; أخطر من احتلال «حنيش» اليمنية.. طابور خامس في صنعاء يمهد لتدويل جنوب البحر الأحمر | مجلة المجتمع

العنوان أخطر من احتلال «حنيش» اليمنية.. طابور خامس في صنعاء يمهد لتدويل جنوب البحر الأحمر

الكاتب مالك الحمادي

تاريخ النشر الثلاثاء 02-ديسمبر-1997

مشاهدات 11

نشر في العدد 1278

نشر في الصفحة 29

الثلاثاء 02-ديسمبر-1997

أثار انعقاد ندوة عن العلاقات اليمنية الإريترية في العاصمة اليمنية صنعاء انتقادات شديدة بسبب الملابسات التي رافقت الندوة والآراء التي تضمنتها الأوراق المقدمة إليها ووصفها المنتقدون، بأنها شاذة وخطيرة على الموقف اليمني في قضية احتلال جزيرة «حنيش» اليمنية.

وشنت صحف التيارين الإسلامي والقومي حملة انتقادية قوية ضد مجريات الندوة التي واجهت اتهامًا بأنها تبنت وجهة النظر الإريترية وعرضتها بدقة، رغم أن مقدمي الأوراق يمنيون، بينما اكتفى الإريتريون بالتزام الصمت التام طوال أيام الندوة.

من الناحية المبدئية، كانت أهم المآخذ التي انتقدها المعترضون هو تنظيم الندوة من قبل لجنة تطلق على نفسها اللجنة الشعبية للصداقة اليمنية الإريترية، وهي لجنة لم يسمع أحد بها من قبل وتم الإعلان عن تأسيسها في الجلسة الافتتاحية للندوة، كما لوحظ أن رئيسها وأعضاءها ومقدمي الأوراق الخاصة بالندوة ينتمون كلهم إلى الحزب الاشتراكي اليمني.

لكن الأغرب من كل ذلك هو انعقاد الندوة تحت رعاية المعهد اليمني للتنمية الديمقراطية الذي يحظى بدعم ورعاية وزير الخارجية د عبد الكريم الإرياني، الأمر الذي أثار دهشة الكثيرين بعدما اتضحت حقيقة أهداف الندوة، ولا سيما أن ممثل الحكومة الذي حضر جلسة الافتتاح وألقى كلمة فيها هو د. أحمد الإرياني رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في اليمن وأحد أقرباء د. عبد الكريم. 

وعلى الرغم من أن الندوة فشلت في إتمام برنامجها المقرر لها، إلا أن اليوم الأول الذي تم فيه قراءة الأوراق كان كافيًا لكل الذين حضروا لكي يتأكدوا أن ثمة أهدافًا خطيرة تقف وراء الندوة، بل إن أمين عام المعهد اليمني نفسه اعترف بأنه لم يكن على اطلاع بمضامين الندوة وأعلن براءته منها وعمل على إفشال الندوة فانتهت دون إعلان التوصيات بعد أن قاطعها السياسيون والإعلاميون الذين سبق لهم حضور الجلسة الأولى.

أما على صعيد المضامين التي عرضتها أوراق الندوة فقد كانت مفاجئة ومؤلمة لأنها تمثل بدقة وجهة النظر الإريترية تجاه أزمة الجزر، بينما لم تتوافر ورقة واحدة لعرض وجهة النظر اليمنية بل أكثر من ذلك نادت بعض الأوراق بأهمية النظر إلى مستقبل الحياة في جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي وتمتين العلاقات اليمنية مع دوله ولو بإقامة كونفدرالية، وهو ما اعتبر مخططًا لترتيب انتماء جديد لليمن بعيدًا عن الانتماء العربي الإسلامي الذي لاقي من معدي الأوراق هجومًا سفيها وخاصة فيما يتعلق باهتمام اليمن بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي حيث سخرت الأوراق من هذه المساعي، كما سخرت من التأييد العربي للموقف اليمني بشأن «حنيش» وفي مقابل ذلك دعت الأوراق إلى التطبيق والتعايش والتصالح والاهتمام بأوضاع إريتريا التي عانت من الظلم والتجاهل وأشكال الحصار والعدوان وطرحت الأوراق مشروع تكامل اقتصادي مشترك لاستثمار الجزء المتنازع عليها وإقامة كونفدرالية، أو تكتل إقليمي يجمع بين اليمن ودول القرن الإفريقي ولوحظ في السياق نفسه أن الأوراق حرصت على التقليل من خطورة الوجود الصهيوني في جنوب البحر الأحمر، وحاولت التهوين من الأطماع الصهيونية وعلاقات الكيان الصهيوني بنظام «أسمرا» التي وصفتها بأنها علاقات قائمة على التبادل السلعي فقط، واعتبر المنتقدون أن أخطر ما في الأوراق المقدمة للندوة أنها بدت كأنها تهدف إلى إضعاف الموقف اليمني في جولات التحكيم الدولي بل لم يتردد أحد مقدمي الأوراق من القول إنه لم يكن يعلم أن جزيرة «حنيش» يمنية، وأنه يدعو الحكومة اليمنية لتقديم ما يثبت «يمنية» حنيش حتى يقتنع بموقفها كما عابت الأوراق على الموقف اليمني أنه حمل القضية أكثر مما تحتمل من أوصاف ونعوت تفتقر للحيادية، وأن فرقاء اللعبة السياسية اليمنية اعتبروا الأمر كأنه دفاع عن الأرض والعرض نتيجة قصور الوعي اليمني في تفهم الشأن الإريتري وبالتالي، فإن الأوراق صورت جهود اليمن لاسترداد حقوقه بأنه يتقاطع مع «منطق الحياة» و«مساعي استئصال شأفة العداءات المتبادلة»، ولا سيما أن القوى الدولية، في نظر الأوراق- ترفض فكرة أن البحر الأحمر بحر عربي وتعتبرها فكرة مؤرقة!

من يقف وراء الندوة؟

ثمة جوانب غامضة تتعلق بالندوة سواء على الصعيد النظري أم الجانب التنفيذي، فالندوة طرحت أفكارًا جعلت كثيرين يرون أن هناك رغبة في تهيئة الأذهان لشيء ما بالنسبة لمستقبل أرخبيل «حنيش»، وربما منطقة جنوب البحر الأحمر الاستراتيجية وأن الرغبة تحض على تدويل المنطقة وجعلها تحت إشراف مشترك أمنيًا واقتصاديًا بين اليمن وإريتريا والقوى الأخرى الإقليمية والدولية التي لها مصالح خاصة مثل الولايات المتحدة و«إسرائيل»، وكل ذلك يقتضي  بالضرورة- ألا يكون لحكم المحكمة الدولية التي تنظر في أمر النزاع اليمني الإريتري القول النهائي، وبمعنى آخر أن افتراض صدور الحكم لصالح اليمن لا يعني واقعيًا إحكام سيطرتها على المنطقة، ومن الجوانب الغامضة دور المعهد اليمني لتنمية الديمقراطية- المنشق عن آخر بنفس الاسم-، ولا سيما أنه يحظى برعاية حزب المؤتمر الشعبي العام وأمينه د. الإرياني وبالتالي فإن تبرؤ الأمين العام للمعهد من الندوة لا يعفي الآخرين من المسؤولية عن دورهم في احتضان الندوة.

وفي السياق نفسه، فقد تولى الاشتراكيون عملية التنظير الفكري للندوة كاملة، وهو مظهر غريب، لأن معدي أوراق الندوة يمثلون تيارًا اشتراكيًا متطرفًا يعادي حزب المؤتمر الشعبي العام، لذلك فالغرابة حاصلة من التقاء هذا التيار مع تيار المعهد الديمقراطي المدعوم من حزب المؤتمر. 

وبالعودة إلى موضوع تدويل جنوب البحر الأحمر، فليس سرًا أن هناك تحفظات أمريكية على الدور الفرنسي الذي يرعى عملية التحكيم بين اليمن وإريتريا، حيث تشرف قوات فرنسية على المنطقة لمراقبة الالتزام بالاتفاقات التي مهدت للتحكيم، ومنعت الدولتين من تغيير الأمور حتى صدور الحكم النهائي المتوقع في نهاية ۱۹۹۸م!

ومن الأمور المتداولة أن الأمريكيين يرغبون- فعلًا - في تحقيق وجود دولي يشرف على منطقة جنوب البحر الأحمر، وخاصة مضيق باب المندب الذي تمر منه نسبة كبيرة من التجارة العالمية، وفي الوقت نفسه فإن وجود الإشراف الدولي يسمح بتواجد إسرائيلي يطمئنهم على أمنهم الذي يرونه قابلًا للتهديد من الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، وعلى كل ذلك فإن مجريات الندوة تصب في الأخير في خانة الرؤية الأمريكية للوضع النهائي في المنطقة، وتمهد لها شعبيًا وتحت مظلة تحركات شعبية ليس لها صفة رسمية، كما يلاحظ أن هناك تسريبات تصل إلى اليمنيين تثير مخاوفهم من ضعف وثائقهم وأدلتهم على تبعية أرخبيل «حنيش»، لليمن في الوقت الذي يقال فيه إن الإريتريين يملكون وثائق قوية ودامغة.

على الصعيد الرسمي، لم تصدر أي إشارة خلال الأسبوع التالي للندوة ولم تشر إلى الأمر صحيفة «26 سبتمبر» المقربة من القيادة اليمنية، والتي تعد ناطقًا غير رسمي رغم تبعيتها ظاهريًا للقوات المسلحة.

أما على مستوى المعارضة، فقد خصص الإسلاميون حيزًا مهمًا من صحيفتهم المركزية «الصحوة» للندوة وانتقدوا بقوة الأفكار التي تضمنتها الأوراق وخاصة فيما يتعلق بتكوين نظام إقليمي جديد ينتزع اليمن من محيطه العربي وكذلك فعل الناصريون، لكن ردود الفعل سوف تظهر بصورة كاملة خلال هذا الأسبوع بعد أن تتضح حقيقة الندوة وبالتالي فإن ردود الأفعال تكشف- كذلك- جزءًا مهمًا من الخلفيات والدوافع التي مهدت للندوة ورتبت لها، بل وبالتعاون مع النظام الإريتري الذي أرسل مندوبين عنه لحضور الندوة من إريتريا نفسها ومن طاقم سفارته في صنعاء، وإن كانوا حرصوا على التزام الصمت الكامل أثناء الندوة وهو الوضع الذي جعل اليمينين المتقدمين يقولون إنهم يتفهمون صمت الإريتريين طالما أن هناك من اليمنيين من حمل عبء الدفاع عن وجهة نظر إريتريا!

  
  أي دم هو موضوع للأخبار، ولكن الدم الغربي تنتشر أخباره في جميع أرجاء العالم فموت شخص غربي هو تذكرة دعاية إعلامية، وقد يكون عشرة آلاف جزائري قد ماتوا لهدف مماثل، ومعهم مائة ألف أفغاني ومليون عربي، لكن هذا لا يهم، ففي الحسابات الكئيبة للقيم الإعلامية يعادل موت غربي موت ألف عربي، وجثته تستدعي عنوانًا رئيسيًا، وتفتح صفحة للإعلان عن قضية قاتلة.جريدة تايمز

 

الرابط المختصر :