; الإجابة لفضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السابق- المعصية تُنقص من أجر الصائم | مجلة المجتمع

العنوان الإجابة لفضيلة الشيخ د. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السابق- المعصية تُنقص من أجر الصائم

الكاتب د. أحمد ناجي

تاريخ النشر الجمعة 01-أبريل-2022

مشاهدات 12

نشر في العدد 2166

نشر في الصفحة 28

الجمعة 01-أبريل-2022

ما تأثير المعاصي على قبول الصيام وصحته؟

- الصيام عبادة تعمل على تزكية النفس، وإحياء الضمير، وتقوية الإيمان وإعداد الصائم ليكون من المتقين، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)؛ ولهذا يجب على الصائم أن يُنَزِّه صيامه عما يجرحه، وربما يهدمه، وأن يصون سمعه وبصره وجوارحه عما حرم الله تعالى، وأن يكون عفَّ اللسان، فلا يلغو ولا يرفث، ولا يصخب ولا يجهل، وألا يقابل السيئة بالسيئة، بل يدفعها بالتي هي أحسن، وأن يتخذ الصيام درعاً واقية له من الإثم والمعصية، ثم من عذاب الله في الآخرة، ولهذا قال السلف: إن الصيام المقبول ما صامت فيه الجوارح من المعاصي، مع البطن والفرج عن الشهوة.

وهذا ما نبهت عليه الأحاديث الشريفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب -وفي رواية: «ولا يجهل»- فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل: إني صائم، مرتين»(1)، وقال عليه الصلاة والسلام: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»(2)، وقال: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع»(3). 

وكذلك كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهرة للأنفس والجوارح، وتَنزُّهاً عن المعاصي والآثام، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو، وقال جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء.

وروى طليق بن قيس عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إذا صمت فتَحَفَظْ ما استطعت، وكان طليق إذا كان يوم صيامه، دخل فلم يخرج إلا إلى صلاة، وكان أبو هريرة رضي الله عنه وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد، وقالوا: نُطهر صيامنا، وعن حفصة بنت سيرين من التابعين قالت: الصيام جنة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة! وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يقولون: الكذب يفطِّر الصائم! وعن ميمون بن مهران: إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب(4).

ومن أجل ذلك، ذهب بعض السلف إلى أن المعاصي تفطِّر الصائم، فمن ارتكب بلسانه حراماً كالغيبة والنميمة والكذب، أو استمع بأذنه إلى حرام كالفحش والزور، أو نظر بعينه إلى حرام كالعورات ومحاسن المرأة الأجنبية بشهوة، أو ارتكب بيده حراماً كإيذاء إنسان أو حيوان بغير حق، أو أخذ شيئاً لا يحل له، أو ارتكب برجله حراماً، بأن مشى إلى معصية، أو غير ذلك من أنواع المحرمات، كان مفطراً.

فاللسان يُفطِّر، والأذن تُفطِّر، والعين تُفطِّر، واليد تُفطِّر، والرِّجل تُفطِّر، كما أن البطن تُفطِّر، والفرج يُفطِّر، وإلى هذا ذهب بعض السلف أن المعاصي كلها تُفطِّر، ومن ارتكب معصية في صومه فعليه القضاء، وهو ظاهر ما رُوي عن بعض الصحابة والتابعين، وهو مذهب الإمام الأوزاعي، وهو ما أيده ابن حزم من الظاهرية.

وأما جمهور العلماء، فرأوا أن المعاصي لا تُبطل الصوم، وإن كانت تخدشه وتصيب منه، بحسب صغرها أو كبرها، وذلك أن المعاصي لا يسلم منها أحد، إلا من عصم ربك، وخصوصاً معاصي اللسان؛ ولهذا قال الإمام أحمد: لو كانت الغيبة تفطّر ما كان لنا صوم! ويؤكد العلماء أن المعاصي لا تبطل الصوم، كالأكل والشرب، ولكنها قد تذهب بأجره، وتضيع ثوابه.

والحق أن هذه خسارة ليست هينة لمن يعقلون، ولا يستهين بها إلا أحمق، فإنه يجوع ويعطش ويحرم نفسه من شهواتها، ثم يخرج في النهاية ورصيده «صفر» من الحسنات. 

يقول الإمام أبو بكر بن العربي في شرح حديث: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس للّه حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»(5)، مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذُكر لا يثاب على صيامه، ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه.

وقال العلامة البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع، والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات، وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر اللّه إليه، نظر القبول، فيقول: «ليس للّه حاجة»، مجاز عن عدم قبوله فنفى السبب وأراد المسبب، والله أعلم.

إن الصيام في رمضان خاصة فرصة للتطهر من آثام أحد عشر شهراً مضت، فمن صام صيام المؤمنين المحتسبين كان جديراً أن يخرج من الشهر مغفوراً له، مطهراً من الذنوب، وخصوصاً الصغائر التي يقترفها الإنسان في مصبحه وممساه، ومراحه ومغداه، وقد يستخف بها مرتكبها، ولا يدري أنها إذا تكاثرت عليه أردته وأهلكته.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر»(6)، وقال: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»(7).

فمن لوث صيامه بالمعاصي في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه، فقد أضاع على نفسه فرصة التطهر، ولم يستحق المغفرة الموعودة، بل ربما أصابه ما دعا به جبريل عليه السلام، وأمَّن عليه النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله»(8).

صيام المسافر يرتبط بعدم المشقة

سمعتُ حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «ليس من البر الصوم في السفر»، وأنا أعمل سائقاً، أسوق شاحنة على الخطوط الدولية، ودائم السفر، ومن أجل هذا أنا أصوم أثناء سفري حتى لا يكون هذا الصيام ديناً في عنقي، فما حكم الدين في ذلك؟

- الحديث الذي ذكره الأخ السائل عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس من البر الصوم في السفر»، له سبب ورود، وقد ورد في حالة خاصة، ذكرها البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاماً، ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: «ما هذا؟»، فقالوا: صائم، فقال: «ليس من البر الصوم في السفر»(9).

قال الإمام الطبري: «فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فليس من البر صومه؛ لأن الله تعالى ذِكْره قد حرَّم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها، وله إلى نجاتها سبيل، وإنما يطلب البر بما نَدَب الله إليه وحض عليه من الأعمال، لا بما نهى عنه»(10).

وقال ابن دقيق العيد: «أُخِذَ من هذه القصَّة أن كراهة الصوم في السفر مختصَّة بمن هو في مثل هذه الحالة، ممن يُجهِده الصوم، ويشقُّ عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القُرَب، فينزِّل قوله: «ليس من البرِّ الصوم في السفر»، على مثل هذه الحالة».

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر كثيراً من المسلمين على صيامهم في السفر، فعن عائشة رضي الله عنها، أن حمزة الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني رجل أسرِد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: «صم إن شئت، وأفطر إن شئت»(11).

وكان الصحابة يسافرون في رمضان، فمنهم من يصوم ومنهم من يفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا يعيب المفطر على الصائم، يقول سيدنا أنس ابن مالك رضي الله عنه: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعِب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم(12).

الهوامش

(1) متفق عليه عن أبي هريرة.

(2) رواه البخاري في كتاب الصوم. 

(3) رواه النسائي وابن ماجة عن أبي هريرة، ورواه عنه أحمد والحاكم والبيهقي بلفظ: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش».

(4) ذكر هذه الآثار كلها ابن حزم في المُحلى، 6/ 475، 476.

(5) أخرجه البخاري (1903)، وأبو داود (2362)، والترمذي (707) واللفظ له، والنسائي في «السنن الكبرى» (3246)، وابن ماجة (1689)، وأحمد (10562).

(6) رواه مسلم عن أبي هريرة.

(7) صحيح البخاري (2014).

 (8) رواه ابن حبان في صحيحه عن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده، وقد ثبت نحوه من حديث أبي هريرة وكعب بن عجرة.

(9) متفق عليه: رواه البخاري (1946)، ومسلم (1115)، كلاهما في الصيام، كما رواه أحمد (14426)، عن جابر بن عبد الله. 

(10) تفسير الطبري (3/216)، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، نشر دار هجر، الطبعة الأولى، 1422هـ/ 2001م. 

(11) رواه مسلم (1121)، وأحمد (24196). 

(12) متفق عليه: رواه البخاري (1947)، ومسلم (1118)، كلاهما في الصيام.

الرابط المختصر :