; الثورة الفلسطينية على حافة المستقبل | مجلة المجتمع

العنوان الثورة الفلسطينية على حافة المستقبل

الكاتب محمد عبد الهادي

تاريخ النشر الثلاثاء 10-أغسطس-1982

مشاهدات 21

نشر في العدد 582

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 10-أغسطس-1982

  • مقاومة الفلسطينيين الباسلة لن تمنع شارون من قصف بيروت.
  • الثورة تعيش مرحلة بين المرحلتين «السلام.. والحرب».
  • الفلسطينيون ما زالوا رافعين غصن الزيتون تحت قذائف اليهود وحممهم.
  • المنظمة معرضة للانقسام ومحور دمشق – طرابلس يغذي ذلك.
  • وثيقة عرفات شكلت منعطفًا جديدًا في طريق الثورة الفلسطينية.
  • الاختيار اليهودي مؤيد أمريكيًا، ويقضي باستهداف شرق الأردن.

 ماذا عن الثورة الفلسطينية؟ وماذا عن مقاومة إخواننا أبناء فلسطين المغتصبة؟ وماذا أيضًا عن منظمة التحرير الفلسطينية؟ وماذا عن المستقبل إزاء تلكم التساؤلات جميعًا؟ وكيف ستدور الدائرة وعلى من تدور؟ وأين سيكون المخاض العسر والولادة المجهولة؟

 إن مستقبل الثورة الفلسطينية -باعتقاد معظم المراقبين السياسيين- يمر اليوم في أخطر مراحله، ومن أضيق بوابات العبور، تكتنفه عوامل عديدة جدًا، وعقد متشابكة جدًا، وأطراف كثيرًا ما خلطت مواقفها بالثورة الفلسطينية لتخرج بها عن الجادة.. ولتصب -ومن ثم- الزيت عليها بغية الخلاص منها.. وإلى الأبد!!

 وإذا كان مستقبل الثورة الفلسطينية يعبر أخطر المراحل في حياة منظمة التحرير، فإن هوية ذلك المستقبل ما زالت في مرحلة الرسم الأخيرة وسط تشابك المبادرات، واختلاف الرغبات والإرادات،‏ ‏وتعدد العوامل السياسية والإستراتيجية، فضلًا عن المواقف الدولية المعلنة وغير المعلنة.

‏مرحلة بين المرحلتين:

‏ لعل الثورة الفلسطينية التي تقودها منظمة ‏التحرير خارج فلسطين وداخلها.. في لبنان وفي ‏الضفة الغربية وغزة، وضعت مضطرة في مرحلة حرجة جدًا بين مرحلتي السلام والحرب، فعلى الرغم من أن منظمة التحرير وجدت لتقود الثورة الفلسطينية، فإن الزاوية الحادة التي تعيشها المنظمة اليوم جعلتها أقرب إلى المعلق في الهواء للأسباب الآتية:

1- اتسام الموقف العربي الجماعي بالسلبية الكاملة تجاه العمل الثوري ‏الفلسطيني، وملخص الموقف العربي واضح جدًا في إعلان الجامعة العربية بعد الحصار الإسرائيلي لبيروت عن مشروع ذي «6» نقاط، ترمي إلى إجلاء منظمة التحرير ومقاتليها عن بيروت. هذا الموقف الجماعي للعرب جعل ‏صحيفة «التايم»‏ الأمريكية تقول: «إنها المرة الأولى التي يعترف فيها العالم ‏العربي بمسؤوليته الجماعية، عن إخلاء بيروت من المقاتلين الفلسطينيين».

‎٢-‏ خذلان الأصدقاء الدوليين المزيفين «الروس والمعسكر الشرقي» للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، خذلانًا تامًا من الناحيتين السياسية - والعسكرية: وقد أعلن قادة منظمة التحرير مواقف الخذلان تلك من مختلف المنابر العالمية للإعلام.

‎3-‏ القدرة الإسرائيلية العسكرية المتفوقة آلاف المرات، على القدرة القتالية للثورة الفلسطينية.

 مع‏ حداثة الأسلحة الإسرائيلية وكثافتها في كل من لبنان والضفة والقطاع.

‏ لهذه الأسباب مجتمعة، بدأ العمل الفلسطيني -قبل أحداث لبنان الأخيرة- برفع الراية السياسية، لكن أحداث لبنان وحصار بيروت وقصفها الموجع أخيرًا، وضع الثورة الفلسطينية في مواقع سجلها التاريخ على الأنظمة العربية، ولا سيما أنظمة الصمود والتصدي التي تطالب الثورة الفلسطينية بالانسحاب تارة، وبالانتحار تارة أخرى، وبمواجهة طائرات الصهاينة بالصدور أيضًا.

 هنا أقدم الفلسطينيون مرة أخرى على حمل البندقية بيد، وغصن الزيتون في اليد الأخرى، من خلال وثيقة ياسر عرفات أمام وفد الكونغرس الأمريكي قبل أسبوعين.

وثيقة عرفات:

 إثر الضغط العسكري - الإرهابي المفجع على القسم الغربي من بيروت المنهدمة، أصدر رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وثيقته التي تناقلتها وكالات الأنباء قبل أسبوعين، أكد فيها على موافقته على «كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية».

 هذا الخيار جعل قادة منظمة التحرير يبحثون مضطرين عن حل يخرج بيروت الغربية من مأزقها، ولو كان ذلك في تقديم تنازل جديد عن حقوقهم ومواقفهم السياسية السابقة، ليقتربوا من ثم إلى المشاريع السلمية في خطوة نوعية ليست في حسبان المقاتلين من شباب المقاومة الفلسطينية.

  • إن هذا التنازل السياسي لإنقاذ ما يزيد على «100»‏ ألف لبناني وفلسطيني، جعل النائب الأمريكي بول ماكلوسكي يقرر حقيقة هي «أن ياسر عرفات اعترف بوجود إسرائيل، ومن الضروري أن يكون هذا الاعتراف متبادلًا، وهو يريد بلدًا وجواز سفر فلسطينيًا».
  • ووثيقة عرفات السياسية جعلت ممثل منظمة التحرير في جنيف -وهو السيد داود بركات- يقول:

‏«إن القرار رقم ‎١٨١‏ الصادر عام ‎١٩٤٧‏ عن الاأمم المتحدة، هو أكثر أهمية من القرار رقم ‎٢٤٢‏ الصادر عام ‎١٩٦٧‏، ويوصي القرار الأول بتقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة لليهود والثانية للعرب».

 ويعتقد قادة المنظمة أن واقع القبول بمشروعية الوجود اليهودي لم يكن لولا الظرف العربي القاهر، الذي يعكس كل سلبياته على مسيرة الثورة الفلسطينية وقدراتها وسياساتها.

‏ على أن الوثيقة التي قوبلت برفض إسرائيلي - أمريكي مشترك على أنها مناورة ذكية لكسب الوقت، فإن ردود الفعل العربية شجعت قيادة منظمة التحرير على المسلك الجديد. ويعتقد المراقبون أن تعليق حسني مبارك حاكم مصر على الوثيقة، يعبر عن موقف يسلك معظم العواصم العربية، فقد اعتبر مبارك الوثيقة بأنها «خطوة في الطريق السليم من أجل حل سلمي للصراع في الشرق الأوسط»، وقد انفرد القذافي الذي دعا المقاومة وقادتها إلى الانتحار، بنقد الوثيقة مزاودًا على الأنظمة على اعتبار الوثيقة تخلت عن المسألة الفلسطينية.

‏ ويعتبر الموقف العربي من الوثيقة تأثيرًا مباشرًا على خيارات الثورة الفلسطينية في المواجهة، وهذا سيؤدي بالتالي إلى أمرين ‏أساسيين، يوجهان عمل منظمة التحرير من خلال عواصم عربية معروفة، وهما:

‎1- التحول من المقاومة العسكرية إلى العمل السياسي.

‎٢- القبول بمبدأ المصالحة وعقد اتفاقية سلام مع الحكومة اليهودية.

‏ وعلى ذلك فإن المراقب المسلم لا بد وأن يستشعر حجم المؤامرة التي ساهمت بها بعض الأنظمة العربية، وبأساليب مختلفة لتحويل المقاومة الفلسطينية إلى هيكل سياسي أجوف.

الاختيار اليهودي:

 أعلنت الحكومة اليهودية عن رفضها لوثيقة ياسر عرفات السلمية.. كذلك رفض البيت الأبيض تلك الوثيقة مؤيدًا القول الإسرائيلي بإن الوثيقة مناورة لكسب بعض الوقت.

 وكان أن أصر البيت الأبيض على مقترحات المبعوث الأمريكي «فيليب حبيب»، والتي ترضي ‎السياسة الإسرائيلية، ولا سيما مقترحات المرحلة للحل وهي:

‎١‏- تمركز قوات متعددة الجنسيات على رأسها الولايات المتحدة في منطقة بيروت الغربية، حيث يوجد المقاتلون الفلسطينيون تحت الحصار منذ أكثر من شهر.

‎٢‏- انسحاب الفلسطينيين مبدئيًا من مخيماتهم ومواقعهم من بيروت وجنوبها، مع ترحيل الفدائيين الفلسطينيين عن طريق البحر.

3- يقوم الجيش اللبناني بجمع الأسلحة من الفلسطينيين وأبناء الشعب اللبناني.

‎4-‏ العمل على توطين الفلسطينيين خارج لبنان ومنع عودتهم إليه، وإذا كانت المرحلة الأولى من الحل الأمريكي تتعلق بالوجود الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية اللبنانية المشتركة، فإن الحكومة اليهودية حددت اختيارها ملخصًا بإخراج الفلسطينيين من لبنان، وتوطينهم في الأردن تمهيدًا -كما يتصور القادة الصهاينة- لإسقاط حكم الملك حسين، وجعل الأردن بلدًا فلسطينيًا، فهي -برأيهم- النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ومن ثم النزاع العربي - الإسرائيلي.

 ‏وفيما إذا لم تتمكن المفاوضات والمبادرات من تحقيق الاختيار اليهودي، فإن الحكومة الإسرائيلية ستواصل مهمة التدمير لبيروت، ومن ثم تصفية المقاومة وحاملي السلاح في بيروت الغربية، لإنهاء المسألة الفلسطينية بالقوة. وقد عبر بيغن عن الهدف اليهودي في بيروت بالقول: «إن هدفنا هو تدمير المنظمة»، أما المراقبون الغربيون فقد أشاروا تعقيبًا عن نية «بيغن» قائلين: «إن‏ ما يجري في لبنان هو إبادة منظمة للشعب الفلسطيني»‏.

‏الفلسطينيون وخيار الرحيل:

‏ مما سبق يتحسس المراقب أن الوجود الفلسطيني في بيروت بات من نوع المستحيلات، فإما الموت تحت القذائف والأنقاض إذا ما أقدم الإسرائيليون على هدم بيروت الغربية، وإما الرحيل.

‏ هذه هي الدائرة الضيقة التي تعتبر الشغل الشاغل لقادة الثورة الفلسطينية، وإذا كان الأمر كذلك، فإن الهجمة الإسرائيلية الشرسة مقبلة على تحقيق الخطوة الثانية بعد إخلاء الجنوب اللبناني من المقاومة، وهي إنهاء المقاومة نهائيًا في بيروت، ومن ثم لبنان كله، وبهذا يكون الفلسطينيون أيضًا قد وضعوا أمام خيارين لا ثالث لهما: الموت أو الرحيل على مرأى جميع الأنظمة العربية المزاودة. وإذا كان موضوع الرحيل هو الاحتمال الأول بعد أن درجت، ومنذ الأسبوع الماضي قوات الغزو الإسرائيلي على تدمير بيروت حيًا حيًا، فإن قادة منظمة التحرير ورجالاتها أبانوا عن استعدادهم للرحيل، ولا سيما بعد أن تقدمت الجامعة العربية بمشروع حول ‏موضوع الرحيل.

  • ‏يقول فاروق قدومي: «إن المقاومة تقبل الرحيل من بيروت، شريطة تأمين خروج المقاتلين وتأمين حياة اللاجئين في لبنان أيضًا.
  • نقلت‏ بعض وكالات الإعلام أنه تم تنظيم خطة الترحيل، وقد أعدها جوني عبده «رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش اللبناني»، وهاني الحسن «مستشار ياسر عرفات السياسي».
  • أعلنت بعض الصحف الغربية أن منظمة التحرير قبلت الرحيل، مقابل السماح لألف من المقاتلين الفلسطينيين بالإقامة في طرابلس، لأنهم من مواليد لبنان وهم بلا هوية.

‏الانقسام احتمال وارد:

‏ إن موقف قيادة منظمة التحرير من معركة بيروت، لا يمكن أن يؤخذ من قبل القواعد المقاتلة وأبناء الفلسطينيين في الخارج بالتصفيق الكامل وعين الرضا الكلية. ولا سيما أن هناك محورًا في العالم العربي يحاول استغلال الشباب الفلسطيني واستغلال ظروفه لتحقيق مأربه، فسوريا تحاول وفي وسط أي ظرف للفلسطينيين، أن تضم المزيد من أبناء هذا الشعب المشرد إلى منظمة الصاعقة التي تتبناها، والقذافي يفعل الفعل نفسه، ويقيم هؤلاء مواقفهم على أساس من تناقضات ثورية داخل صفوف المقاومة الفلسطينية، ومن هنا فإن أحد قادة المنظمة اليساريين الذين يتبنون وجهة النظر السورية قال لجريدة الوطن يوم 31/ 7/ 1982:

«إن‏ تصريحات حسني مبارك الأخيرة عن أن منظمة التحرير يجب أن يكون لها وجود سياسي في بيروت، كانت ذات أهمية كبيرة لسياسته.. وإذا ما خرجنا من لبنان فلن توجد برأيي منظمة تحرير فلسطينية بل منظمتان: واحدة سوفياتية سورية مقرها في دمشق، وأخرى «مصرية» مقرها القاهرة.. ويضيف:

هنالك خطران: الأول هو أن نضيع في التفاوض ومحاولة كسب الوقت وتقدير ميزان القوى.

 والخطر الثاني هو أن يشن شارون هجمة صاعقة على بيروت، لأنه لا يرغب أن يعطينا الأمريكيون مكانًا على الطاولة.

 وخلال حديث هذا المسؤول المتعاطف مع دمشق، يتناسى موقف العاصمة السورية من الحرب الدائرة اليوم في لبنان، ويتناسى أيضًا أن هناك حلفًا إستراتيجيًا بين السوريين والفلسطينيين، بينما يصب جام غضبه على قادة المنظمة بالقول: «إنهم‏ لاعبو بوكر».

ما هي النهاية:

 مما سبق يتضح أن قادة الثورة الفلسطينية أمسكوا بالورقة العسكرية أمدًا طويلًا، لكنهم وسط الظروف الحالية للأمة العربية وقفوا أمام مفترق الطرق.. وهم اليوم أمام خيارين أحلاهما مر: الانسحاب أو الموت.

‏ وإذا كان الموقف السياسي للأنظمة العربية يعمل على جميع محاوره لجر المنظمة إلى الحل السلمي، فإن من الاحتمالات الواردة:

1‏- أن ينسحب المقاتلون الفلسطينيون من بيروت، ومن ثم يخلو لبنان تدريجيًا للعبة إسرائيل والأنظمة الراغبة في السلام.

‏2- أن تتحول المقاومة المسلحة إلى هياكل سياسية وديبلوماسية لا حول لها ولا طول.

3‏- أن يزاود بعض العرب على بعض ‏مستغلين القرارات الفلسطينية ومبادراتهم ووثائقهم وخروجهم من بيروت.

‎٤‏- أن يعمل البعض على قسم منظمة التحرير إلى فئات متعددة واتجاهات متناقضة.

5‏- أن تخلو الساحة للعدو الصهيوني في لبنان.. ليكتمل السيناريو بدخول القوات ‏الدولية التي ستكرس التقسيم كما أشار ميشال دوبريه «رئيس وزراء لبنان الأسبق».

‎٦‏- أن يحصل تغيير جزئي لبعض قادة منظمة التحرير الحالية.

‎٧‏- أن يتأثر العمل الفدائي الفلسطيني داخل الأرض المحتلة، وقد يصاب بالشلل النهائي لدى أية مبادرة جديدة تشمل الرموز الفلسطينية في الخارج.

‎٨‏- أن ينشط الدور المصري باعتباره مؤهلًا لمتابعة سياسة كامب ديفيد، في تحويل الرؤية الفلسطينية بما يتناسب ومرحلة الاستسلام والصلح القادمة.

 وهكذا فإن المقاومة الفلسطينية التي لعبت بها أيدي الأنظمة العربية العابثة مدة طويلة من الزمن، تواجه خيانات أشقاء الأمس، وأصدقاء الماضي الملوث الذين شطبوا عبارة «الصديق في وقت الضيق» من قواميسهم.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 1

807

الثلاثاء 17-مارس-1970