«اليوم التالي» للحرب.. من سيحكم غزة؟

ماجد الزبدة

18 أغسطس 2025

203

22 شهراً مضت على الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة، قضى فيها أكثر من 61 ألف شهيد، وأصيب أكثر من 155 ألفاً، غالبيتهم من النساء والأطفال والمسنين، كما تم تدمير 88% من الأحياء السكنية والمدارس والمشافي والطرقات، وسط سيل من المناشدات الإنسانية والضغوطات الدولية بضرورة إنهاء معاناة أهالي غزة.

بين يدي مباحثات التفاوض بين المقاومة والاحتلال، تبرز تساؤلات مهمة حول «اليوم التالي» للحرب، وتطفو إلى السطح ملفات شائكة وأعباء ثقيلة سيتحمّلها من يحكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، وفي مقدمتها توفير التمويل اللازم لإعادة إعمار غزة، وطبيعة العلاقة مع الاحتلال، وكذلك العلاقة مع السلطة الفلسطينية، والتعامل مع سلاح المقاومة في ظل الواقع الجديد في غزة.

الفواعل المؤثرة في مستقبل قطاع غزة

يتأثر قطاع غزة إيجاباً وسلباً بعدد من الفواعل السياسية والميدانية، من أبرزها:

1- قوى المقاومة الفلسطينية: وتتصدرها حركة «حماس»، التي ما زالت تمتلك جسماً حكومياً خدماتياً، وتنظيماً يضم آلاف العناصر المسلحة؛ ما يجعلها لاعباً سياسياً رئيساً ومؤثراً في مستقبل غزة.

ملفات شائكة سيتحملها من يحكم غزة بعد انتهاء الحرب أبرزها تمويل إعادة الإعمار وطبيعة العلاقة مع الاحتلال

2- الاحتلال «الإسرائيلي»: وهو يسيطر على 77% من مساحة قطاع غزة، ويحاول فرض رؤيته العسكرية والأمنية على مستقبل غزة.

3- السلطة الفلسطينية: وهي تمتلك شرعية التمثيل الفلسطيني بدعم دولي، وتحاول فرض رؤيتها التي ترفض خيار الكفاح المسلح، وتحاول فرض واقع سياسي وأمني شبيه بواقع الضفة المحتلة.

4- العشائر الفلسطينية: وبرز دورها في حرب الإبادة، وباتت مع مرور الوقت لاعباً مؤثراً في الشارع الفلسطيني.

5- المنظمات الدولية: وتتصدرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي كانت حتى 7 أكتوبر 2023م تقدم خدماتها للاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون 66% من سكان قطاع غزة.

6- جمهورية مصر العربية، وهي تعتبر التدخل في شؤون غزة ملفاً مصرياً حصرياً، وتحرص على خلق مستقبل سياسي في غزة لا يتعارض مع الأمن القومي المصري.

المطلوب من إدارة غزة المقبلة

- معالجة المشكلات الاجتماعية التي خلّفتها حرب الإبادة، سيما رعاية آلاف الأسر الهشة التي باتت بلا معيل.

- إعادة ترميم المنظومة الصحية وتوفير العلاج اللازم لآلاف الجرحى والمعاقين.

- توفير التمويل اللازم لإعادة إعمار غزة، الذي تقدر موازنته بأكثر من 62 مليار دولار.

- إنهاء الفوضى ومواجهة الفلتان الأمني، وضبط السلاح.

إدارة انتقالية بدعم عربي ودولي أقرب السيناريوهات للواقع لإصرار حكومة نتنياهو على إقصاء «حماس» و«السلطة»

- تعزيز النسيج المجتمعي، وترتيب العلاقات الفلسطينية الداخلية.

- معالجة ملفات موظفي حكومة غزة، ومستحقي الشؤون الاجتماعية.

- إعادة رسم العلاقات السياسية مع السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال والمجتمع الدولي.

- كسر الحصار المفروض على غزة، وضمان حرية التنقل والسفر والتجارة.. وغيرها.

سيناريوهات «اليوم التالي»

في ظل استمرار حرب الإبادة، ومواصلة التفاوض بين المقاومة والاحتلال، وضبابية المشهد الحالي، تبرز عدة سيناريوهات متوقعة لشكل حكم غزة في «اليوم التالي»، من أبرزها:

1- إقامة إدارة عسكرية «إسرائيلية»:

ومن مؤشراته رفض رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إيقاف الحرب قبل تحقيق «النصر المطلق»، وترويجه لمخطط تهجير الفلسطينيين وإعادة بناء المستوطنات، ويدعم هذا السيناريو تصريحات عدد من وزراء حكومة نتنياهو وفي مقدمتهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير.

لكن هذا السيناريو يواجه عدة معيقات، من أبرزها:

- معارضة قادة الجيش والمنظومة الأمنية؛ خوفاً من استنزاف الجيش في غزة.

- ارتفاع التكلفة المالية لهذا الخيار، ورفض نتنياهو تحمّل أعباء إعادة إعمار غزة.

- عدم وجود إجماع في المجتمع «الإسرائيلي» على هذا الخيار.

- فشل سحق المقاومة الفلسطينية التي ما زالت تكبد الاحتلال خسائر بشرية ومادية كبيرة.

- الرفض الدولي لإعادة احتلال قطاع غزة.

2- استمرار حكم حركة «حماس»:

وهذا السيناريو يدعمه فشل الاحتلال في استئصال المقاومة، وامتلاك «حماس» إدارة خدماتية ما زالت -رغم الاستهدافات المتكررة- تقدم خدماتها الصحية والبلدية والشرطية للجمهور الفلسطيني، كما تحظى «حماس»، بحسب استطلاع رأي أجراه «المركز الفلسطيني للدراسات والأبحاث» مطلع يوليو الماضي، بتأييد 58% من سكان قطاع غزة.

لكن هذا السيناريو يواجه معارضة «إسرائيلية» وأمريكية شديدة، إضافة لرفض السلطة الفلسطينية والدول العربية استمرار حكم حركة «حماس».

إنشاء إدارة فلسطينية انتقالية توفر الإغاثة وتعيد الإعمار وتجري انتخابات.. أهم مطلب للشارع الفلسطيني بغزة

من جهة أخرى، فإن «حماس» حريصة على التخلص من عبء إدارة الشأن العام في غزة، والتفرغ لإعادة بناء جسمها التنظيمي وتعويض ما دمره الاحتلال من مقدرات بشرية ومادية.

3- عودة السلطة الفلسطينية:

وهو سيناريو يواجه رفضاً من المقاومة الفلسطينية التي تطالب بوحدة فلسطينية على قاعدة الشراكة لا الإقصاء، كما أن السلطة تفتقد لتأييد الشارع الفلسطيني، حيث عبر 84% من أهالي غزة، بحسب استطلاع المركز الفلسطيني للدراسات والأبحاث، عن عدم رضاهم عن إدارة وتعامل قيادة السلطة مع الملفات والقضايا الفلسطينية.

من جهة أخرى، ترفض حكومة نتنياهو عودة السلطة لحكم غزة في حرصها على استمرار الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة.

4- إدارة العشائر:

وهو سيناريو يواجه معارضة واسعة في الشارع الفلسطيني، خاصة مع فشل حكومة نتنياهو فرضه بالقوة، من خلال دعمها لبعض المليشيات العشائرية المسلحة.

5- إدارة عربية وأممية:

وهو رغبة «إسرائيلية» معلنة، ويهدف لاستكمال مهمة الاحتلال في ملاحقة المقاومة الفلسطينية، لكنه يواجه رفضاً واضحاً من المقاومة التي حذرت من التساوق معه، وأعلنت أنها ستتعامل مع أي قوات تدخل غزة بتنسيق مع الاحتلال باعتبارها احتلالاً عسكرياً.

6- إدارة انتقالية بدعم عربي ودولي:

وهو أقرب السيناريوهات للواقع، حيث تصر حكومة نتنياهو على إقصاء «حماس» والسلطة الفلسطينية من مشهد الحكم في غزة، وبالتالي تم تقديم هذا المقترح من قبل الوسيط المصري لتجاوز تعنّت الاحتلال، كما أن هذا الخيار لا تعارضه المقاومة الفلسطينية التي أبدت استعداداً واضحاً للتخلي عن إدارة قطاع غزة.

من أبرز معيقات هذا السيناريو هو معارضة السلطة الفلسطينية التي تطالب بإشراف كامل على ملف إعادة إعمار غزة، إلا أن هذا الرفض يمكن تجاوزه في حال موافقة الاحتلال ودعم الدول العربية لهذا الخيار.

ختاماً، نرى أن إنشاء إدارة فلسطينية انتقالية، تتولى توفير الإغاثة العاجلة لأهالي غزة، وتعيد إعمار ما دمره الاحتلال، وتمهد لاستعادة الوحدة الفلسطينية الداخلية، وإجراء انتخابات شاملة تفرز قيادة يحتضنها الشارع الفلسطيني، واستعادة دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) باتت مطالب للشارع الفلسطيني في غزة، أما الاحتلال فستبقى آلته العسكرية سيفاً مصلتاً على الفلسطينيين حتى يجد من يلجمه ويلاحق قادته مجرمي الحرب أمام المحاكم الدولية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة