العنوان المغرب: «العدالة والتنمية» يكسر القاعدة ويفوز بولاية حكومية ثانية
الكاتب عبدالغني بلوط
تاريخ النشر الثلاثاء 01-نوفمبر-2016
مشاهدات 751
نشر في العدد 2101
نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 01-نوفمبر-2016
المغرب: «العدالة والتنمية» يكسر القاعدة ويفوز بولاية حكومية ثانية
فاز حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الإسلامية، بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية المغربية بحصوله على 125 مقعداً من أصل 395؛ مما مكّنه من البقاء على رأس الحكومة لولاية ثانية، وفقاً للدستور المغربي المعدّل عام 2011م، وناهزت نسبة المشاركة 43%، إذ صوت في الانتخابات 6ملايين و750 ألف مغربي من أصل قرابة 16 مليون مغربي مسجل في اللوائح، وحصل حزب الأصالة والمعاصرة، الغريم الأول للعدالة والتنمية، على 102 مقعد.
الرباط: عبدالغني بلوط بن الطاهر
وكان بعض المحللين السياسيين يتوقعون فوز الأصالة والمعاصرة، وهي توقعات لم تأتِ من فراغ، فقد كانت نتيجة منطقية للحملة الإعلامية القوية التي استهدفت العدالة والتنمية لتشويه صورته وتبخيس عمل الحكومة التي كان يقودها حتى من بعض الأحزاب التي كانت تشكلها، علاوة على الإجراءات الإدارية لتقليص فوز الحزب الإسلامي، والهجرة الواسعة للأعيان أصحاب النفوذ المالي والسياسي نحو الأصالة والمعاصرة في خطوة استباقية لحماية مصالحهم بعد تخويفهم من فوز العدالة والتنمية.
كسر القاعدة الانتخابية
وقد همس أحد المحللين السياسيين لمراسل «المجتمع» قبل الانتخابات أن «التقاليد المغربية سارت في اتجاه ألا يفوز رئيس حكومة بولاية ثانية، وهذه القاعدة لن تخرج عليها انتخابات 7 أكتوبر».
لكن بعد ذلك رأى المتحدث نفسه - الذي فضّل عدم ذكر اسمه - أن صمود العدالة والتنمية وقوة خطابه والتفاف مناصريه كانت حاسمة في الفوز، بالرغم من المحاولات العديدة التي قام بها منافسوه الذين عجزوا عن بلورة بدائل مهمة في مجال السياسات العمومية وشخصنة النقاش في الحملات الانتخابية جعل عدداً من المواطنين يصوتون تصويتاً سياسياً ويجددون الثقة في حزب المصباح.
وأضاف: بذلك الخطاب الواضح كسر العدالة والتنمية القاعدة التي تقول: إن الممارسات الحكومية تأكل من شعبية الحزب الحاكم.
وأكد الحزبان الغريمان في أكثر من مناسبة قبل الانتخابات أن إمكانية تحالفهما مستحيلة، وركزا على ذلك في حملتهما الانتخابية.
سيناريوهات التحالفات
وتسير الأمور إلى تحالف بين العدالة والتنمية وحزب الاستقلال (حزب وطني) والتقدم والاشتراكية (يساري ساند العدالة والتنمية بقوة في الولاية السابقة) والحركة الشعبية (يمين) وربما التجمع الوطني للأحرار (يمين) أو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (أكبر حزب يساري في المغرب).
وقال سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للعدالة والتنمية: لو حصل التحالف مع الأصالة والمعاصرة فإن الناخب لن يفهم شيئاً، وهو الذي صوت على الحزب لكي لا يترأس منافسه الحكومة أو يدخلها.
وللالتفاف على هذه النتائج وتبرير هزيمته دعا إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلى مصالحة تاريخية مع كل الأحزاب بعدما عين الملك عبدالإله بن كيران رئيساً للحكومة للمرة الثانية، ودعوته للمصالحة لم تلقَ آذاناً صاغية، رأى فيها البعض مناورة جديدة، والبعض الآخر رآها بداية نهاية الأصالة والمعاصرة الذي أنشئ عام 2008م، وهيمن على المشهد الحزبي عام 2009م، قبل أن توقفه رياح «الربيع العربي» ومقاومة حزب العدالة والتنمية له.
وجاءت دعوة العماري تلك بعدما سعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى «فرملة» تعيين عبدالإله بن كيران رئيساً للحكومة لولاية ثانية، إذ دعا إلى اجتماع عاجل مع رؤساء الأحزاب دعاهم فيه إلى بعث رسالة إلى الملك تخبره بعدم رغبتهم في التحالف مع العدالة والتنمية، لكن حميد شباط، الأمين العام للاستقلال، انتفض في وجهه وأفشل مساعيه.
بل خرج شباط إلى الصحافة وأعلن موافقته الدخول في حكومة ابن كيران الثانية، ووصف الأصالة والمعاصرة بأنه حزب تحكمي يريد «تونسة» المغرب، في إشارة إلى ما فعل الرئيس التونسي المخلوع «بن علي» خلال حكمه من تضييق للحريات وفرض الحزب الوحيد بتعددية شكلية.
ويحمل حزبا العدالة والتنمية, والأصالة والمعاصرة مشروعين مختلفين؛ إذ يسعى حزب العدالة والتنمية إلى تقوية ممارسته الديمقراطية بل إلى تقوية الأحزاب الديمقراطية، ويتهم غريمه الأصالة والمعاصرة بسعيه نحو محوه من الخريطة السياسية، وهي أهداف نشأته الأولى والسعي إلى التحكم في المشهد السياسي وإضعاف كل الأحزاب الأخرى؛ خدمة لأجندته التوسعية، وفرملة الإصلاحات في البلد، فيما يتهم الأصالة والمعاصرة منافسه بسعيه نحو «أخونة» المجتمع المغربي، وهو الشعار الذي رفع في مسيرة مفبركة بالدار البيضاء كان وراءها هذا الحزب الذي نشأ مؤخراً والتف حوله كل من له مصلحة.
توجسات ما قبل النتائج
وساد توجس كبير خلال الحملة الانتخابية من إفساد العملية الديمقراطية، حتى قبيل الإعلان عن النتائج، وعلى خلاف انتخابات عام 2011م، تواترت الأخبار في جل الدوائر الانتخابية عن قيام البعض بالاتصال بالمواطنين وطلب التصويت للأصالة والمعاصرة في تناف تام مع مبدأ حياد الإدارة.
وفي خطوة استباقية، أعلن عبدالحق العربي، المدير العام لحزب العدالة والتنمية، أن حزب «المصباح» يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية، وأضاف أنه حسب المحاضر الأولية التي توصل بها الحزب، فإنه يتقدم بفارق مريح عن أقرب منافسيه في اقتراع 7 أكتوبر، مندداً بما وصفه بـ «خروقات واستعمال للمال والقوة وطرد المواطنين أثناء سير العملية الانتخابية».
نتائج منطقية
وبعد الإعلان عن النتائج الرسمية، قال عبدالإله بن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية: لا أحد شكك سياسياً في نزاهة الانتخابات التي أشرف عليها إلى جانب وزير الداخلية محمد حصاد، وزير العدل والحريات مصطفى الرميد (العدالة والتنمية)، دون أن ينفي وجود بعض الممارسات المخلة هنا وهناك.
وقال د. أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية: إن النتائج التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية منطقية، مبرزاً أن المفاجأة التي خلقتها هذه النتائج تتمثل في تراجع مقاعد عدد من الأحزاب الوطنية.
حزب الأصالة والمعاصرة هو الوحيد الذي زاد عدد مقاعده بأكثر من الضعف (42 مقعداً عام 2011م)، واستعمل الحزب الذي يوصف في المغرب أنه حزب تحكمي كل الأساليب من أجل الظفر بالمرتبة الأولى، وكان من هذه الأساليب خطف مرشحين من أحزاب أخرى، إذ تم إحصاء أكثر من 30 مرشحاً نافذاً في دائرته الانتخابية، كما استعان بالأعيان من أصحاب الثروات الضخمة، وشكلوا ثلثي برلمانييه الفائزين.
وأفلحت هذه الطريقة في نيل عدد من المقاعد، لكن المتضرر الأكبر الأحزاب الأخرى من غير العدالة والتنمية الذي حافظ على قاعدته الانتخابية وزاد عنها بسبب مخاوف المواطنين جراء سلوكيات أعوان السلطة.
ويرى البوز أن المثير في هذه النتائج هو تراجع اليسار بجميع ألوانه؛ سواء التقليدي (التقدم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي)، واليسار المعارض (فيدرالية اليسار)، حيث لم يحصل إلا على نتائج محدودة، مبرزاً أن تراجع حزب الاتحاد الاشتراكي مفهوم؛ نظراً لكون الصورة التي كان يقدمها للمغاربة «تخدشت»؛ بسبب المشكلات التنظيمية والانشقاقات التي عرفها في الآونة الأخيرة، وضعف رهانه على المناضلين والحملات الانتخابية النظيفة.
تكريس التوجه الديمقراطي
بالرغم من كل الملاسنات والتصريحات الحزبية التي اشتدت إبان الحملة وبعد ظهور النتائج، فقد تميزت هذه الانتخابات بمعطيات أساسية؛ إذ كرّست التوجه الديمقراطي الذي يسير عليه المغرب، ومنعت من «ردة» محتملة كما حدث في بعض دول الجوار، وسارعت الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي بصفتهم شركاء إستراتيجيين إلى تهنئة المغرب على احترام المسلسل الديمقراطي، كما يرى ذلك د. الحسين أعبوشي، أستاذ العلوم السياسية، وأضاف أنه على العموم نظم المغرب انتخابات حرة ونزيهة مع سلوكيات شابتها هنا وهناك تتحمل فيها النخب المسؤولية الكبرى أكثر من الدولة.
وبعد ثلاثة أيام من ظهور النتائج، استقبل الملك عبدالإله بن كيران، الأمين العام للحزب الفائز بالرتبة الأولى، وعينه رئيساً للحكومة، وقال أعبوشي: إن ذلك تكريس للمنهجية الديمقراطية التي نص عليها دستور عام 2011م، وسلوك مميز للإنصات إلى صوت الشعب.
واعتبر أعبوشي أن الناخب المغربي وصل إلى مرحلة النضج، فالذي صوت على العدالة والتنمية صوت على الحزب في غالب الأحيان وليس على الأشخاص كما فعل ناخبون صوتوا لأحزاب أخرى، والناخب المغربي أصبح يريد المعقول والصراحة ونظافة اليد، وهو ما وجده في العدالة والتنمية بالرغم من عدم موافقته على أمور تدبيرية معينة.
حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية، ذو الوجه اليساري، قال: إن نتائج الانتخابات لم تفاجئه، وأضاف أنها كرّست عودة متدرجة للسياسة في الحقل الانتخابي والتصويت السياسي الذي أصبح له معنى وتجاوز المرحلة القديمة التقليدية المرتبطة بالنفوذ والمال والقرب من السلطة والقبيلة وبالتراتبية الاجتماعية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

