العنوان الرَّحمة
الكاتب الشيخ محمد علي
تاريخ النشر الثلاثاء 28-فبراير-1978
مشاهدات 17
نشر في العدد 388
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 28-فبراير-1978
يقول الله تبارك وتعالى في وصف النبي- صلى الله عليه وسلم- في وصف صفاته وفي وصف رسالته. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء:107) كلمة جامعة مانعة تصف النبي- صلى الله عليه وسلم- وتصف رسالته بأوجز عبارة وأبلغ لفظ يؤدي المعنى القليل بألفاظ قليلة.
لو نظرت إلى معاني الرحمة في القرآن ولو تتبعت ألفاظ الرحمة في القرآن وما اشتق من لفظ الرحمة، لوجدت في القرآن مئات الألفاظ لمادة الرحمة، الراء، الحاء، الميم، الهاء، لوجدت في القرآن فقط ما يزيد على ثمانين آية.
من ذلك قول الله-تبارك وتعالى- ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء:107) وقوله- تعالى- ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ ﴾ (آل عمران:159) وقول الله- تبارك وتعالى- ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ (التوبة:128) وقول الله-تبارك وتعالى- ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ (الفتح:29) ولا يستغرب ذلك، فالقرآن الكريم في أول آية منه بعد اسم الله- تبارك وتعالى- بدأ بمعاني الرحمة.
﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾ ونجد الرحمة جاءت على صيغتين صيغة على وزن فعلان «الرحمن» وصيغة على وزن تفعيل «الرحيم»، وكلا الصفتين من صفات المبالغة، إلا أن صفات المبالغة تختلف في عموم المعنى وخصوصه، ويقول العلماء في معنى ذلك معنى لطيفًا، يقولون إن الرحمن في اللفظ الأول من الرحمة صفة شاملة تشمل الناس في حياتهم الدنيا والآخرة، وتشمل المسلم بينهم والكافر وتشمل الصغير والكبير وتشمل الصالح والطالح.
ولكن الرحيم صفة خاصة لا تنطبق إلا على المؤمنين في الدنيا والآخرة. ولذلك بدأ الله- تبارك وتعالى- بقوله ﴿بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ﴾.
وعندما نفتش في الآية الكريمة ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء:107) نجد فيها معاني واسعة تحتاج إلى وقفات ووقفات وما نتكلم فيه الآن ما هو إلا نبذة مختصرة عن معنى الرحمة في الإسلام. الرحمة التي جاء بها رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم.
- رحمة في شخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولذلك عندما كان يصلي الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومن عادته أنه يحب الإطالة في الصلاة «جعلت قرة عيني في الصلاة» ويسمع بكاء طفل فيخفف صلاته خوفًا من انشغال أم الطفل على طفلها. هذا نوع من الرحمة.
وعندما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيما معناه «دخلت امرأة النار بسبب هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من رزق الله».. ما ذلك يا أخي المسلم إلا فيض من قلب الرسول الرحيم محمد صلى الله عليه وسلم.
وتذكر معي عندما يخاطب الرسول- صلى الله عليه وسلم- صحابيًّا جليلًا له قدم وقدم في الإسلام، بلال رضي الله عنه يأتي بأسيرين في موقعة من المواقع الحربية يقال إنها غزوة بدر، فيمر بهما على قتلاهما فيقول له يا بلال «ولم مررت بهما على قتلاهما؟ أنزعت الرحمة من قلبك يا بلال؟».
وعندما يحدثنا النبي- صلى الله عليه وسلم- عن امرأة زانية دخلت الجنة بسبب صفة من الرحمة تجلت فيها، وجدت كلبًا يلهث الثرى من شدة العطش، فنزلت فملأت له ماء فسقت الكلب فشكر الله لها فغفر لها.
- رحمة في التشريع والتنظيم: وكون الإسلام حد بقتل القاتل وقطع يد السارق ورجم الزاني وإلى آخره فهذا يمثل قمة الرحمة؛ لأنه عندما يطبق الحد على السارق مثلًا يرتدع الباقي حتى لا تسول له نفسه، وفي هذا رحمة بالمسلمين وبالمجتمع الإسلامي، وقس على ذلك كل تشريع جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- وأمر به الإسلام فإن به رحمة.
والأيام والعلم يقرّان ما جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- وكل جزئية جاء بها الإسلام لا تتعارض مع العلم أبدًا. جاء الإسلام وقال الخمر حرام وأثبت العلم ذلك، وجاء الإسلام وقال الزنى حرام وأثبت العلم ذلك، وجاء الإسلام وقال لا تقربوا النساء في المحيض وأثبت العلم ذلك. وحتى الجزئيات الصغيرة فقد قرأت بحثًا لأحد العلماء الأمريكان حول السواك ويقول إن السواك خير عشرات المرات من الفرشاة والمعجون وفيه كذا وفيه كذا، حتى إنه يقول إن في خشب الأراك أي السواك مادة يصنع منها الأسبرين، فالذي يستخدم ويداوم على السواك لا يصيبه الصداع.
هذا هو تشريع الرحمة ورسول الرحمة رحمة في خلقه ورحمة في صفاته ورحمة في التشريع الذي جاء به.
- رحمة في الدعوة.
عندما تقوم أمة الإسلام وتدعو الآخرين إلى الإسلام ففي ذلك رحمة لأن انتشار الضوء على هذه الأرض رحمة، والإسلام ضوء رحماني والناس في أمسّ الحاجة إلى الإسلام الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- ولا غرابة في ذلك عندما يقول أحد المستشرقين إن عالمنا اليوم في أمسّ الحاجة إلى رجل مصلح ومجدد يخرج الناس من ظلمات المادة مثل محمد صلى الله عليه وسلم.
وعندما ندعو الناس ويقفون في وجهنا من صهيونية وصليبية عالمية متآمرة، شرع الإسلام القتال كوسيلة أخيرة من وسائل الدعوة.
وفي القتال رحمة وفي إزهاق الروح رحمة، نعم في إزهاق الروح رحمة.. اقرأ قول النبي- صلى الله عليه وسلم- «أنا نبي المرحمة ونبي الملحمة»، ويجمع النبي- صلى الله عليه وسلم- بين المرحمة وبين الملحمة وهي القتال وإزهاق الروح؛ لأن في إزهاق الروح في الحق دعوة إلى الحق وسبب في انتشار الحق إلى الناس، ليعيد الناس للحق وليدينوا بأوامر الحق وليتبعوا نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولذلك وجب الجهاد على الأمة المسلمة ويوم تترك الأمة المسلمة الجهاد يضرب الله عليها الذلة إلى يوم القيامة.
أيها المسلمون إن الكثير من في عالمنا يعتقدون أن الإسلام دين يتعبد به الإنسان لربه داخل مسجده أو معبده فقط وهذا فهم خاطئ وقاصر، وهو فهم كنسي حاول أعداؤنا أن يدخلوه في مجتمعنا تحت قاعدة تقول: فصل الدين عن الدنيا فرع ما لله لله وما لقيصر لقيصر، فإن كان ذلك عندهم فليس ذلك موجودًا في الإسلام.
لذلك علينا أن نعيد فهمنا للإسلام. فنفهم الإسلام فهمًا دقيقًا يقوم على أساس أن الإسلام هو الرسالة الشاملة الكاملة المنظمة لحياة الفرد ولحياة الجماعة ولحياة الشعوب ولحياة الأمة الإسلامية، بل إنها الرحمة المهداة إلى العالم أجمع.
ونحن وعالمنا اليوم عبارة اليوم عبارة عن مجموعة من الذئاب تعيش في غابة لا يعترف فيها بقيمة ولا يعترف فيها بفضيلة إنما الغلبة للأقوى. والغلبة لمن بيده السلاح والفتك.. هذا هو عالمنا.
حتى إن قوانين الأمم المتحدة تخلو من الاعتراف بالفضيلة والقيم.
ونحن الأمة الإسلامية الآن في أمسّ الحاجة إلى الرجوع إلى ديننا ولا يمكن أن يعرف الناس ديننا إلا عن طريقنا نحن، فعندما نفهم الإسلام فهمًا صحيحًا ونطبقه تطبيقًا واعيًا يعرف الناس أن عندنا نظامًا وأن عندنا دينًا وأن عندنا قيمًا جديرة بأن يقتبس الناس منها وأن يتلمسوا الغير من خلالها. أقول قولي هذا وأسأل الله العلي القدير أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والرضوان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل