; تحرير فلسطين... واجب على كل المسلمين | مجلة المجتمع

العنوان تحرير فلسطين... واجب على كل المسلمين

الكاتب أ.د. عجيل جاسم النشمي

تاريخ النشر الثلاثاء 15-أبريل-1997

مشاهدات 19

نشر في العدد 1246

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 15-أبريل-1997

  • واجب حكام المسلمين أن يقطعوا العلاقات السياسية والاقتصادية مع العدو التاريخي للإسلام والممول الرئيسي لآلة الحرب
  • إن ظروف الحرب في فلسطين والقدس قد دخلت مرحلة الوجوب العيني، وعلى كل مسلم - أن يناصرهم ويجاهد معهم.
  • الشاب الذي يقتل نفسه بحزام ناسف أو سيارة، وكان قصده إعلاء كلمة الله لا يعد منتحرا بل يعد شهيدا إن شاء الله.

إن قضية فلسطين، هي قضية المسلمين، وقضية القدس هي القضية المركزية للمسلمين، ولقد فرط المسلمون بقضية فلسطين طوال تاريخهم الحديث بعد سقوط الدولة العثمانية، وقضية فلسطين قضية شرعية بالدرجة الأولى، وينبغي أن تكون كذلك بحيث لا تطغى عليها الجوانب السياسية، ولقد حاول الاستعمار واليهودية والصهيونية أن يجعلوا منها قضية سياسية بالدرجة الأولى، وقد كان لهم ما أرادوا. ونعقد هذه الندوة لغايات شرعية يتعين على المسلم إدراك أحكامها وأبعادها وآثارها على واقع الأمة المسلمة، وهذه الأسباب أو الغايات هي: أولا تحمل مسؤولية الكلمة وأمانتها بتبليغ دعوة الله وهديه وإبراء الذمة، والوفاء بالعهد الذي أخذه الله – تعالى - على عباده، قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولاً﴾ (الأحزاب -72)، ولأخذ الله العهد على العلماء ألا يكتموا علمًا شرعيًّا واجب البيان.

قال تعالى محذرًا: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِى ٱلْكِتَٰبِ ۙ أُوْلَٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا۟ وَأَصْلَحُوا۟ وَبَيَّنُوا۟ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾ (البقرة: ١٥٩-١٦٠)

روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدًا شيئًا  ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ﴾ (البقرة: 159) الآية، وفي الحديث: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار»، أخرجه أبو داود والترمذي.

ثانيًا: تبصير المسلمين بواجب النصرة لإخوانهم وأخواتهم المسلمين والمسلمات في فلسطين، فقد بلغ بهم الحال من أمد ما يوجب النصرة التي يلحق المسلم الإثم في التقصير فيها.

ثالثًا: حث حكام المسلمين خاصة وشعوبهم بعامة على القيام بواجبهم كما تقتضيه نصوص الشرع الحنيف وبالقدر الذي يرفع الإثم والمسؤولية الشرعية عنهم، وتنبيه حكام المسلمين بذلك لئلا تحدث الفجوة أو تتسع بينهم وبين شعوبهم المسلمة؛ نتيجة ما حدث من مواقف متهاونة أو متخاذلة أو متواضعة فيما ينبغي أن يكون موقفهم موقف النصرة من قضايا المسلمين عامة، وقضية فلسطين خاصة.

الجهاد مع أهل فلسطين فرض عين:

إن ظروف الحرب التي تدور رحاها في فلسطين والقدس منذ سنوات قد دخلت منذ أمد مرحلة الوجوب العيني على كل مسلم أن يناصرهم ويجاهد معهم، فقد دوهمت أرضهم، وانتهكت حرماتهم، وأخرجوا من ديارهم، وقد تقرر فقها أن الجهاد في أصله فرض على الكفاية، بمعنى أنه

مطلوب من الأمة كلها لكن إذا قام به البعض ممن يكفي في صد العدو سقط الإثم عن الباقين، فإن لم يقم به أحد أثم الجميع بترك الجهاد، ولذلك قرر الفقهاء أن لو سبيت امرأة في المشرق وجب على أهل المغرب نصرتها، وقد يصبح الجهاد فرض عين، وذلك إذا دخل العدو أرضا إسلامية، فيجب حينئذ على كل المسلمين النصرة والجهاد، فإن أي جزء في البلاد الإسلامية لكل مسلم حق شائع فيه، ولا يعتبر بعد البلاد عن الأرض المنتهكة عذرًا يسقط الجهاد، بل حكم البلاد الإسلامية المجاورة والبعيدة سواء، لكن الأولوية في النصرة للبلاد المجاورة، ويحمل السلاح حينئذ كل قادر على حمله، ومن لم يستطع حمل السلاح أو حال بعد البلاد، وظروف الحرب ذهابه، فيجب عليه النصرة بكل ما يستطيع، ومن استطاع الجهاد بالنفس وأمكنه ذلك لا يسعه الجهاد بما هو دونه، ويكون الجهاد بالمال واللسان والقلم لمن لم يستطع الجهاد بنفسه، والجهاد بالمال له أولوية ودور عظيم في نصرة المجاهدين؛ لأنه سبب في تزويدهم بكل ما يحتاجون من عتاد وزاد، ولذلك تكرر تقديم الجهاد بالمال على النفس في أكثر من موضع:

فقال تعالى: ﴿وَجَٰهِدُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ﴾«التوبة: ٤١»، وقال صلوات الله وسلامه عليه: «من جهز غازيًا فقد غزا».

ومن يتخلف عن النصرة والجهاد وهو عليه قادر بأي نوع من العون والبذل، فيخشى أن يكون على شعبة من النفاق والعياذ بالله، ويشمله حكم المتخاذلين المتخلفين عن الجهاد الذين قال الله فيهم: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ(81)  فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (التوبة: ۸۱ – 82).

وأشد نفاقًا وفكرًا أولئك الذين يوالون الأعداء، ولا يقطعون صلاتهم بهم، أو يثبطون المؤمنين عن الجهاد، ويشمل الحكم موالاة من يدعم الكفار ويقوى شوكتهم على المسلمين.

قال تعالى: ﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ (آل عمران: 28) 

ويقول تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (المجادلة: ۲۲)  

والذي يتخلف عن الجهاد مع القدرة عليه مهدد بالعذاب الأليم سواء أكان حكومات أم أفرادًا أم شعوبًا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)  إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( التوبة : ۳۸ -۳۹).  

وإن هذه الأحكام تشمل كل مسلم اليوم، فإن جهاده بما يستطيع مع أهل فلسطين واجب عيني لا يجوز له التخلف عنه، وإن كتاب الله في الآيات السابقة سيأتي شاهدًا لنا أو علينا، فلينظر كل حاكم مسلم إلى واجبه، ولينظر كل مسلم إلى نفسه ماذا يستطيع أن يقدم.

وقد قال فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة - رحمه الله - حين احتل اليهود القدس: «إن القتال مع العدو أصبح فرض عين، فيجب على كل مسلم في أي أرض إسلامية أن يتقدم للقتال، ويأخذ الأهبة لذلك؛ لأن أي جزء من أرض الإسلام لكل مسلم جزء شائع فيه، فمن أخذ جزءًا من أرضنا فقد دخل دارنا وإن الذين احتلت أجزاء من ديارهم على المسلمين مجتمعين أن ينصروهم ولا يتركوهم، «فالمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه»، وأنه بلا ريب لفرض أشد وجوبا على الأقرب فالأقرب، وإن كانت الفرضية شاملة غير مجزأة، ليس الجهاد بالعمل الجامع للجيوش المجيشة، بل للجهاد ضروب أخرى غير الجيوش، فليذهب إلى الأرض المغتصبة من كل أقليم طائفة مدرعة بالإيمان والسلاح والمال.

الخروج لنصرة أهل فلسطين يجب ولو بدون إذن الوالدين أو الحاكم

إن كل مسلم قادر على نصرة أهل فلسطين يجب عليه النصرة بما يستطيعه مما يحتاجه أهلها في هذا الظرف، فإن احتاجوا إلى الرجال وجبت النصرة بالرجال عسكريين أو أطباء أو مهندسين أو غيرهم، وإن حددوا حاجتهم بالمال، وجبت النصرة بالمال، وإن حددوها بالسلاح وجبت النصرة بالسلاح، وهم اليوم محتاجون لذلك كله، فتجب النصرة على القادرين النصرة، وأولى درجات النصرة بالرجال، وهذا الخروج والنفرة واجبة بإذن الوالدين والحاكم أو دون إذنهم، لما تقرر فقها إن الجهاد إن كان على سبيل الكفاية، ولم يصل إلى فرض العين، فيجب استئذان المجاهد لوالديه والحاكم أو أمير الحرب، وقد دل على ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أجاهد؟، فقال: ألك أبوان؟، فقال: نعم، قال: ففيهما فجاهد»، فتح الباري: ٤٠٣١ ومسلم: (١٩٧٥/٤)، وأما إذا أصبح الجهاد فرض عين بأن دخل العدو أرضا إسلامية فقد وجب على كل قادر على الخروج أن ينفر للجهاد سواء طلب منه الخروج، أو لم يطلب منه لقوله تعالى قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ﴾ (التوبة: 38)، وقوله تعالى:﴿ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ (التوبة: ۳۹).  

قال الإمام الجصاص: «اقتضى ظاهر الآية وجوب النفير على من لم يستنفر، وقال الله في آية

بعدها ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ  (التوبة :٤١)، فأوجب النفير مطلقا غير مقيد بشرط الاستنفار فاقتضى ظاهره وجوب الجهاد على كل مستطيع له»، أحكام القرآن ۱۳۸/۳.

وقال الإمام الطبري في تفسير الآية: إن الله – تعالى - أمر المؤمنين بالنفر لجهاد أعدائه في سبيله

خفافا وثقالا، وقد يدخل في الخفاف كل من كان سهلا عليه النفر لقوة بدنه على ذلك، وصحة جسمه وشبابه، ومن كان ذا تیسر بمال وفراغ من الاشتغال، وقادرا على الظهر والركاب، ويدخل في الثقال كل من كان بخلاف ذلك من ضعيف الجسم، وعليله وسقيمه، ومن معسر من المال ومشتغل بضيعة ومعاش، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب، والشيخ ذو السن والعيال، فإذا كان قد يدخل في الخفاف والثقال من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا، ولم يكن الله - جل ثناؤه - خص من ذلك صنفا دون صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول الله، ولا نصب دليلًا، وجب أن يقال: إن الله - جل ثناؤه - أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافا وثقالا، مع رسوله – صلى الله عليه وسلم - على كل حال من أحوال الخفة والثقل» (تفسير الطبري ١٤٠/١٠).

قال الإمام السدي في قوله تعالى: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾، يقول: غنيا وفقيرا وقويا وضعيفا، فجاء رجل يومئذ زعموا أنه المقداد، وكان عظيما سمينا، فشكا إليه، وسأله أن يأذن له فأبى، فنزلت يومئذ: انفروا خفافا وثقالا، فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس، فنسخها الله – تعالى - فقال: ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله»، مختصر تفسير ابن كثير ١٤٤/٢.

 وهذا التفسير يقتضي جواز النفرة للجهاد ولو لم يستأذن المجاهد الحاكم، وهذا وإن كان على خلاف الأصل وهو استئذان الحاكم إلا أنه جائز إن كان بسبب، قال ابن قدامة الحنبلي: «لا يخرجون إلا بإذن الأمير؛ لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يرجع إلى رأيه؛ لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه؛ لأن المصلحة تتعين في قتالهم، والخروج إليهم لتعين الفساد في تركهم، ولذلك لما أغار الكفار على لقاح النبي – صلى الله عليه وسلم - فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجا من المدينة تبعهم فقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي – صلى الله عليه وسلم - وقال: «خير رجالتنا سلمة بن الأكوع، وأعطاه سهم فارس وراجل»، المغني لابن قدامة : ۲۱۳/۹.

 وهذا إذا كان للمسلمين خليفة يعين لبلدان المسلمين أمراء يأتمرون بأمره، فإن لم يكن للمسلمين خليفة، وكانت بلاد المسلمين دولا - كما هو في العصر الحاضر - فإما أن يستنفر الحاكم مواطنيه للجهاد إذا دوهمت وانتهكت أرض إسلامية، وإما ألا يأمر بالنفير، فإن أمر وجبت طاعته والنفرة للجهاد للقادر على ذلك لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - وإن استنفرتم فانفروا، وإن لم يأمر والحال كما ذكرنا تقاعسا وخذلانا مع قدرته على النصرة والنفرة، فإن أمكن القادر على الجهاد استئذانه، وعلم أنه يأذن له فعليه الاستئذان وهو أولى، فإن علم خلاف ذلك فعليه أن ينفر بنفسه، وهذا مقتضى إطلاق الآيات السابق ذكرها، ومنها قوله تعالى: ﴿ٱنفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا ﴾ (التوبة: ٤١).  

وإذا قلنا بوجوب الخروج للقادر ولو بغير إذن الحاكم، فيلزم سياسة شرعية أن تتخذ الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الوجوب وألا يؤدي إلى مضار عامة على الدولة فيما هو مفسدة عامة أو خاصة به وأهله فيما هو مفسدة خاصة، وأن يكون خروجه بعد تيقن الحاجة إليه بذاته، وأن يؤمن له دخوله واستثمار تخصصه ووقته خير استثمار بما يدفع عجلة الحرب والجهاد والوجوب وإن كانت أولويته للبلاد المجاورة، إلا أن وجوب الخروج لا يسقط إن لم يكف المناصرون من البلاد المجاورة، أو لم يقوموا بواجبهم، ولم يعد بعد البلاد مانعا قويا، كما كان في جهاد المسلمين فيما قبل، فإن وسائل الانتقال أصبحت ميسرة وقد يتيسر للبعيد ما لا يتيسر للقريب. 

موقف الحكومات الإسلامية:

إن أعداء الإسلام المناصرين لليهود في فلسطين قد أعلنوا عن أنفسهم، وسقطت أقنعة التآمر عنهم، ولم يعد بالإمكان للبحث عن مبررات أو وسائل تضليل، فالجريمة مشهودة والجناة بأيديهم سلاح الجريمة والمجني عليه قد جرد من وسائل الدفاع عن نفسه، والسؤال الذي يريد إجابة أين حكام المسلمين من هذا كله، أليست القضية قضيتهم؟ إن لم تكن قضيتهم فإنها قضية الشعوب الإسلامية، وقد ارتضت الدول أن تضيف كلمة الإسلامية، إلى دساتيرها وهي كلمة عظيمة لها ضريبة، يجب أن تؤدى لها ضريبة تاريخية تحمل تاريخ أعز أمة وأكرم أمة؛ لأنها تحمل رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية كافة، أمة حضارة الإسلام العظيم، كلمة من لا يستطيع أداء أمانتها فليس أهلا لحملها، إنها كلمة تريد القوي الأمين: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ  ﴾ «البقرة : ۹۳»، ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ (البقرة : ٦٣)، ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: 60). 

أما أن تكون كلمة الإسلام نفاقا أو بمعنى العصر «ديكورا» أو «مكياجا» أو تكون ستارا تغطى به العيوب، وتخدر به الجماهير، فهذا عين الخيانة وإضاعة الأمانة.

إننا نخاطب حكام المسلمين؛ لأن النصيحة علينا لهم واجبة، ولأننا نخشى أن تتسع الفجوة بينهم وبين شعوبهم المسلمة، وليس هذا لمصلحة الإسلام في شيء، إن الشعوب مسلمة، وتريد أن تحكم بالإسلام، وتريد أن ترى نصرة المسلمين حقيقة حية، لقد مرت على حكام المسلمين نكبات للمسلمين في أنحاء عديدة من قارات الأرض، وكل نكبة أكبر من أختها، ولم يحرك حكام المسلمين في جملتهم ساكنًا سوى الاحتجاج تلو الاحتجاج، وجمع التبرعات والمؤن، وإذا كانت الجماهير المسلمة تهضم مثل هذه المناصرة المحدودة، وتجد لها ما يبررها، فإن قضية القدس وفظاعة ما يحدث بتآلف وتخطيط من أمريكا ومن معها لإبادة شعب بأكمله لا لشيء سوى أنه مسلم يدافع عن قضية إسلامية عادلة، فإنها قضية لا يمكن أن تمر على عين وسمع الشعوب الإسلامية ولا تترك أثرها في نفسها وواقعها، ومن حقها أن تطلب الجواب على هذا السؤال الكبير: ماذا قدمتم فإن قلتم: ماذا تقدم أكثر مما قدمنا من جمع التبرعات وإرسال المؤن، فإنهم يطالبونكم ونحن نطالبكم بأن تقدموا ما يوجبه الشرع والدين الإسلامي عليكم، بحكم عقد البيعة لكم، وهو النصرة، والنصرة بكل ما تستطيعون وتستطيعون الكثير مما تعذرون ببذله، فإن قطرة دم مسلم أو مسلمة يهدر ظلما يهتز له عرش الرحمن، وهذه الدماء تسيل وهؤلاء المشردون، وما من نصير وما اهتزت عروش أو أحست قلوب إن الاعتذار بالأسباب لم يعد كافيًا ولا مقنعًا، وإن المطلوب شرعا لتبرئة الذمة في الدنيا والآخرة أن تقوموا دولة دولة أو دولًا مجتمعة بما يلي التهديد، فإن لم يجد فيجب أولًا قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع العدو التاريخي للإسلام والممول الرئيسي لآلة الحرب، فإذا كانت مصالح أعداء الإسلام في دعم اليهود، فإن مصالحهم في البلاد العربية والإسلامية أهم وأخطر.

 ثانيًا: الضغط على أمريكا وحلفائها بورقة المصالح وأهمها البترول والعلاقات التجارية والضغط كذلك بالوسائل الدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وكشف زيف ادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان، والحضارة الإنسانية الجديدة التي تدعيها أعظم الدول وأقواها إننا نقول ذلك بهذا الوضوح الحكام المسلمين؛ كي لا تكون الفجوة بينهم وبين شعوبهم مبررة شرعا، وقد تبني عليها الشعوب الإسلامية أثارًا مبررة شرعًا أيضًا، والتاريخ لن يرحم.

ما يشرع في الدفاع

مادام العدو قد دخل الأرض واحتلها، ورفض الهدنة على ذلة في المسلمين، فإن الدفاع بكل ما يستطيع أهل الداخل فعله مشروع لهم، فيشرع لهم الاغتيال لجند العدو ومن أعانهم من المدنيين وكان درءًا لهم، كما يجوز قتل الأعداء بكل وسيلة يمكن فعلها.

ويجوز أن يفجر المسلم نفسه؛ ليقتل أرتال الجنود، وسنولي هذه القضية أهمية فقهية خاصة لسببين أولًا؛ لأنها الوسيلة المتاحة إلى حد ما، ولأنها وسيلة مؤثرة في العدو تأثيرًا مباشرًا على موقفه وقراراته. وثانيًا: للرد على المشككين باستحقاق الشهادة لمن يقوم بذلك واصفين إياه بالإرهابي والإرهاب، فهناك فرق بين الإرهاب والشهادة وبين الانتحار، والشهادة الانتحار هو أن يقتل الإنسان نفسه بنفسه، كأن يطعن نفسه بسكينة أو يطلق على نفسه رصاص بندقية أو يأكل سماء أو يلقي بنفسه من شاهق أو يمتنع عن الأكل والشرب أو يترك جرحه ينزف، وهو قادر على وقفه، والانتحار يحتاج إلى القصد، فإن انتفى القصد فلا يعد الفعل انتحارًا، «روى أبو داود عن رجل من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: أغرنا على حي من جهينة، فطلب رجل من المسلمين رجلا منهم، فضربه فأخطأه فأصاب نفسه بالسيف، فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس، فوجدوه قد مات، فلفه رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بثيابه ودمائه، وصلى عليه، فقالوا يا رسول الله: أشهيد هو : قال: نعم، وأنا له شهيد، وقال محمد بن الحسن الشيباني ذكر مكحول أن رجلا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - تناول رجلا من العدو؛ ليضربه فأخطأ فأصاب رجله فنزف حتى مات، فصلى عليه رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، فقال له أصحابه - رضي الله عنهم -: أشهيد هو: قال: نعم، وأنا عليه شهيد».

قال السرخسي شارحًا تأويل الحديث أنه شهيد فيما تناول من الثواب في الآخرة، وهذا صار مقتولًا بفعل نفسه، ولكنه معذور في ذلك؛ لأنه قصد العدو لا نفسه، فيكون شهيدًا في حكم الآخرة، ويصنع به ما يصنع بالميت في الدنيا، ومثله ما روي عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله زعم أسيد بن حضير أن عامر بن سنان بن الأكوع حبط عمله، وكان ضرب يهوديًّا، فقطع رجله، ورجع السيف على عامر، فعقره، فمات منها، فقال: كذب من قال ذلك. إن له لأجرين، إنه جاهد مجاهد، وإنه ليعوم في الجنة عوم الدعموس، والدعموس - دويبة سوداء – (السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني، وشرحه للسرخسي (۱۰۲/۱)). وقال ابن قدامة: فإن كان الشهيد عاد عليه سلاح فقتله، فهو كالمقتول بأيدي العدو، (المغني (۳۹۷/۲). وقد اتفق الفقهاء على أن قاصد قتل نفسه عمدًا مرتكب لكبيرة أكبر من قتل نفس الغير لقوله صلى الله عليه وسلم: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبداء» (البخاري ٢٤٧/١٠ ومسلم (١٠٣/١)، وقد حرم الله قتل النفس، فقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ (الأنعام:١٥١)، وقال عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ (النساء: ۲۹)، والآية صريحة في أن الإنسان لا يملك نفسه حتى يتصرف فيها كما يشاء، فالمالك الحقيقي هو الله - عز وجل -، فمن قتل نفسه فقد تعدى على ملك الله  - عز وجل - واستحق العقوبة.

والشاب الذي يقتل نفسه بحزام ناسف أو سيارة أو أي وسيلة لا يعتبر منتحرًا، إلا إذا قصد أن يقتل نفسه دون غاية من وراء ذلك، فإن كان قصده من التسبب بقتل نفسه بهذه الوسائل إحداث القتل والنكاية بالعدو، وإعلاء كلمة الله فلا يعد منتحرًا، بل يعد شهيدًا إن شاء الله، ولا شك أن التسبب بقتل النفس بفعل مباشر من الشخص أشد على النفس من قتل الغير له، فهذه شهادة مع عزيمة، وهذا الحكم ليس مطلقًا، وإنما هو مقيد بقيود إن توافرت كان شهادة إن شاء الله.

أولها: ما ذكرناه من أن يكون قصد الفاعل إعلاء كلمة الله والموت في سبيله وإعزاز الدين، والعدو إذا احتل أرضا مسلمة أو جزءًا منها وجب قتاله، وقتاله جهاد، إلا إذا صالحوه، ولا يجوز صلحه دائمًا على أن يأخذ جزءًا من أرض المسلمين.

ثانيها: أن يكون قتل النفس الطريق الوحيد لإحداث القتل في العدو أو الطريقة الأكثر تأثيرا بالعدو، فإذا غلب على الظن أن هذا الأسلوب في القتل لن يؤثر في العدو، ولن يحقق قتل أحد منهم أو كانت هناك وسائل أنجح في تحقيق الغاية، فلا يقدم على هذا العمل.

ثالثها: أن يكون تقدير أثر قتل النفس بتلك الوسائل إلى جماعة لا إلى فرد بحيث تقدر الجماعة المفاسد والمصالح، فقد يحدث هذا الفعل النكاية في العدو، ويحدث القتل فيه وبأعداد كبيرة، لكنه سيعود على غيره من أهل أو عشيرة أو جماعة بالأذى الأشد، وسيقتل العدو منهم أضعاف ما قتل منه، أو قد يعرض مزيدا من الأعراض والدماء والأراضي للأذى والسلب، فذلك كله موكول إلى تقدير الجماعة لمن كانت له جماعة، ولا يجوز الإقدام عليه فرديا أو دون دراسة متأنية ترجح فيها المصالح على المفاسد، فإن غلبت وتوافرت تلك الشروط كان الإقدام على العمل جائزا إن لم يكن واجبا، ويقدم المسلم على قتل نفسه بتفجيرها، أو الهجوم وحده على العدو مع يقينه أنه سيقتل.

وقد نص الفقهاء على جواز هذا الفعل؛ اهتداء وفهما لنصوص الآيات والأحاديث.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الحكم وسيلة.. لا غاية

نشر في العدد 212

21

الثلاثاء 06-أغسطس-1974

في الهدف.. العدد 356

نشر في العدد 356

12

الثلاثاء 28-يونيو-1977