الثلاثاء 30-يونيو-1970
الخطر والمناقشات التي سـتبدأ
لعل من أهم أنباء المجتمع البيان الذي ألقاه سمو ولي العهد يوم الخميس الماضي. وبدأت المناقشات في الديوانيات وبين المثقفين، وكان له صدى واسع في مختلف البلاد العربية. الجميع ينظرون عقد ندوات منظمة على مستوى القطاعات المختلفة لمناقشة مواد البيان تمهيدًا لإخراجها لحيز التنفيذ في مختلف القطاعات، خاصة وقد أشار البيان إلى خطورة الوضع الذي تطوّرت إليه الكويت، وبرغم الصيف وحرارته فقد أحدث البيـان نشاطًا ضخمًا في المجتمع سیبرز أثره في خلال الأسابيع القليلة المقبلة..
التـَبرع لمنكوبي المسلمين بالهند
كانت قد وصلتني منذ أسبوعين رسالة مستفيضة من مسلمٍ غیور ورفق بها شيك بمبلغ ٥٠٠ دينارٍ لصالح ضحايا المذابح الوحشيّة بين المسلمين، التي ارتكبها الهندوس انتقامًا للمظاهرات التي أقامهـا المسلمون احتجاجًا على إحراق المسجد الأقصى.
وقد نشرت نص الرسالة المؤثّرة في المجتمع.
وجاءني كثيرٌ من الإخوة يسألونني عن مصير نداء الأخ الذي وجهه للمسـلمين ليتبرعوا لإخوانهم الذين يعانون ذل الفاقة والعوز ولا يجدون مأوى ولا طعامًا..
وطالبني الإخوة بأن تعلن الصحيفة عن فتح باب التبرّع.
ونحن نقول للإخوة المقتدرين: ليكن لكم في أخيكم قدوة حسنة، فهو لم ينتظر من المجتمع أو غيرها أن تناديه وتندبه للتبرّع، ولكنه بادر من تلقاء نفسه بواعزٍ من دينه وضميره، بعد أن قرأ ما نشرته المجتمع عن المذابح التي وقعت هناك..
إننا ننتظر من إخواننا أن يتنافسوا في الخير والبر ﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ﴾. (المطففين: 26).
ونداؤنا لن يكون إلا من نداء الله عز وجل ﴿۞إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ﴾ (التوبة: 111).
الذباب.. الذباب
وكان لقاؤه الثاني أكثر حدّة وثورة من اللقاء الأول.. كان يتكلَّم وهو يتدافع إلى الأمام، وكانت قوة هائلة مخيفة تلاحقه.. قال دون تردد وفي استعطاف: «أرجوك ادفعهم عني، ادفع هذه الجيوش، ادفع الطائرات والمدافع والذباب وما أكثره، ادفع الذباب أولًا لأنه أشد على نفسي من الطائرات والمدافع.. الذباب».
وحرت ماذا أقول له.. وخشيت أن يكون قد مسّه الشيطان فاختبلت قواه العقلية، ولكن عيناه كانتا لا تزالان تومضان بنور قلبه، وصفاء سريرته، فآثرت القرآن له علاجًا، فوضعت يدي على صدره وتلوت: ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ﴾(فصلت: 36). ﴿إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ﴾.) سورة النحل: آية 99).
سكت الشاب قليلًا ثم عاد يغمغم بصوت هادئ: «إنني يا أخي أشعر بأنك قد زودتني بأسلحة ومدافع أقوى وأغنى من أسلحة عدوي.. لكن الذباب الذباب.. إنه كثير ولعين».
قلت له: «إنني الآن مطمئن إلى أنك بخير، وأن عقلك وفؤادك لا يزالان في مواقعهما، وإليك قلبي قبل أذني..».
قال الشاب: «بعد أن استمعت لحديثك الماضي، خرجت بفيض من الإيمان والمعرفة، فقلت إنه من الشح ألا أجود على الناس بهذا الخير. وكان حظي الغريب أن ألتقي بمجموعةٍ من الشباب يتحلّقون حول فتيات، ويتشممونهن كما تفعل الحمير، فقذفت نفسي كالصاروخ وقلت للشباب: اتقوا ربكم وارحموا أنفسكم وصونوا أعراضكم. وكانت قهقهة عالية، ولمزات ولمسات، ثم ألسنة تطعن وجهي، وأظافر تخمشني، وعبارات صاغها لسان شيطان بذيء، وكل شيء نسيته الآن إلا العبارات.. اذهب يا رجعي، عد إلى عهد الحريم والسلاطين، يا حجرًا في طريق التقدُّم و و...
ولم أجد وسيلة إلا الخلاص بنفسي.. وطرت إليك لا لأشكو ضعفي، ولكن لأشكو حيرتي وانزعاجي..».
وسكت الشاب طويلًا، ثم عاد يكرر: «الذباب.. ما أكثره!».
قلت له: «إنك ببصيرتك المشرقة عرفت حقيقة هؤلاء الشباب. إنهم كما قلت ذباب، ذباب يطن ويتحرك بالعدوى وينقلها دون أن يدري، ذباب وقع على أوساخ أوروبا فملأ فمه منها ثم طار إلينا وأفرغ سمه في دمائنا».
قال: «وماذا نفعل؟».
قلت: «فليتحول الذباب إلى نحل، ولتتحول الأوساخ إلى زهور، ولتتحول الزهور إلى رحيق فيه شفاء للناس».
قال: «وكيف يكون ذلك؟».
قلت: «نطهر الأرض ونحسن الغرس.. ثم نجني بعد ذلك الثمار».
قال: «تكلم ولا تغمض».
قلت: «ليكن الإسلام الماء الطهور الذي نسقي به أرضية الشباب فتنبت خيرًا وطهرًا.. ليكن التنزيل غسلًا لأدران الماضي وأوساخه.. وليكن الرسول حبيب قلوبنا، ورفيق عمرنا، وسید أنفسنا.. ولیكن هوانا معه في كل ما ردده عن ربه «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»، ولنعش العمر في صحبة أساتذتنا عمر وأبي بكر وعلي».
قال الشاب: «ولكن هذا لن يكون وكل هذا الذباب موجود». قلت: «من تفريطنا نحن نظافة أنفسنا سقط علينا الذباب، ولو كنا كما أمرنا ربنا لنصبنا شباكًا على حدود ديارنا تحبس عنا الذباب وأوساخه».
قال: «كن واضحًا ولا تغمض».
قلت: «إن سكوتنا عن إعلان كلمة الله، وهروبنا من معركة القرآن، وفرارنا من مواجهة أعداء الله جعلنا في معزل عن دنيا شبابنا.. وكان أن تخطفه أعوان الشيطان من بين أيدينا وصنعوه على هواهم.. وليس أمامنا إلا أن ننفذ من خلال أسوار العدو ونلتقط شبابنا.. فيكون فكرهم وقلبهم وهواهم معنا، ولن تجد من هذا الشباب ذبابًا.. لن تجد منه إلا شهدًا وحلاوة، لن تجد من رأيتهم بالأمس، ولكنك ستلتقي بأجناد أفذاذ، في سيماهم إيمان وفي رؤوسهم عِلْم وفي أيديهم سلاح. المهم يا أخي أن تنفذ إلى الناس، أن تشق الطريق إلى الشباب، أن تفتح الأبواب بالقرآن، وأن تسير في موكب الرسول حتى لا تضل الطريق..».
تظاهرات لاهور في الخامس من حزيران
الأستاذ رئيس تحرير صحيفة المجتمع الإسلامية المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
نعلمكم أن جماعة الفكر الإسلامي - فرع لاهور، قد قامت بمظاهرة في الخامس من حزيران، وقد جابت المظاهرة أركان جامعة البنجاب. وقد حاصر البوليس الباكستاني الجامعة ومنع المتظاهرين من الخروج إلى شوارع المدينة، وقد اشترك في المظاهرة جمعيّة طلبة باكستان الإسلامية. وقد هتف المتظاهرون بشعاراتٍ إسلامية تدعو إلى الجهاد لتحرير فلسطين وکشمیر وإرتيريا وقبرص. والجدير بالذكر أن فئات اليسار قد سُمِحَ لها بالخروج إلى شوارع المدينة.
وقد ألقى المسئول العام كلمة قال فيها: إن أمريكا وروسیا تتآمران لقتل الروح الإسلامية في الشباب المسلم، وأضاف قائلًا: إن روسيا التي تتبجّح دائمًا بحبها للعرب، قد بعثت ببرقيّة تهنئة على لسان اليكسي كوسيغين رئيس الوزراء إلى إسرائيل، على القيام بالعرض العسكري في القدس في العام الماضي، وقد تجاهلت الإذاعات العربية هذا الخبر بينما ذكرته إسرائیل باللغة العبرية.
واستطرد قائلًا: إن التاريخ منبع صافٍ نستقي منه العِبَر. فإن فلسطين قد سقطت أكثر من مرة في أيدٍ أجنبية وما عرفنا غير الإسلام منقذًا لها. فقد استلمها الخليفة عمر، ثم حرّرها البطل المسلم صلاح الدين الأيوبي من رجس الصليبية الماكرة.
وقد ألقى نفس الكلمة طالبٌ باكستاني باللغة الأردنية. واهتمت الصحافة الباكستانية اهتمامًا بالغًا بالمظاهرة، وتحدثت عنها مطوّلًا، ونشرت صور المتظاهرين الذين كانوا يهتفون: «الله غايتنا والرسول زعيمنا»..
«نادي صلاح الدين ثانية فينا
وجددي حطين أو شبه حطينا»
نرجو نشر البيان إذا أمكن
اقبلوا احترامي
المسئول الثقافي
عدنان قضاه
اللجنة الثقافية
هَل تؤدّي مسَاجدنا رسَالتهَا؟
الكويت من أكثر بلاد المسلمين مساجد، إن لم تكن أكثرها.. وهذه الحقيقة يعرفها كل من يقيم في هذا البلد، ويدركها الزائر لها بعد أول جولة له فيها. فمساجدنا من حيث العدد والطراز والتشييد والأثاث على مستوى عالٍ جدًا.
ونحن نريد لهذه المساجد أن تكون على هذا المستوى المرموق من حيث ما تقدمه للمجتمع. نريدها أن تكون كما أرادها الله ورسوله.. فهي لو أريد لها أن تكون للصلاة فقط لأغنت عنها البيوت والخلوات.. ولكنها وُضِعَت لتكون أماكن استقطاب يجتمع فيها الناس.. يتثقفون.. ويترابطون.. ويتآلفون.. ويتعلمون أن الإسلام دين عمل للحياة.. ونظام للمجتمع.. وعقيدة تستوعب الكون بأسره.
ونريد لهذه المساجد أن تكون مراكز إشعاع لهذه الأمة يستضيء بها القائد ويسترشد بها الضال.. نريدها ليستغني بها الشيخ عن كل ديوان، ويستغني بها الشاب عن كل نادٍ.. ويستغني بها الطفل عن كل ملعب.. وتستغني بها المرأة عن كل مجمع.
هكذا كانت المساجد في عهد رسولنا الأعظم عليه السلام وفي عصر خلفائه الراشدين.. كانت منتدى الشيوخ.. ومیدان التدريب للشباب.. ومركز التثقيف للنساء.. يحرص الناس على غشيانها باهتمامٍ زائد.. حتى كان الواحد ينيب عنه أخاه أو صديقه أو ابنه في الحضور إذا تعذّر ذلك عليه، كي لا يفوته شيء يقوله الإمام، أو خبر عن مجتمعه أو أمته.
لقد فترت الصلة بين الإنسان والمسجد، بعد أن قل عطاء المسجد ولم يعد مركز الإشعاع في المجتمع.. وبفتور هذه الصلة وضعفها ضعفت الحركة الإسلامية عن فعل فعلها في أوساط الأمة.
ولم تعد مساجدنا تؤدّي مهمتها الأولى التي وُجِدت من أجلها.. وأصبحت أماكن للصلاة فقط مع أن الغاية من إقامتها هي «أن يذكر فيها اسم الله»، أي أن يُعبَد الله فيها.. وعبادة الله -في عرف الإسلام- تشمل كل عمل من صلاة وصيام وزكاة وشغل وسلوك وتربية وتعامل مهما كبر هذا العمل أو صغر.. يُثاب عليه المسلم إذا أدّاه على وجهه الصحيح ويعاقَب عليه إذا أساء به. ولا بد من تعلّم هذه الأمور في المسجد أولًا.. ولن تغني عنه في هذا المضمار مدرسة أو نادٍ أو مسرح.. ولا بد لهذه الأجيال المسلمة من إعادة تربية وتنشئة.. وتوضيح مفهوم.. وتفسير مألوف.. واستبعاد كل دخیل شائن بعد أن انقطعت صلتها بماضيها.
وأول ما يستوجب العناية به في المسجد قبل البناء والتأثيث.. هو إمام المسجد الذي يعطي الناس قيم الإسلام ومُثله.. فيجب أن يكون في مستوى الرسالة التي يحملها.. فاهمًا لها.. عاملًا بها.. وإلا قلَّت ثقة الناس به حتى تنعدم، ويصبح سخرية بين الناس.. ومثلًا في الجهل والغفلة. والإمام الكفء لمنصبه القادر على إعطاء الناس مفاهيم الإسلام الصافية النقية.. العامل بما يطلبه منه الإسلام.. المؤهل في ثقافته، القوي في شخصيته، المستقيم في أخلاقه وسلوكه، المُحبّ لدعوته، المتحمس لإسلامه.. هو الإمام الصالح للناس والقدوة الحسنة لهم.
وقد يصعب إيجاد هؤلاء الأئمة، ولكن شيئًا من العناية -لا السخاء- براتب إمام المسجد كفيلة بإيجادهم. فماذا لو كان راتب الإمام كراتب أي موظفٍ بسيطٍ في الدولة.. وهو من ألزم الموظفين لهذا المجتمع.. إن بناء بعض المخازن والدكاكين يُنْفَق ريعها على المسجد كفيلة بتغطية نفقاته.
ولماذا لا يزاد من واجب الإمام بعد ذلك؟! فيكون بجانب إمامته للناس وخطبته للجمع واجب في إعطاء الدروس المسائيَّة في الإسلام لمن يريد.. يحفّظهم القرآن.. ويشرح لهم نصوصه.. ويعلّمهم الحديث والسُّنة.. ويحدثهم في أمور كسب معاشهم.. وتسيير أمورهم.. وتربية أولادهم.. وأحوال بلادهم.. فيكون في مسجده ندوة بعد كل صلاة ظهر أو عصر أو مغرب أو عشاء.
إنّ في الكويت بعض أئمة أفذاذ قادرين على إعطاء الناس ما يتوقون إلى معرفته.. يعلِّمونهم الإسلام بطريقة جَدّ ممتازة، ويقصدهم الناس في مساجدهم من الأماكن البعيدة ليستمعوا إليهم حبًّا في الاستزادة من العلم والمعرفة والدين، وحرصًا على تفهُّم الإسلام كما يجب، وفي هذه الظاهرة برهان ساطع على أن الإمام الناجح قادر على استقطاب الناس من حوله.. قادر على أن يفيد بعلمه الكثير.. قادر على أن يكون بسلوكه مثلًا يُحتذى، ومشعلًا للهداية.. وسط هذا الديجور المظلم.. قادر على أن يكون من حوله ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ. رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ. لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ﴾ (النور: 36-37-38).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

