متمسكون بأرضهم.. أكثر من مليون فلسطيني يواجهون مخططات التهجير في غزة وشمالها

سيف باكير

17 سبتمبر 2025

291

يشهد قطاع غزة منذ أسابيع حربًا شاملة تنفذها قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، تتسم بسياسة الإبادة الجماعية والتهجير القسري، في إطار خطة تهدف لتفريغ شمال المدينة ومدينة غزة من سكانها الأصليين وفرض واقع سياسي وعسكري جديد يخدم مصالح الاحتلال.

وتعكس الأحداث الجارية أخطر أزمة إنسانية في تاريخ القطاع الحديث، حيث يعيش أكثر من مليون فلسطيني تحت تهديد مباشر للقتل والنزوح القسري، وسط تدمير ممنهج للبنية التحتية وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة الأساسية.

وتأتي هذه الحرب الممنهجة في ظل استهداف المدنيين أثناء محاولتهم النزوح؛ ما يجعل أي مسار للنجاة محفوفًا بالأخطار، ويؤكد أن الهدف الحقيقي للاحتلال ليس حماية السكان، بل فرض سياسة الأرض المحروقة وإجبار الفلسطينيين على الرحيل.

ويأتي هذا التقرير لتسليط الضوء على حجم المجازر والتهجير القسري، وسلسلة الانتهاكات الإنسانية، وتحذيرات المجتمع الدولي من كارثة وشيكة تهدد حياة المدنيين في غزة.

تمسك الفلسطينيين بأرضهم وسط التهجير القسري

أكد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن أكثر من مليون فلسطيني ما زالوا متمسكين بأرضهم وبيوتهم، رافضين النزوح رغم وحشية القصف والقصف العشوائي، في محاولة لإجبارهم على الرحيل ضمن ما يعرف بـ«التهجير القسري» الذي ينتهك جميع القوانين والمواثيق الدولية.

ويبلغ عدد سكان مدينة غزة وشمالها أكثر من 1.3 مليون نسمة، بينهم نحو 398 ألفًا من محافظة شمال غزة، حيث نزح معظمهم قسرًا إلى غرب المحافظة، فيما يزيد عدد سكان محافظة غزة على 914 ألف نسمة، اضطر حوالي 350 ألفًا منهم للنزوح من الأحياء الشرقية إلى وسط المدينة وغربها نتيجة القصف العنيف.

وشهدت الأيام الأخيرة تصاعدًا في موجة النزوح القسري نحو الجنوب، حيث اضطر نحو 190 ألف فلسطيني لمغادرة منازلهم تحت وطأة الغارات الجوية والقصف المدفعي.

نزوح عكسي من الجنوب إلى شمال غزة

وفي الوقت نفسه، سجلت الطواقم الحكومية عودة نحو 15 ألف مواطن إلى مناطقهم الأصلية بعد نقل أثاثهم ومقتنياتهم، بسبب انعدام مقومات الحياة الأساسية في الجنوب، مثل المياه والغذاء والكهرباء؛ ما يعكس هشاشة الخطط التي يروج لها الاحتلال على أنها آمنة.

وتعد منطقة المواصي في خان يونس ورفح مثالاً صارخاً على التضليل «الإسرائيلي»؛ فبالرغم من أن الاحتلال يصفها بالمناطق الآمنة، فإنها تضم نحو 800 ألف نسمة، تعرضت لأكثر من 109 غارات؛ ما أسفر عن مقتل أكثر من 2000 فلسطيني في مجازر متلاحقة.

المنطقة تفتقر لأدنى مقومات الحياة الأساسية من مستشفيات وبنية تحتية وخدمات ضرورية؛ ما يجعل العيش فيها شبه مستحيل.

التهجير القسري ومعسكرات التركيز

أظهرت خرائط الاحتلال أن المساحة المخصصة للإيواء لا تتجاوز 12% فقط من مساحة القطاع، بينما يسعى الاحتلال لحشر أكثر من 1.7 مليون شخص ضمن هذه المناطق المحدودة. ويأتي ذلك في إطار مخطط ممنهج لإنشاء «معسكرات تركيز»، تهدف لتفريغ شمال غزة ومدينة غزة من سكانها؛ ما يشكل جريمة حرب مكتملة الأركان وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي والإنساني.

ويتضح أن الهدف العسكري لا يقتصر على السيطرة على الأراضي، بل يشمل تغيير التركيبة السكانية والسيطرة على الموارد والفضاء الإستراتيجي للقطاع، في إطار سياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها قوات الاحتلال منذ بدء العدوان.

التضليل «الإسرائيلي» حول «المسارات الآمنة»

أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن جيش الاحتلال «الإسرائيلي» يواصل تهجير المدنيين الفلسطينيين قسرًا من منازلهم وأماكن لجوئهم، ثم يستهدفهم بشكل مباشر أثناء محاولتهم النزوح.

وأوضح المرصد أن هذه الممارسات تكشف عن قرار سياسي وحشي ينطوي على إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، من خلال الجمع بين القتل الواسع النطاق، التهجير القسري، وفرض ظروف معيشية مستحيلة تجعل البقاء على قيد الحياة شبه مستحيل.

ووثّق الفريق الميداني للمرصد استهداف الطائرات «الإسرائيلية» لأسرة فلسطينية كانت تستقل مركبة خاصة في طريقها نحو الجنوب، ضمن أوامر التهجير القسري الصادرة عن الاحتلال، وتعرضت المركبة للقصف 3 مرات متعمدة، وأسفر الهجوم مساء الثلاثاء 16 سبتمبر الجاري بالقرب من مفترق أنصار في مدينة غزة عن استشهاد 5 مدنيين، هم زوجان من عائلة الصوالحي وأبناؤهما الثلاثة.

وأشار المرصد إلى أن الاحتلال «الإسرائيلي» يمارس أكبر عملية تضليل أمام العالم؛ فبينما يدعي أنه يوفر «مسارات آمنة» للنزوح، يواصل شن غارات مروعة على هذه المسارات نفسها وفي مناطق اللجوء، ما يحوّلها إلى مصائد موت، ويؤكد ذلك أن الهدف الحقيقي للاحتلال ليس حماية المدنيين، بل استدراجهم واستهدافهم عمداً وقتلهم أينما وجدوا.

وواصل جيش الاحتلال شن غارات مباشرة وواسعة على الأعيان المدنية في مدينة غزة، بما في ذلك تدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وفي حادثة فجر اليوم مع عائلة زقوت، أدى القصف إلى استشهاد 26 مدنيًا على الأقل، بينهم 7 أطفال و10 نساء، فيما لا يزال آخرون تحت الأنقاض بعد استهداف مربع سكني كامل في منطقة الأمن العام شمال غربي المدينة.

كما شن الاحتلال قصفًا آخر على مربع سكني في حي الدرج شرقي غزة؛ ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 30 مدنيًا، بينما لا يزال آخرون تحت الأنقاض.

وحوّلت قوات الاحتلال مدينة غزة إلى ساحة قتل ودمار شامل، من خلال شن غارات جوية متواصلة، وتفجير عربات مجنزرة محمّلة بأطنان من المتفجرات، وقصف عشوائي يستهدف جميع الأحياء، بما فيها المناطق التي تحاول فيها آلاف العائلات النزوح نحو الجنوب بعد موجة التدمير الأخيرة التي طالت مئات الوحدات السكنية والمباني السكنية والأبراج.

وأكد المرصد أن هذه الهجمات الواسعة والمتكررة لا تترك للسكان أي فرصة للنجاة أو الحماية، بل تدفعهم إلى نزوح قسري متواصل في ظروف لا إنسانية، في إطار سياسة تهجير ممنهجة تهدف إلى التدمير الجماعي.

ومنذ أكثر من 45 يومًا، تنفذ قوات الاحتلال عدوانًا عسكريًا واسع النطاق بدأ من حي الزيتون، وامتد ليشمل حي الصبرة جنوب المدينة، ثم شرقها عبر أحياء الشجاعية، والدرج، والتفاح، والشمال، بما في ذلك شمالها الغربي، عبر قصف جوي مستمر، وتفجير عربات مفخخة، وتمركز آليات عسكرية.

وأوضح المرصد أن إعلان الاحتلال عن بدء العملية العسكرية مؤخراً هو مجرد تضليل إعلامي، إذ تنفذ عمليًا منذ أسابيع عملية محو ممنهجة لمدينة غزة على قاعدة سياسة الأرض المحروقة.

التحذير الدولي: غزة على شفا كارثة إنسانية

دعا قادة أكثر من 20 وكالة إغاثية رئيسة تعمل في قطاع غزة، زعماء العالم إلى التدخل الفوري والعاجل، بعد أن خلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة لأول مرة إلى أن ما يجري في القطاع إبادة جماعية.

وتأتي هذه الدعوة في ظل تدهور متسارع للظروف الإنسانية، وارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين نتيجة القصف المتواصل وسياسة التهجير القسري.

وأكد قادة الوكالات الإغاثية أن القطاع الفلسطيني يواجه أخطر مرحلة في تاريخه الحديث، مشيرين إلى أن استمرار العدوان دون تدخل دولي قد يؤدي إلى كارثة إنسانية شاملة.

وأشار القادة إلى أن عسكرة نظام المساعدات الإنسانية أصبحت قاتلة، حيث تم إطلاق النار على آلاف المدنيين أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع الغذاء والدواء، في ممارسة تهدد حياة المدنيين بشكل مباشر.

وشدد قادة الوكالات على أن الحكومات العالمية مطالبة بالتحرك الفوري لإنقاذ المدنيين، ووقف نزيف الدماء، وإنهاء العنف والاحتلال الذي يفاقم معاناة الفلسطينيين في غزة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة