; انتقاضات واسعة في الصحف البريطانية للانتخابات المصرية | مجلة المجتمع

العنوان انتقاضات واسعة في الصحف البريطانية للانتخابات المصرية

الكاتب هشام العوضي

تاريخ النشر الاثنين 01-مايو-2023

مشاهدات 20

نشر في العدد 2179

نشر في الصفحة 31

الاثنين 01-مايو-2023

انتقادات واسعة في الصحف البريطانية لنتائج الانتخابات المصرية

الإندبندنت والتايمز والجارديان والإيكنوميست ينتقدون عمليات التزوير الواسعة التي جرت في الجولة الأولى من الانتخابات

لندن: هشام العوضي

ليس العجيب أن تصدر في بريطانيا ۱۲ صحيفة يومية و9 أسبوعية، ولكن العجيب هو أن لا تجد غالب هذه الصحف في ما يجري في مصر من محاكمات وتزوير في الانتخابات مادة ممتعة لقرائها الديمقراطيين. فباستثناء صحيفتي ، الجارديان، والإندبندنت، وفي بعض الأحيان التايمز اتخذت معظم الصحف موقف اللامبالاة تجاه ما يجري في مصر أو في أسوء الحالات مجرد الصمت، ولا تمثل هذه السلبية واللامبالاة سياسة الصحف البريطانية تجاه القضايا الخارجية على العكس، فقبل فترة قريبة كان الملف النيجيري ومقتل سراويوا على يد حكومته يحتل صدر الصفحات الأولى في معظم الصحف البريطانية بما فيها جرائد التابلويد التي قلما تهتم بالمواضيع السياسية كما حاز الملف الجزائري فترة الانتخابات الرئاسية على تغطية لا بأس بها، ولا يبدو أن السبب في الحالة المصرية هو نقص المعلومات أو التقصير من جانب المؤسسات الشعبية في الخارج في توعية الصحفيين الإنجليز بما يجرى في مصر.فالعاملون في مؤسسات حقوق الإنسان يشكون من سلبية الصحافة تجاه ما يصدرونه من تقارير عن مصر، ويؤكد له المجتمع، أحد الناشطين في مجموعة العمل المصرية في لندن "بأننا على اتصال قوى مع الصحفيين الأجانب في بريطانيا والولايات المتحدة بشأن ما يحدث في مصر"، ولكن في الغالب لا نتيجة. ويبدو أن الموقف السياسي البريطاني ليس بأحسن حالًا، فنفس المصدر يشكو مرة أخرى من أن بعض النواب لا يرغب في التنديد، لأنه يعتبر الانتخابات المصرية تسير بشكل ديمقراطي، ولكن اللورد الفبري - رئيس اللجنة المشتركة بين النواب واللوردات لحقوق الإنسان لا يعتقد ذلك، وكذا بعض الصحفيين الجريئين مثل ديفيد هيرست من الجارديان وروبرت فيسك من الإندبندنت، فجميعهم كتب عن تزوير الانتخابات في مصر وعن التعسف الحكومي في التعامل مع المعارضة وعلى رأسها " الإخوان المسلمون" 

الانتخابات: قوة في العنف والتنافس والتزوير

تقسم الصورة التي يرسمها المراسلون البريطانيون في مصر عن الانتخابات بالقوة في كل شئ قوة في التنافس بين الحكومة والمعارضة من أجل جمع الأصوات وتأمين المقاعد، وقوة في التجاوب الشعبي - ۱۸ مليون - ناخب - مقارنة بانتخابات ۱۹۹۰م التي - قاطعتها أحزاب المعارضة، وقوة في العنف الدائر بين (بلطجية) الحزب الوطني - الديمقراطي والمراقبين في داخل قاعة التصويت وبين الجماعات المسلحة خارج - القاعة، وأخيرًا وليس آخرًا قوة في التزوير وتجتمع هذه القوى لترسم صورة أخرى أعمق دلالة عند هؤلاء الصحفيين وهي ضعف الحكومة نفسها وخوفها من تيار الديمقراطية. ففي أثناء جولات مراسل صحيفة الإندبندنت روبرت فيسك إلى أحياء مصر القديمة كالسيدة زينب لمتابعة عملية التصويت علم أن الحزب الوطني يخرج المشرفين على نزاهة الانتخابات من خارج القاعة كي يعبث بصناديق الاقتراع (الإندبندنت ٢ ديسمبر (١٩٩٥) ويؤكد فيسك على لسان منظمة حقوق الإنسان المصرية أن نفس الشيء حدث في المنيا وطنطا، نفس الشيء لاحظه مراسل الجارديان ديفد هيرست (الجارديان ۲۹ نوفمبر (۱۹۹۵) فهو يشير إلى أن بعض الصناديق قد ملئت بأوراق فارغة من أجل منع الناس من التصويت لدرجة أن الصناديق امتلأت وأقفلت في (الساعة الحادية عشر صباحًا)، وأن بعض الناس قد تعرضت للضرب عندما حاولات الإدلال بصوتها، ويؤكد هيرست ملاحظاته على لسان نائب المرشد العام للإخوان المسلمون مأمون الهضيبي والمرشح عن منطقة الدقي الذي صرح له: أن الحكومة تتحكم في كل وسائل التزوير، وهذا يعني أنها لن تتوانى عن التزوير. والهضيبي هو أحسن من يقدر هذه الوسائل، فقد كان نفسه أحد ضحاياها كما يشرح لهيرست: عندما ذهبت صباح اليوم للتصويت، أبرزت بطاقتي الانتخابية وكان رقمها ٥٠٨، ولكنني اكتشفت أن هناك شخصًا آخر يحمل نفس الرقم ٥٠٨ طبعًا الحكومة شعرت بالحرج خاصة وأن كاميرات التليفزيون كانت موجودة، ويختم الهضيبي طرفته سائلًا: إذا استطاعوا أن يفعلوا هذا معي، وأنا مرشح منافس، ألا يستطيعون أن يفعلوا نفس الشيء مع الناس العاديين؟ (الجارديان ۳۰ نوفمبر ١٩٩٥م) والظاهرة التي يتفق عليها معظم المراسلين بالإضافة إلى ظاهرة ملء صناديق الاقتراع بالأوراق الخالية هي أن بعض الناس قد أدلى بصوته مرتين لصالح الحزب الوطني مرة في منطقته، ومرة في خارجها، كما سمحت الجهات المختصة للعديد من النساء بالتصويت من غير بطاقة شخصية (الإندبندنت ٢ ديسمبر) أما الظاهرة التي يتفق عليها جميع المراسلين وليس فقط أكثرهم فهي ظاهرة العنف في التعبير عن الخيار الديمقراطي أو السلطوي في حالة الحزب الوطني الحاكم.

القتل والجرح من أجل مقعد في البرلمان

كان روبرت فيسك مراسل الإندبندنت في حي السيدة زينب عندما شهد الشجار القوي الذي نشب بين مؤيد من الحزب الوطني وآخر من حزب الأحرار، وقد أوضح له أحد مؤيدي الحزب الوطني السبب في ذلك قائلًا: كان يتهم حزبنا بالغش من أجل إنجاح مرشحنا فتحى سرور، قالها وهو يبتسم ابتسامة كبيرة بنفس كبر حجم رجال الشرطة في المنطقة (الإندبندنت ۳۰ نوفمبر) ولا شك أن فتحي سرور - مرشح الحزب الحاكم ورئيس مجلس الشعب الحالي - يشعر بارتياح شديد لأن منافسه القوي عصام العريان من الإخوان المسلمون، يقضي خمس سنوات في السجن. أما كريستوفر ووكر مراسل التايمز فيعبر عن العنف بصورة أباس ويقول أسفرت إحدى الجولات الانتخابية في القاهرة عن مقتل أربعة من بينهم امراتان عجوزتان وجرح ۱۰۰ شخص إثر مشادة حدثت بين مؤيدي الحزب الوطني ومؤيدي الإخوان المسلمون التايمز (۳۰ نوفمبر (١٩٩٥م) وفي منطقة الغربية لقي أحدهم مصرعه بالرصاص على إثر اتهامه بتزوير الانتخابات، أما على مستوى النخب السياسية فقد تمثل العنف على صفحات الجرائد المصرية، حيث يدفع بعضهم ما يعادل ٨٠ ألف جنيه إسترليني إلى جريدة الأهرام ثمن إعلانات الشتائم وتشويه سمعة الآخر فكلًا من فؤاد سراج الدين (من حزب الوفد وإبراهيم مصطفى كامل يتهمان بعضهما البعض بالفساد المالي والعلاقات التجارية المشبوهة مع بعض البنوك والدول الإندبندنت ۳۰ نوفمبر (١٩٩٥م)، ولا يزال مسلسل العنف الانتخابي قائمًا ومن المحتمل أن يؤدي هذا كما يقول هيرست إلى إقناع الشباب بأن الخيار السلمي لم يعد يؤدي إلى نتيجة وأن الحل هو المزيد من العنف التنافس بين الإخوان والحكومة إن الجارديان تقدر عبر مراسلها في القاهرة ديفيد هيرست الحجم الحقيقي للإخوان فهيرست يعتبرها أكبر تيار سياسي معارض للحزب الوطني، كما يقدر أن الحكومة . هيكل يقول: « إن الإخوان لم يفعلوا أي خطأ وهم يريدون أن يشاركوا في الديمقراطية» قد تحججت بعدم شرعية التنظيم لعلمها بطبيعة المعركة وبشعبية الإخوان، ويؤكد هيرست على أن أقوى متحد للنظام الحالي هو حركة الإخوان غير الشرعية نظريًا، والتي صارت هدفًا للحملات الحكومية من اعتقال وسجن، ولكن على الرغم من ذلك فالإخوان وهم تيار إسلامي معتدل قدموا ١٦٠ مرشحًا نزلوا كمستقلين (الجارديان ۲۹ نوفمبر ١٩٩٥م) وعلى خلاف الصحافة المصرية وتصريحات وزير الداخلية الأخيرة فإن هناك شبه اتفاق بين المراسلين البريطانيين بأن الإخوان يمثلون التيار المعتدل والمسالم (non-violent) الذي لا يكتفي بعدم انتهاج العنف وإنما يندد به أيضًا الإيكونوميست ٢ ديسمبر (١٩٩٥م) حتى إن الكاتب المصري المعروف محمد حسنين هيكل يؤكد ذلك لروبرت فيسك من الإندبندنت: أنا أعرف بعضهم معرفة شخصية إنهم – أي الإخوان - يريدون أن يشاركوا في الديمقراطية، إنهم أناس مثقفون وأنا لا أرى أنهم فعلوا أي شيء خطأ، ويضيف هيكل إن مصيبة الحكومة هي أنها تظن أنها شعبية جداء الإندبندنت ٣ ديسمبر (١٩٩٥م) ومصيبة الحكومة أنها تظن أنها ديمقراطية أيضًا. ولكن مجلة الإيكونوميست لا تظن ذلك أن ضرب الحكومة له الإخوان المسلمون بالإضافة إلى التزوير في الانتخابات يكشفان عن بعد المسافة بين النظام والديمقراطية الإيكونوميست ۲ ديسمبر (١٩٩٥م)، وتضيف المجلة والأدهى من ذلك أن الحكومة قد أزالت كل الفواصل التي تفرق بين جماعات العنف وجماعات الاعتدال، كما جاء ذلك في تصريح وزير الداخلية حسن الألفي مؤخرًا هذا الكلام ليس جديدًا أو غريبًا وإنما يملؤ تقارير معظم المراسلين الذين يتابعون سير الانتخابات المصرية، وهناك حديث أقوى عن الفساد الإداري والمالي الإندبندنت ۳ ديسمبر ١٩٩٥م) والديكتاتورية المطلقة للهيرالد تربيون ۲۸ نوفمبر (۱۹۹۵م).

أهمية هذه القراءة

عندما كانت المحكمة العسكرية تصدر أحكامها بسجن قيادات الإخوان لخمس سنوات مع الأشغال، كان ما يزيد عن ٢٥ مليون بريطاني يشاهدون الأميرة ديانا في التليفزيون وهي تتكلم عن حياتها الخاصة وفي اليوم التالي كانت صورة الأميرة تسبق أخبار رئيس الوزراء جون ميجور ووالدة الملكة بعد خروجها من المستشفي، أما أنباء محاكمات الإخوان فلم تسبق أحدا لأنها في الغالب لم تذكر من هنا تأتي أهمية هذه القراءة لما ورد في الصحف البريطانية، فهذه القراءة مهمة لسبب آخر أيضًا وهو أنها تطلعنا على أهم مصادر بعض الصحفيين المعتدلين في تغطياتهم، فالصحيفة التي تقرر إرسال صحفي خصيصًا إلى القاهرة فإنها في الغالب تتوقع منه أن يأتيها بكلام غير الذي تكتبه جرائد الأهرام والأخبار والجمهورية وبالتالي يكون المركز الإعلامي الرسمي التابع للدولة آخر مكان يدخل إليه الصحفي الموضوعي، وعندما أجرت المجتمع، هذه القراءة فإنها لاحظت قوة المساهمة غير الحكومية في هذه التقارير، وهذه المؤسسات هي منظمة حقوق الإنسان المصرية، وبعض صحف المعارضة كالشعب والوفد، وبعض المفكرين كهيكل ورفعت سيد أحمد وبالنسبة للهيرالد تريبيون ميلاد حنا، ولكن أهم مؤسسة حرص صحفي مثل هيرست أو فيسك الالتقاء بها واستقاء مصادره منها هي الشارع المصري والشعب المصري نفسه. 

الرابط المختصر :