; مشكلة الفرد الإنساني في البلدان الشيوعية.. | مجلة المجتمع

العنوان مشكلة الفرد الإنساني في البلدان الشيوعية..

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1978

مشاهدات 15

نشر في العدد 412

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 19-سبتمبر-1978

  • افتقار الفكر الماركسي إلى أبسط القواعد الإنسانية.. 
  • الماركسية أيديولوجية القهر والكراهية ونظام الإرهاب البوليسي 

الإنسان في المجتمع الشيوعي: 

أطلق الشيوعيون عندما ظهروا في الميدان العالمي مقولات ألبسوها الأردية التي تحلو لطبقات معينة في المجتمعات الإنسانية، وبالأخص المجتمعات النصرانية، فقد وافق ظهور الفكر الشيوعي في الغرب أوج الثورة الصناعية التي غيرت معالم التفكير عند المفكرين الأوربيين، وكان لهذا التوافق أثره في تفاعل بعض الثائرين على البورجوازية والكنيسة؛ ظنًّا منهم أن هذا الفكر الجديد هو المخلص من مشكلات عصر الآلة، بيد أن الذي حدث هو أن الشيوعية أوقعت الأمم التي اعتمدتها في مشكلات أدهى وأمر من كل ما عانته البشرية من مشاكل، ولعل أكبر مشكلة قصمت بها الشيوعية ظهر المحكومين هي مشكلة الإنسان.

الإنسان الذي لا تفرق الشيوعية بينه وبين الآلة والمتاع طالما أن المقدرة الإنتاجية التي تقوم بها الآلة هي نفسها مقدرة الإنسان كيفًا، لا كمًّا؛ لأن الآلة عادة أكثر كما في الإنتاج مما يجعل ضرورة حياة الآلة أشد لزومًا من حياة الإنسان، ووجوده نفسه، وهنا تكمن المشكلة الشيوعية الإنسانية.

ولعل الإنسان الذي يعيش في العالم الشيوعي، والذي أفقدته الشيوعية إنسانيته، بحاجة إلى من يرد له تلك الإنسانية، ويضعه في مكانه الحقيقي، ثم يعامله كإنسان يحمل بين جنبيه روحًا تتحرك وقلبًا يخفق، ويشعره بوجوده الخاص المتميز بإنسانيته، وليس كمجرد طاقة في حد ذاته وكجزء من مجموع، وعلى الرغم من أن الشيوعيين صاروا عريقين في فهم الحركة السياسية في العالم، يعرفون أساليب اغتصاب السلطة وما ينشأ عنها من سخط إدراكًا تامًّا، إلا أنهم ما زالوا عاجزين عن الحكم على الناس كأفراد، فتراهم يتعاملون مع كتلة الشعب بجرأة وجسارة وعنف، إلا أنهم يظلون خائفين من الشخصية الفردية التي تحمل صفات قيادية.

  • النظام الشيوعي بين الفعلية البوليسية وانعدام الثقة بالفرد

ومن أبرز الصفات الخاصة الملازمة للماركسية والحكم الشيوعي صفة تتسم بالفعلية البوليسية، ناتجة عن انعدام الثقة في الفرد بشكل دائم؛ فالفرد موضع شك حيثما كان، ومن المحتمل في تصور الشيوعيين أن يكون أي فرد مصدرًا للأذى والضرر والتخريب، حتى ولو كان معروف بولائه للسلطة؛ إذ إنهم يفترضون أن الفرد يخفي دائمًا ما لا يتجرأ على إظهاره أو قوله أو فعله، ومن هنا يلزم أن يوضع تحت المراقبة والاختبار والتحري بصفة دائمة؛ إذ يحتمل أن يحدث ما لا تحمد عقباه، لذلك فقد أوجد في المجتمع الشيوعي ما يسمى المخبر، وهذا المخبر ليس من الضروري أن يكون أحد رجال البوليس السري المحترفين، ولكنه قد يكون مواطنًا عاديًّا أرغم على القيام بهذا الدور، أو سيق مضطرًّا لسبب ما ليتقمص تلك الشخصية، وقد فرض الشيوعيون على الناس المحكومين نمطًا واحدًا ينبغي عليهم جميعًا أن يتبعوه، ووضعوا نموذجًا للإنسان كما فهموه من وجهة النظر الماركسية، وأوجبوا على الناس جميعًا أن يغيروا من أنفسهم ليصيروا مماثلين لذلك النموذج، وفي رأيهم أن تنوع الأنماط واختلاف الرغبات هي الفوضى وليست التعبير الصادق عن الحياة نفسها. وسرى هذا المنطق على الناس وعلى كل شيء في حياة الناس، فهناك طراز واحد لكل شيء ينبغي على الجميع أن يرضوا به ويذعنوا له، حتى فيما يقدم إلى الناس من سلع وبضائع استهلاكية، فليس هناك مجال للرغبات الخاصة للفرد والتي تلزمه ليعيش ويتمتع بحقه في اختيار ما يلائمه ويلائم احتياجاته، ويشبع رغبته الشخصية التي تجعله يشعر بأنه كائن بشري يحيا حياة عصرية، فالرغبة الشخصية في نظرهم هي العدو، وهي تخريب للمجتمع وتبديد لإمكانياته وإهدار لطاقاته.

وكان من نتائج وجود المخبرين المندسين في كل شق وناحية أن زرعوا الخوف والشك والريبة في علاقات الناس اليومية العادية بعضهم ببعض، وصار الجميع يعيشون في خشية دائمة من أن ينحرف سلوكهم بشكل يمكن ملاحظته عن نموذج الإنسان الاشتراكي الذي وضعوه لهم ليحتذوا به، وأصبح السلوك الشائع بين الناس هو الانحناء والخنوع والتخلي عن الرغبة الشخصية، فالفرد لدى ماركس لا قيمة له ولا وزن، ولكن الناس في مجموعهم هم الذين يعمل حسابهم، وهم الذين يعتد بهم، وهم الذين يصنعون التاريخ ويحركونه.

أما خطر هذا النموذج الذي يفترض أن يتبعه كل مواطن يعيش في الدولة الشيوعية فكبير جدًّا على الإنسان ومن أول مشاكله أنه يميت كل ميزة فردية أو اتجاه يتميز به إنسان ما؛ ذلك أن قسر الشخصية الإنسانية على تقمص شخصية مصنوعة يميت أحاسيس الإنسان؛ لأن عملية التدخل بالوجدانات الفردية تؤدي إلى إماتة المواهب تدريجيًّا، وعندها يصبح الإنسان آلة، لا فرق بينه وبين أي إنسان، كما أنه لا فرق بين الله وأخرى في هذا المصنع أو ذاك.

  • الفرد بين القهر والحرية في المجتمع الماركسي:

أما مسألة الحرية في النظام الشيوعي والتقنين الماركسي، فتلك مشكلة كبرى في حياة الإنسان؛ ذلك أن فطرة الإنسان المطبوعة على الاختيار تصدم بفرق الشيوعيين في الحياة، وقد يظن ظان بأن مشكلة المعيشة ومستوياتها هي المشكلة الأساسية التي نالت من الإنسان في تلك المجتمعات؛ إلا أن المأساة الإنسانية لم تؤت من هنا فحسب، يقول المفكر الغربي يان سو بريبلا: ما ذهب المرء إلى الشرق، إلى العالم الشيوعي، فإنه سوف يدرك أن مشكلة الشيوعية لا علاقة لها كثيرًا بمستويات المعيشة بقدر علاقتها الكبيرة بمستويات الحرية، فإنه من المحتمل أن يهتم السوفيات والصينيون في المستقبل بتوفير كميات وأنواع كافية من البضائع والخدمات المناسبة بهدف المحافظة على الأوضاع السياسية القائمة.. ولكن هذا لا يعني شيئًا بالنسبة لمستوى ومساحة الاختيارات المتاحة للفرد في مسائل غير الأحذية والملابس العصرية وبعض السلع الأخرى، وفي الحقيقة فإن مسألة تيسير ظروف المعيشة المادية قد تقنع قطاعًا هامًّا من الشعب بأن الحال قد طابت مسألة يمكن المجادلة فيها، فإن توفير الاختيارات المتنوعة في أمور غير السلع الاستهلاكية ربما يعتبر عنصرًا أساسيًّا في تركيب التقدم المادي، كما أنه لا يمكن إهمال تركيز السلطة في يد مجموعة قليلة من الأفراد وجعلها أمرًا معقولًا ومقبولًا لدى الناس. ومن المعروف أن الدول البوليسية ذات المستويات المعيشية المختلفة، يعمل فيها كل من العلماء والرياضيون والمهندسون مجندين في أجهزة التحكم والسيطرة المركزية، وهم يستخدمون أحدث الآلات والوسائل والأجهزة العلمية والعقول الإلكترونية لإحكام النظام المروع والسيطرة على الفرد في تلك المجتمعات. ونحن نجد صدى هذا واضحًا في البلدان العربية التي انحازت نحو اليسار والتطبيق الاشتراكي.

مشكلة الكراهية الجماعية في عملية التفاعل التاريخي:

من المشكلات الماركسية في مجتمعات الشيوعيين ما انبثق من الكراهية الجماعية، وقد حاول الماركسيون تبرير هذه المشكلة فزعموا أن الكراهية الجماعية تقوم بدور الوسيط الكيميائي في عملية التفاعل التاريخي، وأن الكراهية الطبقية هي التي حركت الجنس البشري عبر القرون، ودفعته إلى الأمام وإلى الأعلى، إنما هي كراهية يزكي نارها التناقض في التركيب الاقتصادي القاعدي للمجتمع.

وكما هو بكل وضوح أن افتراضهم إنما هو افتراض واهٍ سقيم، وهو أشد سقمًا إذا أرادوا أن يبنوا عليه مجتمع المستقبل المتوافق المنسجم مع بعضه، وعلى ذلك فإن الأساس الماركسي هذا لا يقوم عليه إلا حزب مزعزع بغيض يؤدي بالإنسان والإنسانية والبشرية جمعاء إلى أبشع مشاهد البؤس. على أن الدواء الشيوعي الموصوف لهذا البؤس أمر من الداء، وهو بحسب ما سار عليه الماركسيون اللينينيون إذابة الأفراد في كيان واحد، ذلك أن تفاعل الحقد والكراهية في مثل ذلك المجتمع -كما ظنوا- مسألة خلافة لما هو إيجابي في حركة التاريخ. ويتساءل هنا العقل السليم الذي لم تصبه لوثة الاشتراكية والشيوعية: متى كانت الكراهية تثمر خيرًا؟

إن إلصاق صفة الكراهية بالناس جملة، ورفع هذه الصفة الخبيثة إلى مستوى أن تكون هي المحرك للتاريخ، فذلك أمر تنعكس ظلاله على القضية الماركسية، وإن دلت هذه الأيديولوجية على صفة، فإنها تدل -دون شك- على ما يضمره الشيوعيون من شك وخشية وخوف من الناس، كما يفضح رغبتهم أيضًا في التدخل في الحياة الخاصة للأفراد، وفي هذا دلالة كافية على افتقار الفكر الماركسي إلى أبسط قواعد الإنسانية التي نادى بها المفكرون في أوربا وغيرها على مر العصور.

وعلى الرغم من الستار الحديدي المضروب على الفكر والحرية الإنسانية وحرية الحركة الشخصية في كافة الدول الشيوعية، فإن كل فرد تحدثه نفسه دائمًا بطريقة ما يتخلص بواسطتها من العيش في أكناف الشيوعية، وقد تمكن بعض من يمارس عمله في سفارات شيوعية من اللجوء إلى بلدان غربية رغبة في الشعور بما افتقده هؤلاء من حرية وإنسانية.

الرابط المختصر :