; شقي وسعيد | مجلة المجتمع

العنوان شقي وسعيد

الكاتب عبد الرحمن عبد اللطيف

تاريخ النشر الثلاثاء 17-سبتمبر-1974

مشاهدات 18

نشر في العدد 218

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 17-سبتمبر-1974

كان بالأمس يشتم هذا، ويضرب ذاك.. عرف فضل الله علیه حین أنجاه من الغرق.. ثم أخذ يلعب مع أصدقاء السوء فيسمع نداء الأذان فلا يجيب.. كان بالأمس لا يعرف ربه، فإذا به اليوم داعيًا إلى الله! رأيته في أحد المساجد خاشعًا متذرعًا بين يدي الله وتبدو على ملامح وجهه بعض الخدوش، فقلت في نفسي:- سبحان الله- أليس هذا الذي كان بالأمس يشتم هذا ويضرب ذاك ويسير من أمام بيتنا في سيارته الصغيرة بسرعة جنونية تكاد ترتطم من هولها عجلات سيارته بجوانب الرصيف عند المنعطف، سألت عنه فقالوا لي: إنه منذ أيام قليلة ذهب إلى شاطئ البحر مع بعض رفاقه، ثم ركبوا أحد الزوارق السريعة، حتى إذا بعدوا عن الشاطئ كثيرًا توقف الزورق؛ بسبب عطل في «الماكينة» وحاول هو ورفاقه إصلاح الزورق ولكن دون جدوى وأخذ الوقت يمر بسرعة بعد أن أخذ الجوع مأخذه في بطونهم وهم لايرون أي سفينة يشيرون إليها لتنقذهم من هذا المأزق، فما كان منهم إلا أن يلقوا بأجسادهم ويقطعوا هذه المسافة البعيدة سباحة في البحر وأخذوا يسبحون تجاه الشاطئ حتى وصلوا بعد وقت طويل وجهد شاق والدم يسيل من أيديهم وأرجلهم؛ بسبب الصخور البارزة في البحر. فقلت الحمد لله لقد عرف فضل الله عليه حين أنجاه من الغرق فجاء إلى المسجد ليتوب إلى الله ويشكره على نعمته وفضله. ومرت الأيام فإذا بي أرى ذلك الشاب النادم من قبل يلعب الكرة مع أصدقاء السوء حتى تأخذ الشمس في المغيب وهو يسمع نداء الأذان فلا يجيب، بل لقد عاد إلى فعله القديم حزنت لذلك ثم تذكرت قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ (الزمر: 8). هذا صنف من الذي أرجو من الله- سبحانه وتعالى- أن لا يكون «شقيًا» . أما الصنف الآخر فهو شاب كانت تربية «الحمام» هي شغله الشاغل وكان قريبًا لي وكنت أنصحه كثيرًا ولكن دون فائدة حتى جاء ذلك اليوم الذي رأى فيه الموت بأم عينيه. في ذلك اليوم غرق أحد أصدقائه في البحر وكان يجيد السباحة جيدًا فأسرع لينقذ صديقه من الغرق وعندما حاول انتشاله من الماء تمسك به صديقه بقوة حتى ثقل وزنهما فغرق الاثنان معًا، وحاول الخلاص من قبضته التي أصبحت كالحديد من الخوف فاستطاع بعد جهد شاق أن يفلت من بين يديه ويرجع إلى الشاطئ ثم أخذ يرقب صديقه وهو يهبط في جوف البحر تارة ثم يعلو تارة أخرى، وهو يصرخ مستنجدًا به أخذ يتردد هل ينقذ صديقه من الموت أم يتركه جثة هامدة علي سطح البحر وإن كان في ذلك نجاته هو بنفسه من الموت ولكن عقله انتصر على نفسه الأمارة بالسوء فما كان منه إلا أن عاود الكرة مرة أخرى، فاستطاع بفضل الله أن ينقذ صديقه من الغرق بعد أن سقط صديقه مغشيًا عليه. كان يحكي لي هذه القصة التي وقعت له وأطرافه ترتعش من الخوف وكان الوقت ليلًا وهو مستلق بجواري لا يدري كيف يشكر الله على نجاته له ولصديقه. مضت الأسابيع والشهورعلى هذه الحادثة وفي هذا الصيف ذهبت لزيارته فرأيت العجب لقد اهتدى على يده كل أولاد الحي من صغار وكبار، رأيت مسجدهم الصغير الذي كنت أصلي فيه عندما أزوره فلا أجد فيه أكثر من عشرة أشخاص رأيته مكتظًا بالأطفال الصغار والشباب ورأيت أصدقاءه الشبان يتعاونون فيما بينهم وكل منهم يوقظ الآخر لصلاة «الفجر» كما أنني شاركتهم في حلقاتهم التي كانوا يجمعون فيها الصغار حتى من الحي الآخر، ورأيت منهم أكثر من ذلك فلقد بدأوا يطرقون الأبواب على أهل منطقتهم ليحصلوا على توقيعاتهم بشأن طلبهم من «وزارة الأوقاف»؛ لبناء مسجد كبير لهم يسع المصلين الذين ازداد عددهم أضعاف ما كانوا عليه من قبل، ولقد كان التجاوب كبيرًا بينهم وبين الشيوخ الكبار الذين تعاونوا معهم في هذا العمل، رأيت الكثير من هؤلاء الشباب الذين كانوا بالأمس لا يعرفون ربهم، فإذا بهم اليوم دعاة إلى ربهم ولقد صدق الحق- تبارك وتعالى- حين قال ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ (سورة فاطر: 32) وددت لو أني أطيل المكوث معهم لأرى المزيد من جهدهم ولكني تذكرت أنني زائر فقط وأن إخوانًا لي ينتظرون مجيئي لمشاركتهم في دعوتهم إلى الله وهداية الحيارى من عباد الله إلى نور الإسلام، وأختم كلامي بقوله تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ (الزمر: 22).
الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لقلبك وعقلك

نشر في العدد 12

26

الثلاثاء 02-يونيو-1970

الفقه والمجتمع (العدد 1090)

نشر في العدد 1090

17

الثلاثاء 01-مارس-1994

استراحة المجتمع (1160)

نشر في العدد 1160

13

الثلاثاء 01-أغسطس-1995