; ملوك الآخرة  (18)- سجداً وقياماً | مجلة المجتمع

العنوان ملوك الآخرة  (18)- سجداً وقياماً

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر السبت 01-أغسطس-2009

مشاهدات 14

نشر في العدد 1863

نشر في الصفحة 55

السبت 01-أغسطس-2009

(*) رئيس جمعية بشائر الخير الكويتية

تناولنا في العدد السابق الصفة الخامسة من صفات عباد الرحمن وهي «قيام الليل»، ونكمل في هذا العدد الحديث عن هذه الصفة العظيمة.

مشغولون عن النوم يعلق سيد قطب يرحمه الله عمل صفة قيام الليل في الآية الكريمة ﴿الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما (14) ﴾ (الفرقان).

فيقول: «والتعبير يبرز من الصلاة السجود والقيام، لتصوير حركة عباد الرحمن، في جنح الليل والناس نيام. فهؤلاء قوم يبيتون لربهم سجداً وقياماً، يتوجهون لربهم وحده ويقومون له وحده، ويسجدون له وحده، هؤلاء قوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ، بما هو أروح منه وأمتع مشغولون بالتوجه إلى ربهم وتعليق أرواحهم وجوارحهم به ينام الناس وهم قائمون ساجدون، ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن ذي الجلال والإكرام (1).

تأسيس القاعدة

لقد كان قيام الليل من أهم الركائز التربوية في تربية جيل التأسيس من الصحابة الكرام فكان واجباً عليهم في بداية الأمر قبل أن يتحول عن الوجوب، وذلك لتأسيس الرعيل الأول تأسيساً متينا يستطيعون من خلاله مواجهة التحديات التي تعترضهم وهم ينشدون بناء الدولة الإسلامية، وتبليغ الدعوة إلى الخلق... لذلك جاء الأمر: ﴿ يَا أَيُّها المزمل (1) قم الليل إلا قليلا (۲) نصفه أو انقص منه قليلا (۳) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا (4) إنا سنلقي عليك قَوْلاً ثَقِيلاً إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقومُ قيلا (5) ﴾ (المزمل)

قال سعيد بن جبير: مكث النبي ﷺ وأصحابه عشر سنين يقومون الليل، فنزل بعد عشر سنين: (إِنَّ رَبَّكَ يعلم أَنَّكَ تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ (20)﴾ (المزمل) فخفف عنه (٢).

ولهذا السبب كان النبي يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، فترق له عائشة رضي الله عنها، وتتساءل: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك؟ فيرد عليها: «أفلا أكون عبداً شكوراً» (۳).

الزاد لتحمل عوائق الطريق

يقول سيد قطب: وإن قيام الليل والناس نيام، والانقطاع عن غبش الحياة اليومية وسفاسفها والاتصال بالله، وتلقي فيضه ونوره والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى، وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري، ولا عبارة، واستقبال إشعاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي.. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل، والعبء الباهظ، والجهد المرير الذي ينتظر الرسول، وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل. (4)

دعاؤه للمعينين عليه

لقد بلغ حب النبي ﷺ واهتمامه بقيام الليل يدعو لمن يعين عليه، ويهتم بإيجاد هذا اللون التربوي بين الناس.

فقد نقل لنا صاحب الرسول ﷺ ومرافقه الصحابي الجليل ربيعة بن كعب الأسلمي حادثة له مع الحبيب المصطفى تساوي عنده الدنيا بحذافيرها؛ حيث قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سل. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذلك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود». (5)

لقد نال هذا الصحابي الجليل صاحب الهمة العالية هذه الجائزة العظيمة بسبب إعانته للنبي لقيام الليل، فلم يجد النبي جائزة أعظم من فتح المجال واسعا لكل ما يتمناه (سل) اطلب ما شئت. هكذا يقدر الرسول ﷺ من يعين على أداء هذه المدرسة التربوية الإيمانية فكيف بمن يؤديها؟

ويدعو لابن عباس

لا يعلم الكثير سبب دعاء الرسول ﷺ المشهور لابن عباس: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (٦)، ولكن ابن عباس يذكر لنا السبب وراء هذا الدعاء، حيث يقول: «إن رسول الله كان في بيت ميمونة، فوضعت له وضوءاً من الليل. قال: فقالت ميمونة يا رسول الله وضع لك هذا عبد الله بن عباس فقال: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل». (7) إذا كان هذا الدعاء مكافأة لابن عباس لاهتمامه بهذه العبادة التربوية، وتهيئتها للنبي .

بل يدعو للبهائم

وليس البشر فحسب، بل يكافئ البهيمة التي تعينه على هذه العبادة العظيمة، ويقدر لها صنيعها، لما لهذه العبادة من المنزلة، فقد جاء في سنن أبي داود قوله : لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة (8) . يقول الإمام المناوي: أي قيام الليل بصياحه فيه، ومن أعان على طاعة يستحق المدح لا الذم. قال الحليمي: فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب، ولا يستهان به، بل حقه الإكرام والشكر وتلقي الإحسان ).9)

المراجع

(1)  في ظلال القرآن ٢٥٧٨/٥ ط. الرسالة.

(۲) تفسير القرطبي ٦٨٢٦/١٠ ط. دار الثقافة.

(۳) البخاري: الفتح (۱۱۳۰۳) واللفظ له ومسلم (۲۸۱۹).

(٤) في ظلال القرآن ٣٧٤٥/٦

(5) رواه مسلم.

(٦) رواه البخاري الفتح رقم ٣٧٥٦»، وزيادة وعلمه التأويل في مسند الإمام أحمد

(۷) مسند الإمام أحمد ۳۲۸/۱

(۸) رواه أبو داود وصححه الألباني (ص ج ص ٧٣١٤).

(۹) فيض القدير ۳٩٩/٦ ط. دار المعرفة.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

دروس من الهجــرة وما سبقها

نشر في العدد 1

767

الثلاثاء 17-مارس-1970

يوميات المجتمع - العدد 10

نشر في العدد 10

36

الثلاثاء 19-مايو-1970

النصر الأعظم

نشر في العدد 10

32

الثلاثاء 19-مايو-1970