العنوان نحو موتة شريفة(2).. فريقان.. وموتتان وأثران ومصيران
الكاتب حمدي شعيب
تاريخ النشر السبت 25-أغسطس-2007
مشاهدات 11
نشر في العدد 1766
نشر في الصفحة 54
السبت 25-أغسطس-2007
■ إذا مات المؤمن بكى عليه بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله ومصلاه من الأرض
حديثنا في هذا العدد عن الخطوات الخمس المنهجية العملية في رحلة التغيير النجاة، رغبًا في حسن الخاتمة، وفي الفوز بالجنة، ورهبًا من سوء الخاتمة ومن النار.
والخطوات الخمس تلك هي الخطوة الأولى: ما المصير؟! الثانية: من هم الأشقياء؟ الثالثة: من هم السعداء؟
الرابعة: من المختارون؟ الخامسة: كيف نجيد فن حب الموت عمليًا؟
وسوف نتحدث عنها بالتفصيل:
الخطوة الأولى: ما المصير ؟!
ونبدأ أول خطوة على طريق رحلة النجاة؛ وحسن الخاتمة.
فنقف ونسأل أنفسنا: ما مصيرنا بعد الخاتمة؟ فنجد الإجابة الربّانية القرآنية الصريحة؛ أنَّ الخلود بعد هذه الخاتمة: سيكون أحد مصيرين إما إلى جنة، أو إلى نار والعياذ بالله:
﴿يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)﴾ (سورة هود آية: 105-106- 107- 108).
إذن، فهنالك فريقان... وموتتان وأثران ومصيران! فكم هو بعيد ذلك الفارق بين فريق وفريق، وسمات وسمات، وفكر وفكر، وسلوك وسلوك، ونهاية ونهاية، وأثر وأثر، ثم مصير ومصير!
فكيف لو تدبَّرنا أحوال كل فريق؛ فنتأمَّل سماته، وأفكاره، وسلوكياته، ونهايته، ثم مصيره؛ وذلك لنعلم الفارق.
الخطوة الثانية من هم الأشقياء؟
ثم تأتي الخطوة الثانية؛ فنتدبر أحوال الأشقياء الخاسرين فنتبرأ منهم، ونبغضهم، وننتهي عن سلوكياتهم، ونستعيذه سبحانه من مصيرهم.
وإذا أخذنا مثالًا لهذا الفريق؛ وهم قوم فرعون، فسوف نُفاجأ بأنّ مفتاح شخصيتهم، بل وسماتهم العامة هي السلبية:
1- لهم عقلية العوام؛ أي أنّهم كانوا بلا قضية يعيشون لها، فعاشوا على هامش الحياة.
٢- لهم طبيعة القطيع؛ أي غنائيون؛ تحركهم أيدي غيرهم ﴿ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ (سورة هود آية: 97).
3-كانتْ حالتهم الأخلاقية متدنية؛ أي فاسقين، فكان ذلك سببًا رئيسًا لأن يُستخف بهم، ولا يحملوا أهلية الاحترام من قيادتهم الفرعونية، ورغم هذا فإنّهم يطيعونها قهرًا وإرغامًا: ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ (سورة الزخرف آية: 54).
4-لهم نفسية العبيد؛ أي القابلية للذل، لهذا كان حاكمهم مستبدًا وظالمًا، ثم يرى سلبيتهم، فيطغى ويرى أنَّ رأيه هو الرأي: ويحمل المذهب الاستئصالي للآخر: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (سورة غافر آية: 29).
بل تمادَى في تكبره فتجرأ- لكفره، ولغيبة أو لتغييب المعارضة- حتى بلغ به الشّطط كل مبلغ، فقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ﴾ (سورة النازعات آية: 24).
ونظرًا لقناعته وتبنيه للمذهب الاستقصائي للآخر؛ فإنّه لا يحترم الآخر، ولا يقرُّ بالتعددية، وتصوره للآخر تصور شائه: ﴿أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوۡلَآ أُلۡقِيَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٞ مِّن ذَهَبٍ أَوۡ جَآءَ مَعَهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ مُقۡتَرِنِينَ﴾ (سورة الزخرف آية: 52-53).
5- وكانت نتيجة هذا المناخ المريض الفاسد، أو المحصلة النهائية، هي تحقق سُنَّته سبحانه الإلهية؛ وهي النجاة للمؤمنين، وهلاك الظالمين سواء الحاكم والمحكومين من قومه، وغرق فرعون وملؤه.
ولأنَّهم ألغوا عقولهم، ففقدوا حريّتهم، وفقدوا اختياراتهم؛ وكما اتّبعوه في الحياة الدنيا؛ كان جزاؤهم من جنس ما صنعوا ورضوا بالهوان، فكان قائدهم في الخاتمة، ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)﴾ (سورة هود آية: 98-99).
٦- لم يتركوا أثرًا طيبًا في الحياة، يذكِّر الناس بهم بعد موتهم، كانوا منعزلين عن الوجود، مبغوضين فلم يأسفْ عليهم أحد.
لقد ذهبوا ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ (سورة الدخان آية: 29).
فلم تكُ لهم أعمال صالحة، تصعد في أبواب السماء، فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فتفقدهم، فلهذا استحقوا ألا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعنوهم وعنادهم. ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ (سورة الدخان آية: 29).
قال رسول الله ﷺ: «ما من عبدٍ إلّا وله في السماء بابان: بابٌ يخرج منه رزقه وبابٌ يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه، وتلا هذه الآية: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾(سورة الدخان آية: 29)، وذُكِر أنّهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملًا صالحًا يبكي عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم، ولا من عملهم كلام طيب، ولا عمل صالح، فتفقدهم فتبكي عليهم.
قال رسول الله ﷺ: «إنّ الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء
والأرض، ثم قرأ رسول اللهﷺ: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾(سورة الدخان آية: 29)، ثم قال: إنهما لا يبكيان على الكافر».
سأل رجل عليًا رضي الله عنه: هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال :له لقد سألتَني عن شيءٍ ما سألني عنه أحدٌ قبلك، إنّه ليس من عبدٍ إلَّا له مصلى في الأرض مصعد عمله من السماء، وإنَّ آل فرعون لم يكن لهم عملٌ صالح في الأرض ولا عملٌ يصعد في السماء ثم قرأ علي رضي الله عنه: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾(سورة الدخان آية: 29).
أتي ابنَ عباس رضي الله عنهما رجلٌ فقال: يا أبا العباس أرأيتَ قول الله تعالى: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾ (سورة الدخان آية: 29)، فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال رضي الله عنه: نعم، إنّه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه ففقده، بكي عليه، وإذا فقده مُصلّاه من الأرض التي كان يُصلِّي فيها ويذكر الله عزَّ وجل فيها بكتْ عليه. وإنَّ قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير، فلم تبكِ عليهم السماء والأرض.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان يقال تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحًا، قال مجاهد: ما ماتَ مؤمن إلا بكتْ عليه السماء والأرض أربعين صباحًا، قال: فقلتُ له أتبكي الأرض؟ فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟، وما للسماء لا تبكي على عبد كان لذكره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل؟ وقال قتادة: كانوا أهون على الله عز وجل من أن تبكي عليهم السماء والأرض»(۱).
7-وكان التعقيب القرآني حول هذه السنة الإلهية، التي تنتظر كل مفسد: ﴿وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ (سورة الأعراف آية: 86).
في العدد القادم سوف نتناول الخطوة الثالثة من منهجية رحلة التغيير والنجاة إن شاء الله.
------------------------
الهامش
(۱) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير- تفسير آية الدخان ۲۹ بتصرف.
-------------------------------
■ هل يلج الجمل في سم الخياط؟
أسماء سلّام
﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ (سورة الأعراف آية: ٤٠) تعبيرٌ قرآني يعبر عن استحالة دخول الكافرين الجنة؛ وهو من المواضع القليلة التي عبر فيها القرآن عن الاستحالة والتشاؤم من حدوث شيء معين؛ فالأمل والتفاؤل هو الأصل والتبشير خير من التنفير.
وعلى الرَّغم من صغرِ حجمِ سم الخياط الذي جاء في معرض الحديث عن الاستحالة؛ فإنه بداية لدخول خيط رفيع يبدأ بنسيج رداء وحلل الأعراس وعباءات الملوك؛ وهو ما يدل على أنَّ التفاؤل والأمل موجود حتى في سم الخياط.
فالتفاؤل هو حسن الظن بالله سبحانه وتعالى: كما حدث مع نبي الله يعقوب عليه السلام حينما قال لبنيه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (سورة يوسف آية: 87). والتفاؤل هو ذكر نعمة الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ (سورة المائدة آية: ۱۱)، والتشاؤم غشاءٌ يغطي شمس النعمة.
وقيل أيضًا: إنَّ التفاؤل هو حسن الرؤية في المستقبل.
والتفاؤل هو التصديق بوعد الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (سورة النور آية: 55).
والإنسان أحوجُ ما يكون للتفاؤُل في أحلك لحظات الليل ظلمة، وأشدُّ أوقات الأزمة؛ ففي هذا الوقت يأتي دور التفاؤل؛ فما حاجتنا للتفاؤل وقت الرخاء والدعة؟ وهل نحتاج إلى إشعال الشموع إلا في الظلمات؟!
وقد قيل: علاج المصائب لا يكون بالوجوم والتَّحازن، ولكن بالرأي السديد والعمل الرشيد، ولا شيءٌ يدمر إمكانيات الأمة ويدْحِر مستقبلها أكثر من الحزن واليأس والقنوط.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل