العنوان رسائل المحبة من القلوب المحبة (۳)- إلى أحق الناس بحسن صحبتي..
الكاتب د. إيمان مغازي الشرقاوي
تاريخ النشر السبت 01-أغسطس-2009
مشاهدات 13
نشر في العدد 1863
نشر في الصفحة 52
السبت 01-أغسطس-2009
الأم
نسمة في الظهيرة... دفء ساعة القشعريرة.. حب فوق العشيرة.. قربها بلسم وشفاء... وصحبتها
ذكر وصفاء
أيتها
الأم الحنون مهمتك في الحياة كبيرة وشاقة فكوني القدوة والمثل الأعلى والمعلمة
والمربية والناصحة الأمينة
المرأة
التي فهمت أمومتها خرجت قمما شامخة في تاريخنا الإسلامي من أمثال خالد وصلاح الدين
والمعتصم وأسماء
لا تعودي
ابنتك في الصغر على ارتداء الملابس العارية واغرسي في نفسها خلق الحياء وعوديها بالتدريج
على ارتداء الحجاب
هذه رسائل محبة نبض بها قلبي مشاعر حب، وترجمها لساني كلمات ود، وأملاها على قلمي البسيط فسطرها بمداد الأخوة، وزرعها على أرض الورق حروفاً لتثمر علماً وعملاً.. هي رسائل أود أن تصل إلى أعماق النفوس عبر أثير الحب في الله، وأن تدخل كل بيت عبر أشعة النور في أرجاء كونه الشاسع، علها تجد طريقاً إلى قلب القلوب.
إن قلمي يكاد
ينكسر خجلاً وتواضعاً أمامها، ولساني يوشك أن يتوقف فلا يبين تجاه فضلها، وأني
لأصابعي أن تتجرأ وتمسك بالقلم لتخط حروفا قاصرة لا تفي ببعض حقها، وهي ذات المقام
العالي إذ نوه الله تعالى بذكرها، وصاحبة المنزلة الرفيعة حيث أمر الرسول الرحيم
ببرها. إنها النغمة المحببة التي لا تملها النفوس الطيبة إذ يترنم بها الصغير
والكبير مردداً إياها كلما غدا أو راح، لا يهدأ له بال حتى تكتحل عيناه بطلعتها
البهية التي لا تقل حلاوة وأهمية عن طعامه وشرابه، فلا يغمض له جفن إلا على
هدهدتها، ولا يستقر له وجدان إلا في أحضانها.. هي عطر حياتنا الحقيقي وأريجها
الفواح، ونبع العطاء ومعين المودة، وبحر الحب وثوب العطف وقلب الحنان وسبب الرحمة.
إنها نسمة في
الظهيرة.. دفء ساعة قشعريرة.. حب فوق العشيرة ...
حضنها يبدد برد
الشتاء.. قربها بلسم ودواء.. صحبتها ذكر وصفاء...
في صباح نراها
أو مساء.. هي دوما لنا ري وماء.. نجمة هي في المساء.. قمر هي في السماء.. شمس هي
وهواء!!
لا تتعجب.. فإنها أمي وأمك - أيها الإنسان -
التي حبانا الله بها وأودعنا بطنها، وأسكننا قلبها وجعلها لنا وعاء وستراً وغطاء،
فاللهم اجزها عنا خير الجزاء.
إليك
يا أم
يا من أكرمك
الله في كتابه وفرض طاعتك في المعروف على أولادك وجعلها من طاعته، أما فكرت يوما
لم كل هذه الكرامة، وماذا عليك تجاهها، وما المطلوب منك لتستحقي نيلها؟ لا شك أن
منزلتك عند الله تعالى على قدر مسؤوليتك ومكانتك بحجم واجبك، والأمانة الملقاة على
عاتقك كبيرة وعظيمة، والحمل ثقيل يحتاج منك للتشمير والسعي بخطا ثابتة راسخة
لتقومي بدورك خير القيام وأحسنه فأنت المدرسة الأولى والمعلمة الأساسية وأنت أول
محضن وأول حجر ينشأ فيه الطفل بعد أن اختلط دمه بدمك، وجاور جسده جسدك وامتزجت
روحه بروحك حتى خرج وانفصل عنك إلى عالم الحياة الدنيا، وإن لم تفترقا معنويا
وقلبيا. لذا فأنت ذات تأثير قوي في هذا الوليد منذ كان في بطنك، يستمد غذاءه من
غذائك ويصح بدنه بصحتك ويمرض بمرضك وأنت تنقلين له بقدرة الله عز وجل صفاتك
الإيجابية والسلبية منها على السواء، فهو جزء منك وقطعة تنبت في أرضك ثم تنفصل عنك
بمشيئة الله بمعجزة الولادة.
همسة
في أذن كل أم...
أيتها الأم
الحنون.. يا زهرة قد أنبتت وبمثلها تبنى الأمم.. إن مهمتك في الحياة كبيرة وشاقة،
إنها تشبه إلى حد ما مهمة الرسل والأنبياء، فلقد جعلك الله تعالى أمينة على أولادك
جميعاً من بنين وبنات وأنت مع ذلك مربية ومعلمة ومبلغة وناصحة لهم، ولا تتعجبي من
ذلك. ألست أنت من تغرسين في نفوسهم العقيدة السليمة منذ الصغر، وترضعينهم حب الله
ورسوله مع اللبن؟ أليست سنوات أعمارهم الأولى تمر عليهم وهم أمانة بين يديك؟ أليست
عقولهم النقية وقلوبهم النظيفة تتفتح عليك؟ ثم مع كل ذلك تنظر أعينهم الصافية إليك
وأنت تتقلبين في أحوال شتى، فيرصدون حركاتك ويسجلون أخلاقك شئت ذلك أم أبيت، فأنت
لهم قدوة ومثل وقائد ومرشد وأم ومدرسة لذا فإن دورك عظيم وأنت راعية عليهم ومسؤولة
عنهم أمام الله تعالى.
لكن بعض الأمهات
ما زلن لا يعين دورهن تجاه فلذات الأكباد، ولم تتسع نفوسهن نفي لأن يرتدين ثوب
الأمومة السابغ أو يُزين صدورهن بقلادتها الثمينة والنتيجة واضحة ألا وهي اتساع
الهوة بين الأم وأولادها، وفقدان الثقة في نفوسهم واهتزازها، وتذبذب في العاطفة
يؤدي إلى محاولة إشباعها وتهدئتها بطريق آخر لا نحبه ولا نؤيده. نجد ذلك في هذه
الهمسة التي أنقلها لك على لسان ابنة زهرة في عمر الزهور، همست لك بها على وجل
واستحياء.. إنها لك ولكل أم...
لقد
كبرت وصرت عروساً
أماه يا حبيبتي
يا ذات الحضن الدافئ ويا صاحبة القلب الحاني، ومليكة الوجه الطيب، أشعر أن حبك
يملأ قلبي ويملك جوارحي ويغزو أعماقي، فيلهج به لساني لك دعاء في صلاتي، فكم تعبت
في تربيتي وسهرت على راحتي، وشقيت من أجلي حتى كبرت وصرت عروساً جميلة يتطلع إليها
الخطاب.
إن أفضالك علي
أماه كثيرة لا تقدر وحقك علي عظيم، لكني يا حبيبتي أريد أن أسر لك أمرا يؤرقني
وألفت نظرك إليه... وسامحيني أماه، فلقد كبرت حقا يا أمي كما تقولين، أسمع كلماتك
التي ترددينها دوماً أمام الصديقات أنني ابنتك الكبيرة وأشعر أنك تفخرين بي أمامهن
وأرى ذلك في نظراتك الحانية لي وفرحتك الكبيرة بي كلما زاد طولي ونما جسمي، لكني
كلما كبرت يا أمي كبرت حاجتي إليك وإلى صحبتك، وازداد شوقي للجلوس بين أحضانك
الدافئة التي تذيب جليد الشتاء وتدفئ لياليه القارصة، فكم أنا بحاجة إليك يا أماه
فإنني لا ولم أستغن عنك ببلوغي فترة الشباب، بل أشعر بضرورة القرب منك وأحتاجك لفك
طلاسم الحياة الجديدة التي قد أخطئ في فهمها وأجهل الكثير منها بعد أن تخطيت مرحلة
الطفولة، وكم أتمنى أن أجلس بين يديك لأخذ عنك علم الحياة لكني يا حبيبتي كلما
اقتربت أنا أراك تبعدين وتبعدين، ولا شك أن بعدك هذا غير مقصود، يشغلك عني أشياء
كثيرة، وينزعك مني اهتمامات عديدة، عملك وصديقاتك مطبخك وضيوفك هواياتك وهواتفك
أهلك وأخواتك برامجك ومسلسلاتك ماكياجك وأزياؤك، مطالب أبي وإخوتي الصغار، وأنا
حيرى وحيدة، أشعر في قرارة نفسي أنني يجب أن أكون عندك أهم من كل ما يشغلك في هذه
المرحلة الحرجة من عمري، فأنا كنزك يا أمي، وأنا امتداد لك، صحيح أنك تؤمنين لي كل
شيء أحتاج إليه لكني لا أريد من يخدمني بل أريد من يسمعني، ولست بحاجة لخزانة
مملوءة بالأزياء والملابس بل أحتاج قلبا صدوقا كقلبك أخزن فيه أسراري، ولسانا
نصوحاً کلسانك أعرف منه قراری، فلم تغربين عن عيني أكثر النهار وتنامين معظم الليل
وأنت بي لا تشعرين بحجة أنني قد كبرت ألا تعلمين أنني الآن بحاجة إليك من ذي قبل،
أريد أن أنهل من خبرتك وتجاربك في الحياة، أريد أن أستشيرك فيما يمر بي من مواقف
وأحداث أريد أن أتكئ عليك وأستند إلى صدرك الحاني عند حلول أية عقبات.
أي
الأمور ترضيك يا أماه؟
أماه.. إن
تحديات العصر من حولي كثيرة والشبهات فيه واردة والشهوات بي محيطة، وأنا الآن بين
عدة خيارات، إما أن أحبس مكنون صدري عن الأسماع وأخفيه عن الأنظار وهذا بالنسبة لي
صعب محال وإما أن أتخذ صديقة أفرغ لها ما عندي لكنها مثلي لا خبرة لها في الحياة،
فربما أضرتني بنصحها وهي لا تدري، أو أقتل وقتي وأهرب من نفسي على شاشات الإنترنت
والجوال لعلي أجد ما أريد، فانظري يا أماه أي الأمور منها يرضيك؟ إنني أسعد كثيرا
يا أمي عندما تذكرينني بالمذاكرة وتأمرينني بها، لكني أمل من كثرة إلحاحك علي في
ذلك الأمر، فأنت لا تريدين رؤيتي بغير الكتاب في يدي، وأتمنى أن تسأليني: ماذا
تعلمت وماذا فهمت وما الذي يصعب عليك؟ فبالأمس القريب شرحت لنا المعلمة درسا في
الطهارة وفقه النساء، وكم كنت أتمنى أن أسمعه منك قبلها حتى أسألك دون خجل عما
يلتبس علي فيه وأعي ما يقال، بدلا من تلقيه من هنا وهناك، كما تفعل بعض الصديقات
عن طريق الإنترنت مثلا أو شاشات الفضائيات أمي وحبيبتي..
ينتابني شعور
بالأسى حين لا تفهمينني عندما أشارك في الحديث معك، أو تصيحين في وجهي أمام إخوتي
وزميلاتي بل وصديقاتك أحيانا كأنني ما زلت طفلة صغيرة رغم أنك تعترفين أني قد كبرت
وصرت فتاة ناضجة، وأحزن أكثر حينما تسفهين رأيي وتسخرين منه بحجة أنني لا أفهم
ويسوؤني شكواك مني لجارتنا فلانة على مسمع ومرأى مني، فتهتز ثقتي بنفسي وأنكمش
خجلا من تلك الجارة وبناتها.
أماه..
أنت قدوتي ومثلي
وكما يقولون: إن
البنت تحاكي أمها في تصرفاتها، وتتخلق بأخلاقها، وكم أسعد حين أرى الحب يلقي
بظلاله الوارفة على بيتنا فيجعل منه روضة تسر الناظرين لكني مع ذلك أحزن كثيراً
حين أسمع أنا وإخوتي عتابك لأبي، وأطلع على بعض ما يشوب علاقتكما، وأحيانا أشعر
كأنكما معا في معركة، ولا أدري لماذا يحدث هذا منكما؟ وماذا لو تنازل أحدكما أو
كلاكما عن التمسك برأيه والتماس العذر للآخر؟ ولا أدري أيضا لماذا تحرصان على أن
أكون أنا وإخوتي أطرافا في النزاع الحاصل بينكما؟ كل ذلك يحصل بالفعل حين تتطور
كلمات العتاب وتزداد حدة الخلاف بينكما وتقفز الكلمات الساخنة من فوق أسوار غرفة
النوم الخاصة بكما، فتحرق في بيتنا السعادة التي تنعم بها، وتجفف ينابيع المودة بينكما،
وتشوه أمامي صورة القدوة التي أتيه بها فخرا على كل قريناتي، وعذرا أماه وسامحيني
لصراحتي وجرأتي على هذا الكلام.
أيتها
الأم المربية
ونحن نقول لهذه
الأم ومثيلاتها: إن التغيير للأحسن بيدك إن شاء الله، واعلمي أن المرأة حين عرفت
دورها وأيقنت في قرارة نفسها أنه لا يقل أهمية عن دور الرجل بل قد يفضله، خرج من
تحت يديها قمم شامخة أمثال خالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي، والمعتصم،
والفاتح، وأسماء ونسيبة، وأمتنا بفضل الله ولادة، وما زال الأمل باقيا ما عادت
الأم إلى حمل أمانتها بصدق وإخلاص، فهلا كنت واحدة من هؤلاء المخلصات؟!
- أحسني اختيار أسماء بنيك
وبناتك، ودعي عنك الأسماء المستوردة التي غزت مجتمعاتنا وأسرنا مع موجة الغزو
العارمة، وحاولي بشتى الطرق أن ترضعي أولادك الرضاعة الطبيعية التي هيأها الله
تعالى للولد منذ مولده واهتمي بنظافتهم وبصحتهم ولا تفضلي الذكر على الأنثى وضميهم
جميعا إلى صدرك وأشبعيهم حنانا وعطفا؛ لينشؤوا أسوياء في عواطفهم، وعلميهم كلمة
التوحيد ولغة القرآن وكلام الله تعالى واغرسي في قلوبهم العقيدة الصحيحة والقناعة
والزهد والرضا منذ الصغر، وأحسني أدبهم وتربيتهم، وكوني لهم مثالا في حسن الخلق،
وعلميهم الآداب العامة والاجتماعية والأدعية والأذكار، وحببي إليهم العلم وشجعيهم
على التفوق في طلبه واجعلي من نفسك صديقة حميمة لهم وشاركيهم هواياتهم إيناسًا
لهم، واستمعي لآرائهم وأشركيهم في بعض مسؤوليات وقرارات الأسرة.
- لا تعودي ابنتك في الصغر على ارتداء الملابس العارية، واغرسي في نفسها
خلق الحياء، وعوديها بالتدريج ارتداء الحجاب وبيني لها حكمه، وكوني لها قدوة،
وهيئيها لوقت البلوغ بفقه الحيض والطهارة، وأعديها لأن تكون زوجة وأما بفقه الزواج
والحياة الزوجية، وجهزيها ليوم عرسها بنصائحك الذهبية التي ترضي الله، واحذري
العري والسفور والمجون والاختلاط في هذا اليوم السعيد، ولا تعرضيها لخوض تجربة
الزواج دون إعداد مسبق منك، وكوني أمامها قدوة في ذلك.
وأخيراً عزيزتي
الأم لا تجعلي أولادك في ذيل اهتماماتك، أو في آخر أولوياتك فمكانهم يجب أن يكون
قبل عملك وصديقاتك وأشغالك ومناسباتك، ثم لا تنسي الدعاء الخالص لهم بالهداية
والتوفيق، وألحي على الله ﴿ رَبَّنَا هَبْ
لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنِ وَاجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان) .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل