أم أن خطابها منفصل واقعياً عن المرأة المسلمة؟

- النسوية الإسلامية في مسارها الحالي تتطور وتكبر وتنضج، وتجاوزت مرحلة الصراع مع الأبوية أو الزوجية أو الذكورية بشكل عام، وهذا الأمر مبني على المعرفة، التي بدورها تنتج اجتهادات من خلال المعرفة بالنسوية الإسلامية، وإلا اعتبرنا أن كل خطاب طالما لا يوجد عملية معرفية به خطاباً منفصلاً.

  • كيف تفسرين ما يتردد أن «النسوية الإسلامية» نخبوية، ولم تخدم يوماً مجتمعاتها؟

- للأسف، يتم وصف مصطلح «النسوية الإسلامية» بأنه نخبوي، رغم أنه يطرح قضايا مجتمعية، فأي نظرية اجتماعية أو سياسية يمكن أن نصفها بأنها قضية نخبوية، وكونها حركة مجتمعية لها تأثير فنحن نسعى إلى ذلك من خلال الاجتهادات وإنتاج المعرفة.

  • أين موقف النسوية الإسلامية من المطالب المشروعة؟ وما أطروحاتها في حالة مواجهة النصوص القطعية؟

- باختصار، المطالب المشروعة هي ما تطلبه المرأة من خلال أصول الشريعة، ففكرة النسوية الإسلامية هي عودة إلى المبادئ القرآنية، وهي تيار بحثي عضوي نابع من القرآن والسُّنة النبوية تحمل صيغاً تحررية في العموم، التي تحمل نصرة المستضعفين والمهمشين والفقراء، وتناهض الأفكار الاستعمارية والاستشراقية، ولا تتبناها في أجندتها على الإطلاق.

  • نعترف بوجود تيار رافض للنسوية، فما السبيل للتفريق بين المشروع والمنحرف عن أصول وثوابت الدين؟

- المشكلة تكمن في التعامل مع مصطلح النسوية بتعصب دون الدخول إلى صلب الموضوع أو القضية المطروحة، بحجة أن النسوية الإسلامية نابعة من المنظومة الغربية.

وفي الحقيقة، التعامل معها يكون بأنها كأي نظرية توضع في سياقها الطبيعي، مع ضرورة الانتباه إلى أن النسوية الإسلامية في حد ذاتها متنوعة بحكم البيئة المجتمعية، فمنطقتنا قضاياها تختلف عن شرق آسيا مثلاً بسبب ظروف وملابسات السياق المجتمعي لكل منطقة.

  • كيف يتم التمييز بين النسوية الإسلامية المعتدلة والراديكالية؟

- هناك نظرة يمكن اعتبارها راديكالية بالفعل، التي تأتي في أن السياق والمناخ العربي يعتبر أن الخوض في قضايا لها جذور أوروبية أو أمريكية غير مقبول ومرفوض، ولا سبيل للوعي والتمييز إلا بالقراءة بعمق والحكم على الأمور من خلال قراءة واعية، وليس التوقف عن المصطلحات بعدوانية ومعرفة ظاهرية.


اقرأ أيضاً:

فاطمة المرنيسي.. ودين نسوي جديد!‏

التأويل النسوي للقرآن الكريم

الأكاديمية الأردنية رولا الحيت لـ«المجتمع»: شرطان للقبول بـ«النسوية الإسلامية»


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة