العنوان دور المرأة المسلمة في (أحد )
الكاتب منير الغضبان
تاريخ النشر الثلاثاء 28-يناير-1975
مشاهدات 24
نشر في العدد 234
نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 28-يناير-1975
دور المرأة المسلمة في (أحد )
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، في معترك الأحداث ومن لهيب الجراح التي تحياها أمتنا تمر بنا ذكرى غزوة أحد الخالدة
وسنتاول من هذه المعركة فقط دور المرأة المسلمة فيها فتكون الأسوة للمسلمة اليوم.
فنحن أمام نماذج خالدة يضن التاريخ بأمثالها على مداه الطويل.
المرأة المسلمة طبيبة وممونة: ولندع النصوص تقص علينا دور المرأة في المداواة والتموين:
1 - روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال: لقد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما المشمرتان وتنقزان القرب على متنهما تفرغان الماء في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآن ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم.
2 - وذكر الطبراني أنه لما انصرف المشركون خرج نساء الصحابة لتقديم العون لهم فكانت فاطمة فيمن خرج فلما لقيت النبي صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته بالماء فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير فأحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق الجرح فأستمسك الدم سمطا لنجوم العوالي ج ۲ ص ۰۸۸
3 - وعن أم عطية قالت غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات فكنت أصنع لهم طعامهم وأخلفهم في رحالهم وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى. الطبقات الكبرى - ج ٨ ص ٤٥٥
4 - قال محمد بن عمر وقد حضرت أم أيمن أحدا كانت تسقي الماء وتداوي الجرحى. الطبقـــــــات ج ٨ ص ٢٥٥
وإن كان لنا من تعليق على هذه الصور الحية من النضال فهو أن سيدة نساء أهل الجنة فاطمة الزهراء بنت الرسول القائد عليه الصلاة والسلام وأفضل نساء المسلمين عائشة بنت أبي بكر زوج الرسول القائد لم تكونا أثناء المعركة في سرادق ضخم تحيط به القوات المدججة بالسلاح ترقبان المعركة بعينين زائغتين بل كانتا تعملان بين طعنات الرماح وقط السيوف وتساقط النبال كالمطر على المسلمين لإيصال الطعام والسقاء والغذاء للمقاتلين.
فقد دخلت أم أيمن المعركة متأخرة والذي دفعها لدخول المعركة وصول فلول المنهزمين إلى المدينة فغضبت لله ورسوله وصرخت بالمنهزمين مزدرية قائلة لهم هاك المغزل وهلم سيفك، وعن عبد الله بن زيد قال: جرحت يومئذ جرحا في عضدي اليسرى وضربني رجل كأنه الرقل ولم يعرج علي ومضى عني وجعل الدم لا يرقأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعصب جرحك. فتقبل أمي إلي ومعها عصائب في حقويها قد أعدتها للجراح فربطت جرحي والنبي واقف ينظر إلي ثم قالت انهض يا بني فضارب القوم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟ الطبقات ص ٤١٤
وصدق رسول الله فأي امرأة ترى جراح ابنها تنزف ثم تحثه على مضاربة القوم بجراحه الداميات؟
المرأة المسلمة مصابة:
جاء في الكامل لابن الأثير أن أم أيمن كانت تسقي الجرحى في الجيش فرماها حبان بن العرقة بسهم فوقعت فانكشفت فأغرق عدو الله في الضحك فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له قال: ارم به فرمى به سعد فوقع السهم في نحر حبان المشرك فوقع مستلقيا حتى تكشف فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال استقاد لها سعد أجاب الله دعوته.
المرأة المسلمة منتقمة:
قالت (أي أم عمارة) وأقبل الرجل الذي ضرب ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ضارب ابنك قالت فأعترض له فأضرب ساقه فبرك قالت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى رأيت نواجذه وقال: استقدت (تأثرك) يا أم عمارة ثم أقبلنا نطعنه بالسلاح حتى أتينا على نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك وأراك ثأرك بعينك.
المرأة المسلمة فدائية:
قالت أم عمارة قد رأيتني وانكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بقي إلا في نفر ما يتمون عشرة وأنا وابناي وزوجي والناس يمرون عنه منهزمين ورآني لا ترس معي فرأى رجلا موليا معه ترس فقال لصاحب الترس ألق ترسك إلى من يقاتل فألقى ترسه فأخذته فجعلت أتترس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقبل رجل على فرس فضربنى وتترست له فلم يصنع سيفه شيئا وولى فأضرب عرقوب فرسه فوقع على ظهره فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح أم عمارة أمك أمك قالت فعاونني عليه حتى أوردته شعوب.
وفي رواية عن أم سعيد بنت سعد بن الربيع تقول: دخلت عليها فقلت لها حدثيني خبرك يوم أحد قالت خرجت أول النهار إلى أحد وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله بالسيف وأرمي بالقوس حتى خلصت إلي الجراح قالت فرأيت على عاتقها جرحا له غور أجوف فقلت يا أم عمارة من أصابك هذا قالت: أقبل ابن تميمة وقد ولى الناس عن رسول الله وهو يصيح دلوني على محمد لا نجوت إن نجا فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه فكنت فيهم فضربني هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله عليه درعان..
المرأة المسلمة مثخنة بالجراح:
كان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت شهدت أحدا تسقي الماء وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان، وكان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها الحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا وكانت تقول (جدة ضمرة) إني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها وكان أعظم جراحها فداوته سنة ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم ولقد مكثنا ليلتنا نكمد الجراح حتى أصبحا فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمراء ما وصل إلى بيته حتى أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها فرجع إليه يخبر بسلامتها فسر لذلك النبي صلى الله عليه وسلم الطبقات ج ٨ / ٤١٣
وسيبقى المسلمون في الأرض يذكرون المرأة الفدائية التي أثخنت في الجراح دفاعا عن رسول الله ولتهنأ أم عبارة بمقامها في عليين فلقد أفاقت من جروحها وهي تسمع رسول الله يدعو لها ولابنيها وزوجها اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة فردد الصوت المفعم بالدم: ما أبالي ما أصابني من الدنيا وستبقى الدنيا كلها ترنو إلى هذه البطولات التي ساهمت في توجيه المعركة من الهزيمة إلى النصر مثلتها أم عمارة الصحابية وغيرت مسيرة التاريخ فلو انتهى المسلمون في أحد لكان للتاريخ شأن آخر.
المرأة المسلمة صابرة صامدة:
وحين تنزل المحنة وتتناثر الجثث وينزف الجرحى ويسقطون بلا ساعد أو عضد أو رجل في هذه الظروف نريد المرأة المسلمة كذلك، هل تقيم النواح في بيتها أربعين يوما؟ أو تجعل عمرها في حداد؟ لنستمع إلى المرأة النموذج في هذه الظروف ومر رسول الله بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نعوا لها قالت فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أروني حتى أنظر إليه فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل (أي صغيرة) ولعمري إن بطولة المرأة الدينارية وتجالدها لا يقل عن بطولة أم عمارة وهي تذود عن رسول الله إنه الارتباط الحي مع الرسول القائد الذي بلغ مرحلة التضحية بالأب والابن والزوج.
المرأة المسلمة والجنة:
وهو الإيمان العميق الذي قدم كل هذه البطولات قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله وهو على فرسه وسعد آخذ بلجامها فقال سعد يا رسول الله أمي فقال مرحبا بها فوقف لها فلما دنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عزاها بابنها عمرو بن معاذ فقالت أما إذا رأيتك سالما فقد اشتويت المصيبة (خفت وضعفت) ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل من قتل بأحد وقال لأم سعد: يا أم سعد أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا وقد شفعوا إلى أهلهم جميعا فقالت
يا رسول الله من يبكى عليهم بعد هذا؟ إنه نفس موقف أم حارثة التي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن ابنها حارثة الذي قتل فقالت يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة فإن كان بالجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء قال يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى
أختي المسلمة
هذا المستوى الذي وصلت لـه المرأة المسلمة لم يكن ليتحقق لولا الإيمان العميق ويكفي أن نضع مقابل هذه النماذج جميعًا نموذج المرأة المشركة وأقصي حد بلغت إليه في أكبر شخصيات المشركات هي هند بنت عتبة.
لقد كانت تشجع على النزال في أحد وأكبر قيم الشرك عندها كي يثبت المقاتلون في النزال هي إثارة الغريزة الجنسية الهابطة فكانت تنشد مع رفيقاتها:
نحن بنات طارق إن تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق والمسك في المفارق
أو تدبروا نفارق فراق غير وامق
ولكنها تعرضت مرتين للخطر حدثنا عنهما الزبير رضى الله عنه قال ثم رأيته (أي أبو دجانة) قد حمل السيف على مفرق هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها ويفسر لنا أبو دجانة ذلك فيقول رأيت إنسانا يحمش الناس حمشا شديدا (أي يهيجهم على القتال) فصمدت له فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة، والمرة الثانية يوم فررن مذعورات من الموت كما يقول الزبير:
والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير فما نراها إذن فارة أو مولولة
إنها هي هي التي قادت النسوة المسلمات لصد هجوم الروم يوم اليرموك بأعمدة الخيام وذلك بعد أن ذاقت حلاوة الإيمان والإسلام..
والبطولة إذن منبعثة من الإيمان
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ (الحجرات:15)
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

