; التقسيم الموضوعي للجرائم | مجلة المجتمع

العنوان التقسيم الموضوعي للجرائم

الكاتب الدكتور توفيق الشاوي

تاريخ النشر السبت 05-مايو-2001

مشاهدات 13

نشر في العدد 1449

نشر في الصفحة 41

السبت 05-مايو-2001

 

أفاض الشهيد عبد القادر عودة في عرض تقسيمات الجرائم ليثبت أن ما توصل له شراح القانون الوضعي قد توافرت عناصره في فقهنا، وإن كان فقهاؤنا قد اكتفوا بالتفرقة بين الجرائم التي لها عقوبة مقدرة بنص شرعي -وغير ذلك مما يستحق التعزير-.

وفي أن التفرقة بين هذين القسمين لا ترجع إلى نوع العقوبة -كما يظن الكثيرون-وإنما ترجع إلى أن الحقوق المعتدى عليها في النوع الأول «جرائم الحدود بصفة عامة- القصاص والدية» هي من الحقوق الأساسية للفرد والمجتمع، التي أراد المشرع الحكيم أن يعطيها حماية وحرمة خاصة ولذلك سميناه التقسيم الموضوعي للجرائم.

في رأينا أن المشرع عندما اكتفى بالنص على عقوبة تلك الجرائم فذلك ليستنبط منها الفقه نظريات تساعده في تحديد الأفعال التي تستحق التعزير، لأنها تتضمن تهديدًا للحرمات التي نعتبرها أصولًا ثابتة في المجتمع الصالح.

 

(*) أستاذ القانون الدولي والفقه الجنائي

ولما كان التعزير من خصائص الشريعة الإسلامية التي أرادت أن يلتزم المجتمع بواسطة علمائه ومفكريه بالمساهمة في تجريم الأفعال الضارة به، ولا يوجد في القوانين الوضعية ما يقابل التعزير عندنا، لذلك فإن هذا التقسيم الموضوعي هو من خصائص الفقه الإسلامي.

وقد لاحظت أن فقهاءنا بدأوا السير في هذا الطريق باستنباط مقاصد الشريعة الخمسة من النصوص التي قررت عقوبات مقدرة لحماية حرمة النفس والجسم الإنساني «في القصاص» وحرمة الدين والعقل والعرض والشرف والمال «بتقرير حدود الردة والسرقة والحرابة والشرب والزنى والقذف».

ونحن نلاحظ أن هذه الأصول أو الثوابت لا يقف دورها عند تجريم الأفعال التي قرر لها المشرع الحكيم عقوبات مقدرة في الكتاب والسنة، بل إنه أساس ما سماه الشهيد عودة بالنظريات التي يتولى الفقه استنباط أحكام التعازير في إطارها، وإن كان هذا الاستنباط غير مباشر، ونقصد بذلك أن الاجتهاد هو الذي يستنبط من النظريات تجريم الأفعال التي تستحق التعزير بأنواعه المختلفة، ولكن بطريقة أكثر مرونة يستخدم فيه قياسًا أوسع مما تكلم عنه أسلافنا عندما أجازوا قياس فعل لا نص بشأنه على فعل آخر وردت بشأنه عقوبة مقدرة.

هذا القياس الواسع يقصد به الاستناد إلى المقاصد الشرعية التي تستنبط من الأحكام التكليفية والنصوص المقررة لعقوبات مقدرة حدًا أو قصاصًا، فهو لا يقف عند حد التجريم الذي يوجبه اتحاد العلة «في القياس الضيق» وإنما يتجاوزه إلى المقصد الشرعي الذي هو أوسع نطاقًا من علة النص، فحرمة المال مثلًا هي أساس العقوبة الحدية للسرقة، وما يضاف إليها من أفعال مشتركة معها في العدوان على مال الغير -يمكن فرض جزاء على أفعال فيها عدوان على حرمة المال، مثل خيانة الأمانة والنصب وإصدار شيك دون رصيد، أو حريق أو إتلاف، وكل ما يستحدث من اعتداء على حرمة المال.

وكذلك حرمة العرض وحماية النسب، التي استوجبت عقوبات مقدرة في القرآن الكريم لجرائم الزنى والقذف. ويرشد الفقه إلى استنباط التعزير لأفعال كثيرة يتوافر فيها هذا «المقصد الشرعي» مثل الأفعال المخلة بالحياء وهتك العرض، أما قذف المحصنات المعاقب عليه حدًا بنص في القرآن الكريم، فإن الفقه يستنبط منه وجوب التعزير على جرائم الاعتداء على الشرف عمومًا كالسب والقذف لغير المحصنات وهكذا.

وحد شرب الخمر قاسوا عليه فعلًا التعزير على تناول المخدرات والاتجار فيها، أما القصاص في جرائم العدوان على حياة الإنسان وسلامة بدنه، فإنها توجب على الفقه والقضاء أن يقرر التعزير على كل فعل يضر بشخص الإنسان وسلامة بدنه ولو لم تتوافر فيه شروط الجرائم التي تستوجب القصاص.

 

الرابط المختصر :