; تأملات في قصة الفداء (9): مقام أمك خير من مقام فلان وفلان: نسيبة بنت كعب.. دروس عظيمة في الفداء والتضحية | مجلة المجتمع

العنوان تأملات في قصة الفداء (9): مقام أمك خير من مقام فلان وفلان: نسيبة بنت كعب.. دروس عظيمة في الفداء والتضحية

الكاتب د. إيمان مغازي الشرقاوي

تاريخ النشر الثلاثاء 17-مارس-1970

مشاهدات 723

نشر في العدد 1

نشر في الصفحة 52

الثلاثاء 17-مارس-1970

بارك الله عليكم من أهل بيت مقام أمك خير من مقام فلان وفلان ..... اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة ...

كان لهذه الكلمات الطيبات وقعها البالغ في نفوسهم وأثرها السحري الذي يأخذ بالألباب، فقد صدرت من معلم البشرية جمعاء وسراج دنياها المنير صدرت من أحن وأرحم وأعطف إنسان على وجه الأرض، من قال تعالى عنه ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ‏[التوبة ١٢٨)، فكان صداها في نفس من سمعها، لا أبالي ما أصابني من الدنيا ..

إن رمز الفداء في هذه المرة امرأة، لكنها لیست كغيرها من النساء بل لقد فاقت منزلة الكثير من الرجال بشهادة رسول الله لها استحقت لذلك أن تأخذ شهادة الفخار ودعوة العز في الدنيا والآخرة وتحظى بالقبول فتكون من رفقائه في الجنة. فمن هي هذه البطلة وما حكايتها؟

إنها الصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المازنية الخزرجية المعروفة بأم عمارة.. من بني النجار، أخوال عبد المطلب جد رسول الله ﷺ .

بدأت مسيرتها المباركة منذ أن خرجت مع زوجها زيد بن عاصم مرة، وولديها وأختها إلى مكة لتقف أمام رسول الله ﷺ في بيعة العقبة الثانية: مبايعة له على النصرة والمنعة، شأنها شأن المبايعين له من الرجال. 

شقائق الرجال

كانت خير سفير لدينها: إذ غرسته في قلوب الناس وأبلغتهم إياه بعملها وفدائها ومشاركتها الفعالة جنبًا إلى جنب مع الرجل نصرة لله، ليعلم الجميع ، «أن النساء شقائق الرجال» «الترمذي»، فخاضت غمار الحروب والغزوات لا بحار الموضة والشهوات وتطلعت وسمت إلى العلياء وليس لعالم الزينة والأزياء! كل ذلك بقلب ملؤه حب الله ونفس تفدي رسوله صلى الله عليه وسلم وروح تتعالى على حظوظ النفس وهواها فكانت بحق من خير النساء. 

سجلت بحروف من نور قصة فدائها لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قصتها المشهورة في كتب السيرة والتي خلدت ذكرها ورفعت قدرها، وكان ذلك في غزوة أحد .. لتخرس بعملها ذاك ومشاركتها تلك السنة الكثيرين من المتطاولين على الإسلام قديمًا وحديثًا في زعمهم عزل الإسلام المرأة عن معترك الحياة وتنحينها عن مشاركة الرجل في صنعها أو تجاهل دورها البارز فيها، لكنها أثبتت للجميع عكس ما زعموا، فلقد وقفت وقفات سجلت في سجلات التاريخ الخالدة التي تبطل ما يروجون وتحبط ما يكيدون وها هي رضي الله عنها تشارك في صنع الأمة بكل ما تملك في رفع راية الإيمان. 

فكانت يوم العقبة من المبايعات واستحقت أن تكون واحدة ممن سموا بالأنصار لنصرتهم لله ورسوله في الأيام فتنة وبلاء، وكذا شهدت صلح الحديبية وبيعة الرضوان وشهدت الفتح الأعظم وغزوة خيبر.

دفاعها عن الرسول

كانت نسيبة رضي الله عنها مع النفر الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقد حملت سيفها، وأخذت تدافع عنه حتى أصيبت بجراح بليغة، وجرح ابنها ونزف دمه، فلم تجزع إذ ليس في الوقت متسع لذلك، وما كان منها إلا أن ضمدت له جرحه، وصاحت به قائلة: انهض يا بني فضارب القوم ويرى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ذلك ويقدره منها، ويكبره فيقول لها: ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟

وكأني بها في معركة أحد وهي تدافع عن رسول الله ﷺ مع أبنائها الذين صبروا ومع القلة التي ثبتت من المؤمنين تتلقى الضربات وتذيق أعداء الله الويلات غير آبهة لما يصيبها منهم، وعينها لا ترتفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين، ولسان حالها يقول: هداك نفسي وأبنائي وكل ما أوتيت من قوة وحياة يا رسول الله .. ولنستمع إليها وهي تحكي لصاحبتها وتجيبها حين سألتها، وقد رأت على عاتقها جرحًا غائرًا، فتقول: لما ولى الناس عن رسول الله ﷺ أقبل ابن قمنة يقول: «دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبتوا مع رسول الله ﷺ فضربني هذه الضربة، وضربته ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان. 

ومن هنا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشهد لها بالبطولة والفداء فيقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم أحد: «ما التفت يمينًا ولا شمالًا إلا وأنا أراها تقاتل دوني» فأي امرأة كانت! إذ لا تبالي ولا تخاف فقضيتها التي تتنافح من أجلها هي حفظ رسول الله ﷺ والدفاع عنه.

الجائزة الكبرى

لذا فحين انتهت المعركة إذا بها– رضي الله عنها– من بين الجرحى المسلمين، وهي التي كانت تداويهم وتسقيهم قبل أن تباشر القتال دفاعًا عن النبي العظيم صلى الله عليه وسلم . مما جعله يثني عليها ويقول لابنها عبد الله بن زيد: بارك الله عليكم من أهل بيت مقام أمك خير من مقام فلان وفلان وكأنها كانت تنتظر الجائزة الكبرى التي يعمل لها العاملون وعليها يتنافس المتنافسون وفي سبيلها يقاتلون فيقتلون ويقتلون لو أنفق كله المرء عمره في سبيل تحصيلها لكان قليلًا بجانب عظم قدرها! إنها ما إن سمعت من رسول الله ﷺ الثناء بحقها إلا أسرعت وقالت له: «ادع الله أن نرافقك في الجنة».. فقال صلى الله عليه وسلم لها داعيًا ومبشرًا: «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة»، وحينها هانت في نظرها الدنيا بما فيها، فماذا تريد بعد مرافقة رسول الله ﷺ في الجنة! وأي متاع أو نعيم بعد ذلك الفضل العظيم؟! بل أي صبر على آلام الحياة ومصائبها يساوي هذه البشارة؟! لقد أدركت أم عمارة ذلك كله فقالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا!

أم الشهيد

وقد شاركت نسيبة رضي الله عنها في قتال المرتدين في معركة اليمامة! بعد أن قدمت ولدها وابنها البطل «حبيب» رضي الله عنه الذي قتله مسيلمة الكذاب لينال الشهادة في سبيل الله بصبر وثبات لا يتخيله بشر، ولا يتحمله إنسان وذلك حين أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة فلما قرأ مسيلمة الكذاب الكتاب قال لحبيب: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، فقال: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: لا أسمع فجعل عدو مسيلمة يقطع جسده عضوًا عضوًا حتى أسلم الروح ونال شرف الشهادة في سبيل الله.

فليست نسيبة وحيدة أسرتها في الفداء والتضحية، فلقد أصر هذا البطل على أن يعلمنا هو الآخر درسًا بليغًا لا ينسى في ذلك: حبًا لله ورسوله، فصارًا وأي شهيد! لكنها أقسمت أن تثار لابنها البطل من قاتله مسيلمة الكذاب لتريح من شره الأرض والعباد، بعد أن كفر بالله ورسوله، فخرجت مع ولدها المجاهد عبد الله في جيش المسلمين المتجه إلى اليمامة وشفى الله صدرها بالنصر، وأقر عينها بهزيمة المرتدين وشاركت في قتل مسيلمة الكذاب...

ماذا نأخذ من أم عمارة رضي الله عنها؟

إننا في حاجة للعودة إلى معين هذا الدين وسيرة هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمل أن نغرس في نفوس أولادنا وبناتنا حبهم والتخلق بأخلاقهم رجالًا ونساء، وما أحسن أن نسميهم بأسمائهم وكما يقال إن لكل امرئ من اسمه نصيبًا! بدلًا من بعض الأسماء التي هي دخيلة علينا قد تمسخ شخصياتهم وتنقص من انتمائهم حين تطمس أو تشوش هويتهم.

وقصة نسيبة – رضي الله عنها – عبرة لكل بنائنا ونسائنا اللاتي نسين دورهن في الحياة أو غفلن عنه، وتذكرة لكل من تنساق منهن وراء الدعوات المغرضة لمن يدعون أنهم أنصار للمرأة لنقول للجميع هذه هي المرأة المسلمة وهذا ديننا.

  • قصتها عبرة لكل نسائنا اللاتي نسين دورهن في الحياة.. وتذكرة لكل من تنساق منهن وراء الدعوات المغرضة.
  • دافعت باستماتة عن رسول الله يوم أحد.. وتحملت عشرات الطعنات. 
  • قدمت ابنها «حبيب» شهيدًا في سبيل الله.. وشاركت – في قتل مسيلمة الكذاب. 
الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

دور المرأة المسلمة في (أحد )

نشر في العدد 234

23

الثلاثاء 28-يناير-1975

قصة جهاد خالدة (2 من 2)

نشر في العدد 1197

11

الثلاثاء 23-أبريل-1996

المجتمع الأسري (1195)

نشر في العدد 1195

13

الثلاثاء 09-أبريل-1996