الثلاثاء 04-يوليو-1972
مجلة الأسرة
تقدمها: «أم ابتهال»
شعارنا ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أو أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 97)
22
مذكرات زوجة
حقيبة التواليت
• ولشد ما كانت دهشتي حينما عاد الوالد مرة أخرى من حجرة الاستقبال.
يحمل المفاجأة هاشًا باشًا رافعًا غطاء الحقيبة ذات اللون الوردي.. المنسق فيها أجمل تنسيق أدوات الزينة من عطور و«تواليت»!
وبينما يخفق قلبي بالفرحة، إذ امتد من عقلي وفكري إلى لساني وشفتي سؤال الاستغراب والاستفسار:
أحسبكم يا والدي قد تجاوزتم في قبول هذه الهدية!
كيف توافقون على تغيير خلق الله باستعمال هذه المساحيق من «بودرة وألوان وأصباغ... إلخ؟!» لعلكم نسيتم أو غاب عنكم قول الحق جل علاه
﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا. لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ﴾ (النساء: 117-118-119)!!
· وظل الوالد واقفًا يستمع إلي في إصغاء.. حتى انتهيت من تلاوة الآية الكريمة
: لقد أسعدتيني والله يا بنيتي.. وإن كان هذا التحري في أمور الإسلام ليس جديدًا على مثلك.. لقد طمأنتنني على حسن تربيتك.. عسى الله الكريم أن يأجرنا في تعليمك خيرًا.. يا عزيزتي: حكى صاحب «نيل الأوطار» فقال:
وقيل إن هذا التحريم إنما هو في التغيير الذي يكون باقيًا «أي لا يزول، مثل عمليات التجميل الجراحية في برد الأسنان وتسويتها»، أما ما لا يكون باقيًا كالكحل ومشتقاته، والخضابات ونحوها فقد أجازه مالك وغيره من العلماء... وذلك مشروطٌ بالآتي:
1- عدم إبداء الزينة هذه لغير الأزواج ومن يبح الشرع لهم ولهن
2- ألا يدفع الحرص على بقائها إلى التجاوز في الوضوء والطهارة والصلاة.
3- ألا تكون ذات جرم يحول دون وصول الماء إلى الأعضاء حين الوضوء.
4- ألا تكون هذه الزينة فيها إسراف وإرهاق للأزواج.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبض يده! فقال: «ما أدري أيد رجل أو امرأة؟!» فقالت: «بل يد امرأة، فقال: «لو كنت امرأة لغيرت أظفارك يعني بالحناء» (أخرجه أبو داود والنسائي) ولذلك روي أن عائشة رضي الله عنها دخلت على زوجة عثمان بن مظعون فوجدتها بدون طيب وخضاب فأنكرت عليها ذلك، وروى الإمام أحمد عن كريمة بنت همام: قالت لعائشة رضي الله عنها: ما تقولين -أم المؤمنين- في الحناء؟
فقالت: «كان حبيبي صلى الله عليه وسلم يعجبه لونه، ويكره ريحه، وليس يحرم عليكن بين حيضتين أو عند كل حيضة».
ـ وإذا كان الله قد أباح للمرأة يا عزيزتي التزيــن والتطيب فإنه قد أمرها ألا تخرج إلى الشارع والمجتمعات بهذه الصورة حتى ولو كانت ذاهبة لأداء الصلوات فــي بيوت الله.. فقد روى أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة أصابت بخورًا ، فلا تشهدان العشاء» أي الآخرة ، وروى ابن ماجة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ، دخلت امرأة من مزينة ترفل في زينة لها في المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس أنهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نسائهم الزينة وتبختروا في المسجد» ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «لا يقبل الله صلاة من امرأة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل» (رواه ابن خريمة وابن ماجة وأبو داود).
· قلت لوالدي: إذن كيف رسم الناس للإسلام هذه الصورة الشائهة التي استقرت
في أذهان بعض كرائم النساء حتى لتجدهن في أسوأ منظر في بيوتهن؟! وكيف انفلتت أغلبية النساء عن تعاليمه فتزين وتبرجن في كل مكان بلا ضابط ولا حدود؟!
«ك. أ. ع»
بنت «الباشا» المجاهدة الصابرة
إن سجل النساء المؤمنات المجاهدات ملئ بالصفحات الناصعة البيضاء التي سطرتها كرائم السيدات والفتيات منذ «نسيبة بنت كعب» في عصر النبوة إلى عصرنا الحاضر. وستظل هذه الصفحات متصلة ولن يُطوى هذا السجل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وإذا كنت في دقائق الاتصال التلفوني بها، لم أستطع أن أحصل منها على تصريح بالحديث عنها، وذكر اسمها، فإنها تُؤثر أن تتوارى عن الأضواء ولا تحب أن يضيع ثوابها وأجرها في الإشهار عنها.. فإني قد استبحت لنفسي أن أكتب هذه الفقرات عنها لتتعلم فتيات هذا الجيل ونسائه منها درسًا من دروس التضحية في سبيل الله
• لقد ولدت «وفي فمها ملعقة من ذهب» كما يقولون، إذ كان أبوها أحد القلائل من أساتذة الجامعة المصرية، ورجال القانون الذين يشار إليهم بالبنان، وأحد الأثرياء وأصحاب الضياع والوزراء. ولذا فقد مكنتها الأقدار من الدراسة والتعليم حتى المرحلة العالية وتزوجت أحد المستشارين في مجلس الدولة.
اتصالها بالحركة الإسلامية
• ورغم أن الطبقة «الأرستقراطية» في هذا الوقت كانت تلهث وراء أفكار الحضارة الغربية وتقليدها حتى في السلام والتحية، إلا أنها خلعت نفسها بإرادتها عن هذه الطبقة، وانجذبت بكل قواها الإيمانية، والفكرية، والمادية نحو الإسلام. فبايعت الإمام الشهيد حسن البنا في أوائل الأربعينات لتنطلق حلقة في السلسلة الخالدة للمجاهدات. واستطاعت بفضل الله وما أُتاها من قوة في الإيمان والحجة أن تضم إلى الحركة الإسلامية زوجها وأخاها وتجعل من أبيها وآلها أصدقاء وأعوانًا للخير، بعد أن قطعت شوطًا كبيرًا في تربية نفسها والالتزام بالإسلام في فجرها ومظهرها حتى إنها انفردت مع القليلات في هذا العصر بزي شرعي وسط بحر زاخر بالفرنجة والتقليد.
العاصفة
· وحينما عصفت بالحركة أعاصير المحن واستشهد القائد الذي بايعته، لم تخلع
بيعتها، وظلت على عهدها ردءًا لزوجها وإخوانه الذي كتب الله أن يصبح سجينًا في سبيل الله.
الجهاد الصامت
· وقامت بدورها البطولي ترتاد بيوت الشهداء، وتتسلل إلى بيوت المسجونين،
وتستخفي في الظلام لتتحسس أوضاعهم الاجتماعية وظروفهم المالية.. ثم تبيع من ممتلكاتها وزوجها ما تكفكف به دموع الأطفال والنساء، وتنفق به على تربية الأولاد من أبناء رجالات الحركة الإسلامية حتى إنها لباعت في دفعة واحدة خمسين فدانًا من الأراضي الزراعية الممتازة بما يقـرب من خمسة آلاف جنيه أنفقتهـم عن آخرهم في سبيل الله.. واستقدمت في منزلها بعضًا من الفتيات المسلمات لتشاركنها مشروعًا خيريًا قامت به... ألا وهو تطريز الملابس النسائية وصناعة «البلوفرات» لتقوم بالإنفاق على الأسر من ربح المشروع.
· وعاشت زاهدة في كل متاع الحياة الدنيا عن رغبة وطواعية حتى أن أمها
أرادت أن تقيم لمولدهـا «عيدًا» فرفضت أن يقام لها حفل وفي المنازل المحجبة مآتم وأحزان! وطلبت من والدتها تكاليف الحفل لتنفقه في سبيل الله.. ولقد قبلت من والدتها رداء من الصوف صنعته لها بيديها.. وسعدت به في الشتاء على جسدها.. حتى علمت بأن إحدى أخواتها المسلمات تشكو مرضًا صدريًا في الشتاء القارص فخلعته في الحال وبعثت به إليها مؤثرة ما عند الله وشعارها ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ (النساء: 77)
· وشاءت إرادة الله لها أن تودع أباها وزوجها إلى عالم الخلد وملك لا يبلى.
فآثرت أن تكون سلواها بجوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأرض الطيبة حتى جاءت لتودع آخر أخوتها إلى العالم الآخر لتعود منقطعة لعبادة الله والرجاء في ثواب أخراه.
· ولو كنت أخذت منها التصريح لكشفت لك أيتها الأخت المسلمة صفحات أخرى
بطولية.. أكرمها الله فـي محياها وأحسن لنا ولهـا الخاتمة.
هذه مشكلتي فما الحل؟
· أخي شاب في مقتبل العمر مستقيم، يؤدي الصلوات.. إلا أني أراه يهتم
بمظهره حتى أنه ليقف أمام المـرآة «ويمشط» شعره.... فاعترض عليه، وأقول له إن هذا من شأن النساء.. فيغضب مني، ويدعي أن هذا حلال وأنه ليس خروجًا على شرع الله! فدبريني ماذا أفعل تجاهه؟ لأن هذا يغيظني جدًا.
«سلوى»
· لا تنزعجي على أخيك يا أخت «سلوى» فإن الحق معه.. واقرئي هذا بدقة
وعناية:
ـ إن الإسلام في حرصه على نظافة الباطن وطهارته، حريص على المظهر كذلك ونظافته ففي الحديث «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» ولقد ذهب الصحابي الجليل أبو قتاده رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله وسلم وقال له: يا رسول الله، أن لي جمة «أي شعر كثيف» أفأرجلها «أي أمشطها» فأجابه الرسول بقوله: «نعم وأكرمها» (أخرجه مالك والنسائي)، وعن عطاء بن يسار قال:
أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه صلى الله عليه وسلم.. كأنه يأمر بإصلاح شعره، ففعل ثم رجع فقال صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان» «وهذه هي الخنفسة حديثًا بعينها» (أخرجه مالك).
ـ والذي يجب عليك أن توجهي نفسك وأخاك إليه ألا يجعل الزينة هدفًا لذاتها تستغرق وقته وتشد إليها اهتماماته، وألا تتجاوز المشروع للرجال إلى المحرم والمكروه من التشبه بالنساء ولبس الحرير والتحلي بالذهب وتزجيج الحواجب، ونتف الشيب.. إلخ.
ـ وألا يهتم الانسان بظاهره دون باطنه.. فيجب أن يحرص على جمال قلبه ونظافته من المعاصي، وجلوته ولمعانه بالطاعات.
ـ أن يذكر وهو واقف أمام المرآة فضل الخالق جل وعلا، الذي خلقه في أحسن تقويم فيدعو بالمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي»
ـ وأهمس في أذنك يا أخت «سلوى» بأنه إذا كان أخوك كما تذكرين مستقيمًا ويؤدي الصلوات.. فيجب عليك حينما تنكرين عليه أمرًا أن يكون ذلك في صيغة استفهام وسؤال تطلبين منه الجواب والإقناع.. والله معك.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل